يسألونك عن المزلقانات قل هي الكابوس الذي ظل يطارد الفنانة فاتن حمامة طوال فيلم «نهر الحب»، فكلما كانت تغفل عيناها تري عامل التحويلة يصرخ بصوته الأجش: «حاسبي.. حاسبي يا ست.. القطر جاي»، ويتحول الكابوس لحقيقة وتموت فاتن علي قضبان السكة الحديد. في الفيلم «نوال» كانت محظوظة لأن مراقب المحطة قام بتحذيرها أكثر من مرة لكنها ماتت لأن «المخرج عاوز كده». بعيداً عن الخيال والسينما، الحقيقة المرة التي نعيشها ونتعايش معها يومياً أن المزلقانات أصبحت «موت» لابد منه، فليس بينها وبين السائق أو عامل المزلقان حجاب! النسيان نعمة مَن الله علينا بها عند فقدان شخص غالي أو ابتلاء بمصيبة.. ولكن عندما يتحول النسيان إلي «طناش» و«لامبالاة وإهمال وغفلة» لا نصحو منها إلا علي كارثة أو مصيبة جديدة تتكرر سنوياً أو كل كام شهر، فيجب محاسبة المسئولين والبحث عن أصل المشكلة، وأن نستعيد الذكريات المؤلمة والمحزنة قبل أن نصحو علي دماء جديدة تحرق قلوب كثيرة لا ذنب لها سوي القدر. من أبشع الذكريات المحفورة في الذاكرة حادث مزلقان العشرين بعين شمس عام 1987 راح ضحيته 46 طفلاً نتيجة اصطدام قطار بأتوبيس مدارس. وحادث قطار الصعيد يوم 20 فبراير عام 2002 الذي راح ضحيته 361 شخصاً. وفي عام 2008 حادث تصادم بين قطار وحافلة و3 سيارات بالقرب من مدينة مرسي مطروح، وأسفر عن مقتل 40 شخصاً وأصيب 60 آخرون. دماء علي المزلقان أيضاً حادثة قطار العياط عام 2009، بسبب توقف سائق القطار المتجه من الجيزة للفيوم بعد اصطدامه ب «جاموسة» تعبر المزلقان دون أي إشارة تحذيرية وتسببت في مقتل 30 مواطناً بعد أن اصطدم به من الخلف قطار القاهرة المتجه لأسيوط. وفي عام 2012 لقي 51 طفلاً مصرعهم في كارثة قطار أسيوط، بعد أن اصطدم بأتوبيس معهد أزهري بمدينة منفلوط وأسفرت عن موت أطفال في عمر الزهور وإصابة 17 آخرين. أما في يناير 2013 قتل 4 أشخاص بينهم طفلة في حادث تصادم بين قطار وتاكسي بمزلقان أرض اللواء بالجيزة، وفي ذات الشهر لقي 19 مجنداً مصرعهم وأصيب 117 آخرون بعد انفصال عربة بقطار في البدرشين. وفي يوليو من نفس العام لقي اثنان مصرعهما بالسويس جراء اصطدام قطار «السويس - الإسماعيلية» بسيارة ملاكي في مزلقان العمدة بحي الجناين بالسويس.. أيضاً في نفس الشهر لقي طالب مصرعه بعد أن صدمه قطار أثناء عبوره شريط السكة الحديد بسوهاج. وفي نهاية العام وتحديداً في 18 نوفمبر اصطدم قطار دهشور بسيارتين إحداهما ميكروباص والأخري نقل، حينما كانتا تعبران المزلقان أثناء عبور قطار، مما أسفر عن مقتل 27 شخصاً وإصابة 30 آخرين. معلومات مؤلمة عالم الحوادث مليء بالأرقام والإحصاءات، الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أشار إلي ارتفاع عدد حوادث القطارات بنسبة 37٫3٪ ليبلغ 1044 حادثة في عام 2014، مقابل 781 حادثة عام 2013 بسبب الحالة السيئة للمزلقانات، ونتج عن حوادث القطارات 85 متوفي و68 مصاباً، مؤكداً أن شهر سبتمبر سجل أكبر عدد من حوادث القطارات، فبلغ 104 حادث، بينما سجل شهر فبراير أقل عدد ب 61 حادثة، وبلغ معدل حوادث القطارات 6 حوادث بكل مليون راكب مقابل 4٫4 حادثة لكل مليون راكب خلال عام 2013. كما احتلت حوادث اصطدام القطارات بالمشاه أو المركبات أو غيرها أثناء عبور بوابة المنافذ «المزلقانات» مركز الصدارة في حالات حوادث القطارات، ليبلغ 672 حادثاً بنسبة 64٫4٪ من إجمالي الحوادث عام 2014. كما بلغ عدد حوادث القطارات 640 حادثة خلال النصف الأول من عام 2015. وذكر تقرير الجهاز المركزي أن أكبر عدد للحوادث كان في الوجه البحري 277 حادثة بنسبة 43٫3٪، يليه الوجه القبلي 205 حادثة بنسبة 32٪ من إجمالي حوادث الطرق علي مستوي المناطق. ومقارنة بالنصف الأول من عام 2014 فإن حوادث القطارات ارتفعت من 461 إلي 640 حادثة بنسبة 38٫8٪، وعدد المتوفين من 14 إلي 42 متوفي في 2015، بنسبة 200٪، وارتفاع عدد المصابين من 22 مصاباً إلي 89 مصاباً بنسبة 304٫5٪. خارج السيطرة فيما تشير إحصاءات وزارة النقل إلي أن طول شبكة سكك حديد مصر يبلغ 9570 كيلو متراً، وإجمالي عدد محطات القطارات الرئيسية والفرعية 705 منها 22 محطة رئيسية، و59 محطة مركزية و60 محطة متوسطة و564 محطة صغيرة، كما يوجد أكثر من 2522 عامل مزلقان «خفير». بينما يبلغ عدد المزلقانات 4500 مزلقان منها 1332 تحت سيطرة الدولة أو مقنن - علي حد تصريح سابق لأحمد إبراهيم المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل - أكد فيه علي تطوير 346 مزلقاناً منها مبدئياً بمعرفة الشركات المصرية، كما تم تطوير 118 مزلقاناً بأنظمة تحكم وتشغيل حديثة، أما المعابر غير الشرعية فأشار إلي عددها 1993 معبراً، تم إغلاق 1955 منها، وأعيد فتح 523 بمعرفة الأهالي. وإجمالي ما تم إنفاقه علي تطوير المزلقانات حوالي 907 ملايين جنيه بدون تكلفة الكباري، ومطلوب 6 مليارات جنيه لإنهاء تطوير المزلقانات بالكامل. أجمع عمال المزلقانات أن العشوائية هي التي تفرض سيطرتها علي مزلقانات مصر، ومن ثم صعوبة تحكم العامل في حركة المارة والسيارات معاً، فضلاً عن قرب المزلقان من مواقف الميكروباصات، مما يؤدي إلي وقوع العشرات من الحوادث، خاصة أن أغلب المارة لا يلتزمون بالوقوف عن سماع أجراس «السيمافور» التي تسبق قدوم القطار بدقائق، مما يدل علي تهميش عامل المزلقان عند الحكومة أو المجتمع. أما الأهالي المقيمون قرب المزلقانات فأكدوا أن الحوادث تقع نتيجة قيام السائقين باختراق المزلقان وكسره قبل إغلاقه قبل قدوم القطار مباشرة، وتلف المزلقان الإلكتروني الذي قامت الدولة بتجديدة مقابل ملايين الجنيهات.. مطالبين بتشديد العقوبة علي عامل المزلقان أو السيارة التي اخترقت المزلقان، متساءلين عند وقوع الحوادث كيف يتم تحميل عامل المزلقان المسئولية دون معرفة من المتسبب الحقيقي والفعلي؟ وفي تصريح سابق للمتحدث الرسمي باسم وزارة النقل أحمد إبراهيم، أكد فيه أن الوزارة تقوم بعملها لتأمين المزلقانات وأننا بحاجة إلي 6 مليارات جنيه لتطويرها وتأمينها، مشيراً إلي أن هذا المبلغ من الصعب توفيره في هذه الفترة، معلناً عدم وجود أي تنسيق بين الوزارات عند إقامة مشروع بمحيط المزلقانات، مما يهدد بسلامتها ويعرض حياة المواطنين للخطر. البحث عن حل وما سبق من معلومات يفرض عدداً من الأسئلة منها: كيف تتم مواجهة المزلقانات غير الشرعية؟.. وما معوقات عدم تطوير المزلقانات في مصر؟.. وما العقوبة التي تقع علي المواطنين الذين يعاودون فتح المزلقانات؟.. وهل ممكن الاستغناء عن المزلقانات نهائياً سواء اليدوية أو الإلكترونية؟ حملت هذه الأسئلة للمهندس محمد عرفة، رئيس مجلس إدارة هيئة السكة الحديد سابقاً.. فأجاب: المشكلة الحقيقية تكمن في الكثافة السكانية وزيادة عدد العربات الملاكي، مؤكداً أنه تمت زيادة عدد المزلقانات خلال ال 10 سنوات الأخيرة ل 132 مزلقاناً، وهذه كارثة في حد ذاتها، فبدلاً عن معالجة المشكلة يتم إنشاء المزيد من المزلقانات، وفي ذات الوقت نجد بطئاً في معدل تحديث المزلقانات لعدم توافر الإمكانات. وأكد «عرفة» استحالة الاستغناء عن المزلقانات بشكل نهائي.. متسائلاً: كيف يذهب الطلاب والمواطنون إلي مدارستهم وأعمالهم؟.. فإمكانية إنشاء كباري بديلة عن المزلقان مسألة مستحيلة لأنها تتكلف مليارات الجنيهات، والحل الوحيد لمخاطر المزلقانات في مصر يكمن في توعية الجمهور من خلال وسائل الإعلام المختلفة، مشيراً إلي أن الدول المتقدمة لديها مزلقانات ولا تشهد هذه الحوادث التي تتكرر في مصر سبب احترام المواطن للتعليمات، مطالباً بتصميم مداخل المزلقانات بشكل جيد تجنباً لتوقف السيارات الملاكي فجأة. معلومات حوادث المزلقانات 640 حادثة وقعت خلال النصف الأول من 2015 4500 مزلقان في مصر، 1332 تحت السيطرة، و1993 عشوائياً تم إغلاق 1955 معبراً وفتح 523 بمعرفة الأهالي 6 مليارات جنيه رصدتها الحكومة لإنهاء تطوير كافة المزلقانات 1044 حادثة في 2014، مقابل 781 في 2013 64٫4٪ من إجمالي الحوادث عام 2014 بسبب المزلقانات