بقلم: المستشار الدكتور محمد صلاح أبورجب منذ 2 ساعة 2 دقيقة تعرضت مصر لمحن كثيرة، ولكن ما يحدث الآن لم نشهده من ذي قبل حتي في الثورات التي تمت في الماضي، حيث دائما ما كنا نري اتحاد الهلال مع الصليب في أي ثورة قام بها الشعب المصري، وما حدث بالأمس خالف كل ما كنا نسير عليه ، فالثورة قامت ضد نظام حكم فاسد فأسقطته لكن لم تكن الثورة قائمة من أجل هذا العراك الديني ما بين المسلمين والمسيحين، وهذا العراك جديد علي الشعب المصري، فلم نري من قبل تفجير للكنائس، أو قتل لمسلمين أومسيحين لخلاف عقائدي، أو اعتراض علي شخص مسئول ما لمجرد كونه مسلم أو مسيحي. وقد انتابني شعور بالخوف علي مستقبل بلدنا الحبيبة وأنا أشاهد أحداث الأمس علي التلفاز، قتل وعنف وعراك شديد بين مواطنين أخوة وبين قوات من الجيش تقوم بالسهر علي أمن وأمان هذا الوطن، ذلك الأمن الذي افتقدناه وبشده منذ حدوث الثورة، فلم نكن نهتم كثيرا بنعمة أنعمها الله علينا وهي نعمة الأمن والأمان، كنا نستيقظ ونذهب لعملنا غير عابئين بأي شئ، لم يتسرب إلينا ثمة خوف من أي شئ، وتغير هذا الوضع في الوقت الراهن لأننا فقدنا الإحساس بالأمن والأمان، البعض يحدثني بأنه يسير في الشارع وهو بداخله خوف شديد من أي حادث عنف أو سرقة يمكن أن يحدث له، بل أن البعض حدثني بأنه إذا ذهب إلي مكان ما وترك سيارته وصعد إلي هذا المكان، فإنه يثواره الشك دائماً بأن سيارته ستسرق، وهذا كله نتيجة لغياب الأمن، لكن من المسئول عن ذلك؟ أعتقد أن المسئولية مشتركة ما بين جهاز الشرطة والقوات المسلحة والشعب نفسه، فالشرطة لا تقوم بالدور الملقي علي عاتقها وهو تحقيق الأمن للمواطن، فتركوا الساحة الأمنية خالية تماما، وإن كان لهم بعض العذر نتيجة لما تعرضوا له من إهانات أفقدتهم هيبتهم، ولكن يقع عليهم في الوقت الراهن المسئولية كاملة في إعادة هيبة الشرطة من جديد من خلال تطبيق القانون من غير تجاوز أو تهاون، مع ضرورة قيام جهات أخري بمساعدة الشرطة في عودتها وبقوة لعملها مرة أخري مثل الإعلام المرئي والمقروء، والجيش، والمواطنين أنفسهم. أما عن مسئولية القوات المسلحة فتأتي في أنهم تعاملوا منذ البداية بنوع من اللين والتراخي مع بعض الأحداث التي تحتاج للشدة، وبالتالي كانت النتيجة غير مرضية تمثلت في وقائع مؤسفة حدثت علي أرض مصر ووصلت بالأمس إلي حد التعدي علي القوات المسلحة نفسها التي تمثل الآن الملاذ الأخير للخروج من مرحلة عنق الزجاجة التي تمر بها جمهورية مصر العربية. واعتقد أن القوات المسلحة منذ توليها الحكم لو كانت قد استخدمت الشدة من غير تجاوز في بعض الأحداث التي تستأهل ذلك لكان الردع قد تحقق للكافة، حيث أن معاقبة المسئول عن إثارة المشاكل في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها مصر هو من أوليات المرحلة حتي نستطيع بناء دولة قوية. أما عن مسئولية الشعب فهي الأهم لأن الأغلبية صامتة، والذين يتكلمون هم الأقلية والذي لا يعي بعضهم خطورة المرحلة التي تمر بها مصر، وما سمعته بالأمس واليوم من بعض الأخوة المسيحيين ومن قبل من المسلمين أن هناك من يندس في داخل المظاهرات ويحاول التخريب والتدمير وإطلاق الرصاص، وأن اتفق مع من يقول ذلك ولكن أوجه إليهم سؤال: لو أنكم التزمتم بقرارات من يقومون الأن بإدارة البلاد ولم تقوموا بمثل هذه المظاهرات هل ستحدث مثل هذه الأحداث من المخربين الذي تدعون بأنهم هم من يفعلوا ذلك؟!! والبعض سيقول بأن التظاهرات السلمية أمر مشروع خصوصا أن من يقومون بها يعتقدون أن لهم الحق في موضوع ما، وأنا أتفق أيضا معهم في ذلك ولكن أختلف معهم في توقيت القيام بذلك، فالبلد الآن تمر بمرحلة حرجة تحتاج إلي تكاتف الجميع للخروج إلي بر الأمان، فمن الممكن أن تكون هناك بعض القرارات الخاطئة من قبل القائمين علي إدارة البلاد فلابد أن نتقلبها في هذه المرحلة، وعند بناء الدولة بشكل كامل وعودة كافة مؤسساتها للعمل بشكل طبيعي، نستطيع إذا ما كان هناك خطأ ما أن نعترض بشكل قانوني أو نقوم بعمل مظاهرات سلمية كما نشاء. وخير مثال علي ما ذكرت ما حدث بالأمس فالزج بعناصر مشبوهة واستخدام الأسلحة النارية للقيام بهذه المجزرة التى يتزايد عدد قتلاها، هدفه هو أن تشتعل مصر بيد مسلميها وأقباطها، وبالتالى يلجأ الأقباط إلى دعوة القوى الأجنبية لحمايتهم فى الداخل، الأمر الذى ينتج عنه هيمنة الدول التي لها مصالح في مصر على مقدرات الدولة ومصيرها. وأري أن المتظاهرين أنفسهم هم من يعطون الفرصة للمجرمين والبلطجية بأن يندسوا داخلهم للقيام بأعمال تخريب وتدمير، كما أن يساعدون علي تنفيذ بعض المخططات الخارجية التي تحاك بجمهورية مصر العربية حتي لا يكون لها الدور الرائد والفعال في منطقة الشرق الأوسط. ومن خلال هذه المقام أوجه ثلاثة رسائل في غاية الأهمية لكل الأطراف خاصة أننا مقبلون علي مرحلة في غاية الخطورة وهي مرحلة الإنتخابات البرلمانية التي أري أنها قد تكون هي طوق النجاة لعبور مصر من عنق الزجاجة، أو لا قدر الله القضاء علي الدولة بشكل كامل: أولي هذه الرسائل لجهاز الشرطة: أرجو من جميع العاملين بهذا الجهاز - ضباطا وأفرادا - أن يعوا حجم المسئولية الملقاة علي عاتقهم في حماية أمن هذا الوطن والحفاظ علي ممتلكاته ومكتسباته، من خلال تطبيق القانون علي الكافة من غير تهاون أو تجاوز، وتقديم كل شخص يرتكب جريمة ما، أو يسئ لهذا الجهاز إلي المحاكمة العاجلة العادلة حتي يكون عبرة لغيرة مما تسول له نفسه الخروج عن القانون. ثاني هذه الرسائل إلي القوات المسلحة المصرية: نثق فيكم ثقة كبيرة ونعلم مدي تقديركم للمسئولية والأمانة الملقاة علي عاتقكم في إدارة شئون البلاد، ولكن رجاء مني ومن الكثيرين أن يكون الحزم هو نهجكم في المرحلة المقبلة لكل من يخرج عن القانون، والضرب بيد من حديد علي مخربي هذه البلد بكل قوة ودون رحمة مع مثيرى الشغب والفتنة بين أبناء الشعب المصرى حتي تصلوا برسالتكم إلي بر الأمان. ثالث هذه الرسائل وأخرها إلي شعبنا العظيم: أعلم ان لا يوجد في مصر فتنة طائفية فالكل سواء مسلم ومسيحي، أرجو أن نلتقي جميعا علي مائدة واحدة كما كنا في ثورة 1919 وغيرها من الثورات التي كانت أهم شعاراتها الهلال مع الصليب، وأرجو من كافة المتظاهرين ألا يعطوا الفرصة للمجرمين والمخربين لتدمير هذا البلد، وألا يعطوا الفرصة للجهات الأجنبية التي لها أهداف ومصالح داخل مصر من القضاء عليها. وفق الله الجميع لما فيه الخير والفلاح، وحفظك يا مصر أمنة مطمئنة. المستشار الدكتور محمد صلاح أبورجب الخبير في القانون الجنائي الدولي