مثل هذا السؤال مهم جداً في هذه اللحظة. نتحدث هنا عن أكثر من قطار، أحدهما هو الذي انطلق بالأساس منذ عام 1952 وتأكدت هويته ووجهته منذ 1954. إنه قطار الانقلاب العسكري الكامل الذي حاول استئصال الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين بالكامل. هذا القطار صارت رحلته التي بدأت منذ ستين عاماً على وشك الانتهاء. في العام 2012، وتحديداً يوم 23 يوليو، تنتهي رحلة 60 عاماً من حكم العسكر في مصر. ومع ذلك، يظن العسكريون أنهم يستطيعون استنساخ التجربة القديمة بأسلوب وصياغة سوف يتجاسرون على تسميتها "ديمقراطية"، وسوف يقتلون التجربة الإسلامية الإصلاحية الثورية الوليدة التي تناهض مشروعهم الانقلابي باعتبارها "غير دستورية". الإحساس الشديد بالانتصار الذي يملأ معسكر العسكر من العسكريين والعلمانيين في هذه اللحظة هو إحساس بأن قطار 2012 الشبيه بقطار 1954 قد انطلق بمنتهى القوة والسرعة لكي يقوم برحلة جديدة (ديمقراطية هذه المرة!!) نحو نصف قرن جديد من الحكم العسكري بدايته أحمد شفيق! الحقيقة الأخرى الماثلة بالفعل على الأرض هي أن القطار الأول (قطار 1954) قد وصل إلى محطته الأخيرة بعد ستين عاماً وأن له أن يتم إخراجه من الخدمة وتفكيكه وتحويله إلى خردة لا قيمة لها. أما قطار 2012 الجديد (برعاية المجلس العسكري وأحمد شفيق) فهو يمثل مجرد بداية خادعة تكون نهايتها بعد خطوات محدودة من نقطة البداية وبعد حركة مرتبكة مضطربة تستند على أكاذيب ضخمة أهمها تلك "الديمقراطية" و"الدستورية" التي تصل بمرشح العسكر أحمد شفيق إلى السلطة، بعد مهرجان البراءة للجميع لكل من قتلوا المتظاهرين ومحاولة جديدة - ليست لضمان خروج آمن أو غير آمن، بل لتأسيس دخول جديد للعسكريين الذين تجاوزوا السبعين إلي الساحة السياسية. وهؤلاء العسكر هم الذين يريدون أن يحكموا مصر وكأنها دولة في مجاهل أفريقيا يملك زمامها من يقوم بانقلاب ويدّعى أن وصوله للحكم ديمقراطي وشرعي. إن أهم شيء يجعل أي شخص – والإسلامي خصوصاً – يعتقد أن قطار العسكر صار يصل إلى نهايته ويقترب من "نهاية وسقوط حكم العسكر" هي رؤية حركة التطور والتتابعات المختلفة والتداعيات العديدة في صورة انقطاع مرحلة وانهيارها ونهايتها (هي مرحلة حكم العسكر) وكون التطورات الأخيرة ما هي إلا محاولة لمنحها فرصة أخيرة لتعود للحياة وهي على مشارف قبرها. أما الحقيقة الواضحة هنا فهي أن هذه المحاولة الانقلابية الأخيرة تستدعي إسقاط آخر ذرة من الشرعية على دولة مبارك كلها، بما في ذك العسكر، والأجهزة الأمنية، والمؤسسات القضائية التابعة للسلطة التنفيذية، وكافة القطاعات التي تدور في فلك الحزب المنحل والرئيس المخلوع ومن يعتبر هذا المخلوع هو مثله الأعلى. إن سقوط شرعية دولة مبارك وكل الدول العسكرية التي أدت إليها (الناصرية والساداتية) هو الانتصار الأكبر الذي تشير إليه هذه المحاولة الانقلابية الأخيرة من عسكر مبارك لصالح العسكري شفيق. إنه إعلان عن السقوط الفعلي للمرشح العسكري أحمد شفيق، الذي ما كان سوف يحتاج إلى حل مجلس الشعب مثلاً إذا كان يملك من عناصر الشعبية الفعلية ما يجعله قادراً على هزيمة منافسه مرشح الإخوان المسلمين. محاولة الانقلاب (وهي مجرد محاولة كما نسميها هنا لأن مثل هذا الانقلاب لا يمكن بالضرورة أن يتم ويحقق كل أهدافه) هي محاولة فقط لا يوجد أي تخطيط استراتيجي يدعمها أو آلية تضمن لها الاستمرار والبقاء. إن محاولة الانقلاب هذه لا تستدعي كل هذا القلق البادي في المجتمع المصري الآن لأنها مجرد مؤشر على إفلاس العسكر ومحاولتهم التشبث بالسلطة من خلال شخص فاقد لأقل قدر من الأهلية أو القدرة على أن يكون قائداً لمثل هذا التحول الانقلابي الضخم – الذي هو بالفعل أضخم من قدرات شفيق والمجلس العسكري كله، بل وأضخم من كل دولة مبارك وأجهزتها الأمنية والسيادية. المفارقة الآن هي أن الوعي بنهاية حقبة العسكر والوعي أن هذه المحاولة الانقلابية الأخيرة ما هي إلا محاولة لإنقاذ حكم العسكر وليست مؤشراً لبداية دورة جديدة منه – هذا الوعي هو النقطة الأولى لاستيعاب الحدث الجاري والواقع الحالي، وهو الخطوة الأولى لفهم مسارات ومآلات هذه اللحظة وإلى أين سوف تتجه في المستقبل. من خلال مثل هذا الوعي ستبدأ المرحلة الثورية والنضالية الجديدة. كانت الثورة التي انطلقت في 25 يناير 2011 تطالب بإسقاط النظام، واستطاعت فقط إسقاط رأس النظام واستبداله برأس عسكري جديد. لكن الثورة الجديدة والمستمرة والمتجددة سوف تستهدف إسقاط دولة وحكم العسكر، وتطهير مصر من ميراث عسكري امتد لأكثر من ستين عاماً. وبالتالي، لا بأس من أن تنفق عدة أيام أو أسابيع لتحقيق هذا التحول الذي سوف يستمر إلى أبد الآبدين إن شاء الله.