موريتانيا.. خطوة للوراء حازم مبيضين قبل حوالي عام من اليوم، انسحب العسكر الموريتانيون من القصر الرئاسي، الذي استخلصوه من عسكر ظلوا قابعين على صدر الشعب حقبة من الزمن في حركة أعادت إلى الاذهان صورة القائد العسكري السوداني النبيل المشير سوار الذهب الذي رفض كل الاغراءات، وسلم السلطة للسياسيين المنتخبين شعبياً وعاد إلى منزله راضياً مرضياً، واليوم عاد عسكر طامحون إلى القصر الرئاسي في نواكشوط، في محاولة منهم لدفن التجربة الديمقراطية الوليدة قبل أن يشتد عودها، وتغدو عصية على قوة البندقية التي ضلت فوهتها الهدف الذي كانت من أجله. ومثل كل الانقلابات العسكرية التي مني بها عالمنا العربي، طلع علينا قائد آخر هذه الانقلابات، ليعلن لافض فوه أن ما سماه المجلس الأعلى للدولة سيشكل حكومة برئاسته، متعهداً كالعادة بالبقاء حاكما لفترة قصيرة، يمارس خلالها مع بقية عسكره الصلاحيات التي يخولها الدستور لرئيس الجمهورية، ومتعهداً أيضا بتوفير العدالة والمساواة بين الجميع دون تمييز أو استثناء، كما تعهد بحماية الديمقراطية، وكفل ممارسة الأحزاب السياسية والنقابات نشاطاتها بحرية طبقا للقانون، وشدد على صيانة واحترام حرية الصحافة والحريات العامة والفردية والمحافظة على الأمن والنظام العام في البلاد.ولم ينس القائد الجديد المظفر أن يعد الموريتانيين بحل مشاكل البلاد كافة خلال فترة حكمه التي قال انها ستكون قصيرة. ما يثير الدهشة أن الاحزاب التي لم تنل نصيبا من كعكة الحكم الديمقراطي، الذي لم يستمر أكثر من خمسة عشر شهراً، أيدت الانقلابيين باعتبارهم حماة الديمقراطية، في الوقت الذي قمعت فيه قواتهم مسيرة مناهضة للانقلاب سيرتها أربعة أحزاب شملت الطيف السياسي كله، من اليسار إلى اليمين وما بينهما من وسط، وانقضت قوات مكافحة الشغب على المتظاهرين دون رحمة، وفرقت جمعهم بوسائل ؟ تحترم الديمقراطية ؟ كالهراوات والغاز المدمع، لكن ذلك لم يمنع تلك الأحزاب من التجمع ثانية لتقييم نشاطها في مناهضة الفكر الانقلابي، والتوافق على خطوات عملية للعودة بالبلاد إلى الدرب الديمقراطي الذي لم تكد تخطو فيه بضع خطوات، ومع هؤلاء السياسيين كانت تسعة اتحادات عمالية تندد بالانقلابيين باعتبار أن خطوتهم تشكل خرقاً فاضحاً للدستور. والواضح أن العالم الذي ابتهج بانتهاء حكم العسكر لبلاد شنقيط، وعودة الممارسات الديمقراطية، يشعر باستياء حقيقي اليوم من تمرد العسكر على خيارات شعبهم، وهو تمرد رفضته الدول العربية، خاصة ما يقع منها في القارة الافريقية، وكذلك القوى الدولية ابتداءً من واشنطن ومروراً بأوروبا الموحدة، وصولاً إلى الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وأخيرا جامعة الدول العربية، التي يبدو أنها تسعى لممارسة دور وساطة بين العسكر والسياسيين، وبما يؤكد أن العملية الانقلابية هذه تجابه بالرفض من المحتمع الدولي، ودول الجوار المغاربي والمنظمات الدولية، وأن المؤيدين لها لايزيدون عن حفنة العرفاء التي نفذتها، وبعض الأحزاب الهامشية التي أسقطت الحياة الديمقراطية دورها، ووضعها الشعب الموريتاني في الموقع الذي تستحق فتحولت بانتهازية شديدة الوضوح إلى تابع للإنقلابيين. المؤكد حتى اللحظة ان محاولات الانقلابيين حشد دعم شعبي من خلال الوعد بحل كل مشاكل البلاد، وطمأنة الاسرة الدولية بالتعهد باحترام اتفاقات بلادهم والتزاماتها الدولية، لن تلقى اية استجابة لان الجميع واثق انها لن تخرج عن نطاق الوعود غير القابلة للتنفيذ طالما ان قائد مطلقيها، اختار التخلي عن قسمه العسكري وانقلب على السلطة التي كان واجبه حمايتها، ولان الموريتانيين خبروا مثل هذه الوعود فانهم انصرفوا عن الحدث لمتابعة حياتهم العادية، منشغلين بهموم ازمتهم الغذائية والامنية المهددة بنشاطات تنظيم القاعدة الارهابي، بعيداً عن طموحات العسكريين الذين تتزايد الاحتمالات بتحولهم الى ديكتاتوريين، ولو بالبسة مدنية لن تخفي حقيقتهم. عن صحيفة الرأي الاردنية 9/8/2008