كانت دعوة للسرقة.. تسلق اللص المحترف السقالات المعدنية المنصوبة حتي الدور الرابع، وصل بخفة إلي نافذة المتحف وتمكن من تحطيم القضبان الحديدية وحطم النافذة الزجاجية ودخل منها إلي المتحف الذي يضم ألفي قطعة أثرية نادرة، انتقي 140 قطعة أثرية نادرة من المتحفين المصري والإسلامي، السرقة التي تمت إما نتيجة للإهمال وحسن النية أو الاهمال المقصود بسوء النية، ووراءه مافيا تجارة الآثار التي لا تقل شراسة وخطورة عن مافيا المخدرات والسلاح. القطع النادرة التي تمت سرقتها من متحف كلية الآثار جامعة القاهرة تتعدي قيمتها كما قدرها العلماء الأثريون بحوالي مليار دولار في سوق تجارة الآثار الدولية.. أما قيمتها التاريخية والفنية والآثرية فلا تقدر بثمن، الغريب والمؤسف أن يخرج علينا الأمين العام الجديد للمجلس الأعلي للآثار الدكتور مصطفي أمين الأسبوع الماضي علي إحدي القنوات الفضائية قائلا: إنه يطمئن المصريين أن آثار مصر بخير ولم تتم سرقة أشياء ذات قيمة وأهمية. وكان هذا التحقيق الذي يكشف أهمية الآثار المسروقة وقيمتها وأهيمتها والتي حاول الجميع التعتيم عليها بالصور والمستندات. أيضا دينار ذهبي من أيام الخلافة العباسية في عصر الخليفة هارون الرشيد، ودينار ذهبي باسم الخليفة الفاطمي العزيز بالله، ودينار ذهبي من العهد الأيوبي باسم السلطان العادل أبوبكر ودينار من الذهب من عهد المماليك البحرية باسم السلطان حسن، ودينار ذهبي يعود لأيام المماليك الجراكسة باسم السلطان الاشرف بارسباري، ودينار من العصر العثماني باسم السلطان سليمان القانوني، أما ما تم سرقته من المتحف المصري من كلية الآثار فبلغ 129 قطعة نادرة علي سبيل المثال رأس من البرونز، للإلهة أوزوريس من العصر اليوناني والروماني وهي قطعة فريدة علي مستوي العالم، وتمثال للإله أوزير وتمثال نادر للإلهة إيزيس لا تقدر بثمن وتمثال نادر للإله آمون وهو من الخشب المغطي بالذهب وهو الإله الرسمي للدولة في العصر الحديث وثلاث قطع عملة نادرة للامبراطور الروماني نيرون الذي أحرق روما، و79 عملة برونزية من العصرين اليوناني والروماني. القطع الأثرية النادرة المسروقة جميعها مسجلة ولها كتالوج وهي في الأصل ملك لمصلحة الآثار «المجلس الأعلي للآثار الآن» وطلبت جامعة القاهرة منذ الأربعينيات حيازتها في متحف خاص بها باعتبارها نتاج حفائر بعثات الجامعة وتم انشاء متحف خاص بها منذ هذا التاريخ. اكتشاف السرقة تم اكتشاف السرقة منذ خمسة شهور تحديدًا صباح الأربعاء 11 مايو الماضي عندما تشكلت لجنة من الدكتور عمر عبدالكريم الأستاذ بالكلية والباحث الرئيسي في مشروع ممول من اليابان لترميم المنسوجات الأثرية المعروضة بالمتحف ومعه مدير إدارة المتاحف محمد درويش وأمين المتحف الإسلامي بالكلية عبدالوهاب عبدالفتاح ومدير إدارة الأمن محمد البشري لفتح المتحف الذي تم إغلاقه بعد ثورة 25 يناير وبعد أن قامت اللجنة بفتح الباب الحديدي للمتحف الإسلامي ثم الباب الخشبي، كانت المفاجأة في انتظارهم. الفاترينات التي بها المعروضات الإسلامية النادرة محطمة وملقاة علي الأرض علي الفور طلب الدكتور عمر عبدالكريم ومدير المتاحف عدم لمس أي شيء، واكتشفوا وجود كسر في إحدي النوافذ الزجاجية ومن خلفهم الشبكة الحديدية وعدد 2 قصب حديدي سميك تم خلعهما، النافذة المكسورة في الطابق الرابع حيث تقع المتاحف، وتطل هذه النافذة علي الحائط الخلفي المطل علي مزارع كلية الزراعة حيث السقالات المنصوبة علي الحائط، تم ابلاغ الشرطة فحضرت المباحث في الرابعة والنصف عصرا.. غير أن كارثة أخري كانت في الانتظار. اكتشف رجال المباحث أيضا سرقة المتحف المصري بالكلية الذي يضم مجموعة من الآثار المصرية القديمة واليونانية والرومانية، وقاموا بحصر تقريبي للمسروقات من المتحفين ومقارنتها بسجل الكشوف والسجلات. انتهي تقرير الادارة العامة لتحقيق الادلة الجنائية ادارة مسرح الجريمة بوزارة الداخلية - والذي حصلنا عليه - الذي أعده الملازم أول محمد الطيب والمقدم أحمد غالب رئيس قسم فحص آثار الآلات والعميد عصام عامر واللواء جمال عبدالمنعم وكيل الادارة انه تبين لهم انه يوجد كسر حادث بزجاج النافذة من جهة الخارج نتج عنه مساحة فراغية 80 سم * 50 سم تسمح بمرور شخص من خلالها وبالنظر من خلال تلك النافذة تبين وجود سقالات معدنية ملاصقة لهذا الحائط وسهولة تسلق تلك السقالات والوصول الي النافذة وأمكن من خلاله سهولة الوصول لمحتويات تلك الفاترينات وسرقتها. انتقل الموقف الي النيابة العامة التي انتهي تحقيقها بألا وجه لاقامة الدعوي الجنائية لعدم معرفة الفاعل وتكليف الشرطة بموالاة البحث والتحري لمعرفته وتم التعتيم تماماً علي الآثار المسروقة وعددها وقيمتها الاثرية والفنية والتاريخية. دعوة لسرقة المتاحف كانت السقالات قد تم نصبها علي واجهة الكلية والحائط الخلفي المطل علي مزارع كلية الزراعة والتي لا يراها أحد وتصل هذه السقالات الي الدور الرابع وهي سبب وقوع الكارثة مدير المتاحف بكلية الآثار محمد درويش قال لي لقد تقدمت بمذكرة وقعت عليها ومعي أمناء المتاحف الي الدكتورة عزة فاروق عميدة الكلية وحذرناها من وجود هذه السقالات وطالبنا بألا تصل الي الدور الرابع وضرورة اتخاذ الاجراءات المناسبة تحسباً لحدوث ما يهدد أمن المتحف لكنها لم تأخذ بتحذيرنا وبعد اكتشاف السرقة تقدمنا بمذكرة أخري للعميدة تطلب اتخاذ الاجراءات اللازمة لتشكيل لجنة من قبل وزارة الاثار لاجراء عملية جرد وتصنيف القطع الاثرية التي تم اكتشاف سرقتها وحذرنا مرة أخري من خطر وجود هذه السقالات حتي لا تتعرض باقي الاثار للسرقة ورفضت العميدة استلام المذكرة فقمنا بالذهاب الي مكتب رئيس الجامعة الدكتور حسام كامل وسلمنا المذكرة علي سركي بتاريخ 31/5 تحت رقم «1501» وعندما علمت العميدة بقيامنا بهذا الاجراء الرسمي قامت بنقلي أنا وزملائي أمناء المتاحف الي اقسم ادارية بالكلية لا علاقة لها بتخصصنا علماً ان هذه الاثار عهدتنا وظل الامر معتماً عليه حتي فجرت «الوفد» القضية في الاسبوع قبل الماضي وخرجت العميدة تهاجم ما تم كتابته وتتدعي ان هذه الاثار غير مسجلة وأمام النيابة ألقت باللوم كله علي الادارة الهندسية وقالت ان هذه الادارة هي المسئولة عن وضع السقالات ولم تتخذ أي اجراء بالرغم من تحذيرنا الرسمي والسؤال الذي يطرحه خبراء الاثار والمسئولون لماذا لم تستجب العميدة لصيحات التحذير الشفهية والرسمية ولماذا لم تتخذ الجامعة حتي الآن الاجراءات الرسمية للتحقيق مع العميدة والمسئولين بالكلية؟. خبراء القانون يحددون المسئولية أستاذ القانون الدكتور حسين فتحي عثمان عميد كلية حقوق طنطا: أنا كأستاذ قانون وعميد وطبقاً لقانون تنظيم الجامعات فإن العميدة هي المسئولة عن تصريف أمور الكلية الإدارية والعلمية والتعليمية والمالية، أمام هذه الواقعة الخطيرة وهي سرقة 140 قطعة أثرية نادرة فإنه يتعين علي الجامعة احالتها فورا الي التحقيق هي والمسئولون بالكلية، وفي التحقيق ستثار مسألة الإجراءات التي اتخذتها بمقتضي واجبات وظيفتها كعميدة لتأمين المتحف وعن اسنادها الإشراف علي المتحف وما يحتويه لأحد الوكلاء، ولو ثبت انها غضت الطرف ولم تهتم بالتحذيرات التي قدمها المسئولون عن المتحف وإذا كان هذا الكلام صحيحاً ووقعت عملية السرقة بسبب هذا الإهمال ولم تعط لهذه المحاذير اعتبارا فيتم إحالتها إلي مجلس التأديب وإذا كان هذا الإهمال قد تسبب في إهدار مال عام كما حدث فسيتم محاسبتها جنائياً أما بالنسبة لمسئولية الإدارة الهندسية وأنها هي التي أقامت السقالات حتي الدور الرابع فإنه من المعلوم يناط بعميد الكلية دون غيره مطالبة الجامعة بأي إصلاحات أو ترميمات أو تعديلات أوتوسعات أو دهانات أو صيانة وهو الذي يطلب ذلك وهو المنوط به الحفاظ علي منشآت الكلية ومحتوياتها وأي خطر يتهددها ويخطر رئيس الجامعة ومدير الإدارة الهندسية بخطورة ما يحدث وخاصة انه هناك خطر من وجود السقالات حتي الدور الذي توجد به المتاحف ويتساءل عميد حقوق طنطا هل فعلا أخطرت رسميا رئيس الجامعة أو مدير الإدارة الهندسية بخطورة وضع السقالات حتي الدور الرابع حيث توجد المتاحف وهنا يأتي أهمية إحالة العميدة الي التحقيق أمام كلية الحقوق، الدكتور جمال جبريل استاذ ورئيس القانون العام بكلية الحقوق جامعة حلوان بعددراسته لموضوع السرقة أوضح أن السارق هناك من دله وحدد له القطع التي تم سرقتها والتي لا تقدر بثمن، وبالتالي الوصول الي الجاني سيكون سهلا، مضيفاً: «أتساءل أين شرطة الآثار والمباحث المتخصصة والتي يجب أن تباشر بجدية البحث عن الآثار النادرة المسروقة لتقدم أدلة جديدة حتي يمكن للنيابة إعادة فتح الموضوع لذا فإنني أري انه توجد مخالفة تأديبية واضحة للإهمال والإخلال بواجبات الوظيفة العامة ولابد من إحالة العميدة والمسئولين بالكلية الي التحقيق بمعرفة كلية الحقوق واحالتهم الي مجلس تأديب ويتساءل الدكتور جمال جبريل: «لماذا لم تتخذ الجامعة حتي الآن إجراءات إحالتهم إلي التحقيق منذ حادث السرقة فالعميدة طبقا للقانون مسئولة مسئولية مطلقة وأيضا توجد مسئولية جنائية بجانب المسئولية التأديبية تتمثل في إهدار المال العام بسبب هذا الإهمال الذي أدي إلي سرقة هذه القطع الأثرية النادرة. آثار بمليار دولار تقييم الآثار المسروقة من كلية الآثار وصفها الخبير الأثري الدكتور حجاجي إبراهيم أستاذ الآثار وعضو اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية وعضو اللجنة العليا للمتاحف والحاصل علي وسام فارس من الحكومة الإيطالية يقيم ما حدث في متحف كلية الآثار انها كارثة بكل المقاييس وضياع لثروة مصر الأثرية وجهود الرعيل الأول من أساتذة الآثار والذين حصلوا علي هذه القطع النادرة من التنقيب في عرب الحصن وسقارة والجيزة وتونا الجبل والهرم والفسطاط والقطائع والعسكر والقاهرة الفاطمية وأقول - والكلام للدكتور حجاجي - للأمين العام الجديد للمجلس الأعلي للآثار إن هذه الآثار المسروقة لا تقدر بثمن يكفي سرقة الدينار الذهبي للسلطان بلباي الذي حكم مصر ليلة واحدة والمعروف باسم السلطان ليلة ودينار الخليفة الفاطمي العزيز بالله ودينار السلطان الأيوبي أبو بكر العادل والسلطان المملوكي حسن مؤكدا ان هذه الآثار المسروقة من أهم الآثار الإسلامية علي مستوي العالم ولها قيمة عالمية وأثرية نادرة فهل هذه الآثار لا تمثل شيئاً ذا قيمة كما ادعي الأمين العام الجديد للمجلس الأعلي للآثار أن ما حدث في متحف كلية الآثار مثال لما يحدث في نهب الآثار المصرية، ويعقب الدكتور إبراهيم سعد مفتش الآثار الأسبق وأستاذ الآثار العالمي أن قيمتها تصل إلي مليار دولار أو يزيد، أما قيمتها الأثرية والتاريخية فلا تقدر بثمن ولعل الدكتور مصطفي أمين لم يعرف حقيقة الآثار المسروقة في متحف كلية الآثار بحكم عمله وانشغاله الوظيفي طوال عمله بالهيئة ويواصل الدكتور إبراهيم سعد ان هناك مجموعة من الأخطار الإدارية تتمثل في عدم تأمين تلك القطع النادرة من العملات الذهبية الأثرية النادرة وغير الموجودة في أي متحف في العالم وكان يجب ان تنقل في خزانة آمنة، وأن يتم ترصيصها وحفظها في مكان آمن، وأنه من الغرابة ان يحدث هذا داخل محراب كلية الآثار التي تعلم الطلاب والدارسين أهمية الآثار والمحافظة عليها من هذه السرقة وما حدث هو انتهاك لعرض الكلية فكيف يكون للأساتذة المصداقية أمام تلاميذهم. العالم الأثري الدكتور صلاح الخولي استاذ الآثار المصرية المتفرغ يرد علي الدكتور سعد قائلا: «أعضاء هيئة التدريس قاموا بواجبهم فقد نبهوا وحذروا وقدموا بلاغا إلي النائب العام ثم بلاغا آخر إلي رئيس هيئة النيابة الإدارية لتحديدالمسئولية وهذه البلاغات لم يتم التحقيق فيها حتي الآن ولم نعرف ما السبب لعدم إجراء هذه التحقيقات أو من وراء ذلك وإذا حدث تحقيق يتميز بالشفافية فسيتم كشف أشياء خطيرة وصادمة، أنا شخصياً قمت بإبلاغ هيئة اليونسكو بعد التقاعس الملحوظ في التحقيقات، منتظرا أن تصدر من الهيئة العالمية نشرة دولية بمواصفات هذه الآثار النادرة حتي لا تتداول هذه المسروقات في عالم التجارة السفلية للآثار. كان من المفترض أن تقوم العميدة أو المجلس الأعلي للآثار بهذا العمل بطريقة رسمية ولكن فوجئنا بهذا التعتيم المريب وللأسف يخرج علينا الأمين العام الجديد للمجلس الأعلي للآثار ويقول كلاما غريبا إن ما تم سرقته ليس ذا قيمة وتساءلت هل بالفعل الأمين العام الجديد أثري؟! وخاصة أن هذه الآثار نادرة واختيرت لتميزها للعرض بمتاحف الكلية حيث انها ملك للمجلس الأعلي للآثار فهل يعلم الدكتور مصطفي أمين بأهمية هذه التحف النادرة والفريدة المسروقة، المفروض أن تكون هناك شفافية وأن يتحدث المسئولون بالحقيقة نحن نعلم كعلماء آثار خطورة ما حدث من سرقة ونهب للآثار المصرية لأنها ثروة مصر ونطالب كل المسئولين بالتحقيق فيما حدث وأن يقوم رئيس هيئة النيابة الإدارية والنائب العام بالتحقيق في بلاغاتنا وأن يشمل التحقيق الجميع من محاسبة المسئولين عن هذه الكارثة. وتبقي الأسئلة المثارة في الشارع المصري «من وراء هذه السرقة؟!.. ونهب آثار مصر؟.. القضية خطيرة ولابد من التحقيق.