بقلم: مصطفى عبد الرازق منذ 1 ساعة 16 دقيقة مع كل التقدير للدور بالغ التميز الذي تلعبه مجلة "الدوحة" في تعزيز المناخ الثقافي العربي إلا أن المرء لا يملك إلا أن يتساءل عن الحكمة من تخصيص نسختها المجانية مع عددها الأخير لكتاب القاضي الأزهري علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم". وينبع مصدر تساؤلنا من زاويتين تتعلق الأولي بأولوية نشر الكتاب ضمن المشروع الثقافي الذي تمثله مجلة الدوحة، والثانية دلالة صدور الكتاب في هذا التوقيت بالذات؟ يحضرني هنا في معرض التعليق على هذا الكتاب وغيره من الكتب الشبيهة التحفظ الذي أورده الدكتور حسن حنفي في تقديمه لكتاب "الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام" والمتمثل في انتقاده إعادة طبع مؤلفات رواد النهضة العربية في أوائل القرن العشرين وكأنها آخر ما نصبو إليه في نهاية القرن العشرين (وأوائل القرن الحادي والعشرين) وكأن الزمن توقف بل تراجع إلى الوراء. وإذا كان من الصحيح أن الكتاب يحتل أهمية كبيرة في فكرنا العربي والإسلامي بما مثله من قطيعة مع رؤى سابقة بشكل جعلته يمثل تحولا حادا في النظرة لموضوعه، وهو الخلافة الإسلامية، إلا أن القارئ المهتم لن يعدم أن يصل إلى الكتاب في ضوء كثرة طبعاته من قبل جهات مختلفة تتبنى رؤيته وتروج لمضمونه. وقد لا أكون مبالغا إذا أشرت إلى أنه على المستوى الشخصي لدى أكثر من نسخة لطبعات مختلفة للكتاب منها اثنتين من مصر صدرتا في إطار مشروع "التنوير" بما يحمله من دلالة خاصة لدى القائمين عليه، وأخرى من دار سورية رائدة في الفكر العلماني. مؤدى الأمر أن طبع الكتاب قد يكون بمثابة قدر من التزيد لا مبرر له، وهو ما يجعلنا نتساءل – دون ان نكون بمثابة من يفرض رؤاه – هل جف نبع الإبداع العربي بشكل لم تجد معه مجلة "الدوحة" سوى هذا الكتاب لنشره؟ من لديه أدنى إطلاع بسوق النشر في عالمنا العربي يعلم أن هناك طوابير من المبدعين والمؤلفين بالغي التميز لا يجدون ناشرا يقبل أعمالهم بغض النظر عن مدى تميزها. أليس من الأولى أن تعزز "الدوحة" تميزها بتبني مثل هذه الإبداعات والتي قد تمثل إضافة لمختلف مجالات الثقافة العربية؟ أو على الأقل تقديم مزيد من التأصيل لموضوع الكتاب وهو الدولة المدنية في إطار الخبرة العربية المعاصرة مع تناول أراء على عبد الرازق نموذجا، الأمر الذي كان بلا شك سيمثل إضافة تحسب للمجلة! من ناحية ثانية .. فهل يمكن لنا – دون أن يمثل رأينا إيغالا في نظرية المؤامرة – أن نعتبر نشر الكتاب في هذا التوقيت بمثابة نوع من زج الدوحة بنفسها في معركة الخلاف حول الدولة الدينية والدولة المدنية في مصر؟ وهل يمكن أن يكون ذلك بمثابة نوعا من تدخل لقطر من خلال مشاريعها متعددة الاتجاهات فيما يجري في مصر؟ وهو تدخل يتشعب على مستوى كافة الدول العربية ورصدته بشكل رصين مجلة "فورين آفيرز" الأمريكية في مقال تحليلي مطول لها منذ أيام وبشكل لا يحمل أي مجاملات؟ لا يعني ما سبق بأي حال الاختلاف أو حتى الاتفاق مع مضمون الكتاب والذي يصفه الدكتور جابر عصفور بأنه قنبلة بكل معنى الكلمة في ضوء نسفه الكثير من الرواسب العالقة في أذهان القراء عن الدولة الدينية والسطوة التي يزعمها بعض رجال الدين عندما يتحدثون عن الحكم، وأنه تأكيد من أزهري مستنير لدعائم الدولة المدنية وثورة هائلة على المفاهيم السائدة عند اقرأنه من المشايخ؟ فذلك قد يكون له مجالا آخر .. وإنما هي تساؤلات بريئة تعكس غيرة على مجلة أحرص على شرائها واقتنائها وتشكل جزءا من اهتماماتي الثقافية!