(ملخص: يتبين ان امكانية أن تكون اسرائيل هي التي نقلت معلومات مغلوطة كي تدفع الجيش التركي لقتل مواطنين أتراك – تبدو للاتراك معقولة جدا، إذ يتساءلون ما الذي تفعله طائرة اسرائيلية في سماء قبرص.) --------------------------------------------------------------- «هل توجد صلة بين المطاردة التي أجرتها الطائرات التركية ضد الطائرة الاسرائيلية، التي تسللت مؤخرا حسب التقارير الى قبرص التركية، وبين مقتل 34 مواطنا تركيا على الحدود العراقية في كانون الاول؟» مراسل الصحيفة التركية «زمان» الذي عرض على «هآرتس» هذا السؤال، كان مقتنعا بان أمامه قصة عن مؤامرة شاملة تضم معا تركيا، إسرائيل، «سي. آي. إيه»، تنقيبات النفط في قبرص، وربما حرب عالمية ثالثة. القصة تبدأ يوم الخميس، عندما اجتمع في قصر المؤتمرات في اسطنبول عشرات المتحدثين من أرجاء العالم في اطار «المنتدى السياسي العالمي» الذي يتطلع الى أن يقدم نفسه كبديل عن مؤتمر دافوس. في بؤرة المؤتمر هذه المرة كانت آثار الربيع العربي على الشرق الاوسط، على اوروبا وبالطبع، على العام باسره. هذه هي السنة الثانية التي ينعقد فيها هذا المؤتمر، الذي بادرت اليه مجموعة من رجال الاعمال، الاعضاء في حزب العدالة والتنمية ورجال الحكم التركي في السابق، ممن دعوا رؤساء دول عربية، قيادة الحكم التركي الحالية والنخبة التجارية التركية. ولكن شيئا ما أخذ يتشوش منذ البداية. القيادة التركية، بدءا برئيس الوزراء، نائبه، مساعديه ووزراء في الحكومة، أعلنوا تماما عشية الافتتاح بانهم لن يشاركوا في المؤتمر. بداية حاول المنظمون تبرير ذلك بالخصومة السياسية بين المنظمين وبين الحكومة، ولكن للصحف التركية كان تفسير أكثر اقناعا: "احد الراعين للمؤتمر ضرب زوجته قبل المؤتمر، وانكشف الحدث بنشر علني فقررت الحكومة بأنها لا يمكنها أن تحل ضيفا على مؤتمر ينظمه شخص يضرب زوجته"، قال ل "هآرتس" مراسل شبكة "سكاي - تورك". بعد ذلك تعرضت خطة الجلسات ايضا الى هزة شديدة، عندما أعلن ممثلون من دول عربية كليبيا، قطر ورئيس وزراء لبنان الاسبق فؤاد السنيورة بانهم لن يجلسوا في جلسة واحدة مع ممثلين اسرائيليين. وسارع المنظمون الى تغيير مبنى الجلسات، والصقت شارات اسماء جديدة على المنصات وبعض المقاعد بقيت يتيمة. بالمناسبة، لم يكن لاولئك الممثلين العرب اي مشكلة في الحديث مع صحفيين اسرائيليين في الاروقة الواسعة، وتبادل العناوين الالكترونية بل والاعتذار عن أنه رغم العربيع العربي فانهم لا يزالون لا يستطيعون السماح لانفسهم بان تلتقط لهم صور بصحبة اسرائيليين. "اما العلاقات مع اسرائيل؟ فمن غير المستبعد، ولكن لا يزال من السابق لاوانه الحديث عن ذلك"، يشرح ممثل كبير في الحكم الجديد في ليبيا. في السنة الماضية كانت لا تزال علاقات اسرائيل – تركيا تشغل بال الصحفيين الاتراك. اما هذه السنة فقد دحر هذا الاهتمام الى الهوامش. وبعد اسبوعين ستحل سنتين على حدث الاسطول الذي قتل فيه تسعة مواطنين أتراك ويبدو ان منظومة العلاقات المجمدة بين الدولتين كفت منذ الان عن اثارة اهتمام وسائل الاعلام التركية. عصر الجمود السياسي بات يقبل ككارثة طبيعية لا معنى للجدال فيها. وعندها اندلع النبأ «القديم» (بعد أربعة ايام من الحدث) عن المطاردة الجوية بين طائرات اف 16 تركيا والطائرة الاسرائيلية. واذا لم يكن هناك حب بين الطرفين، فربما تكون على الاقل حرب. القصة المتلوية التي شغلت بال مراسل "زمان" في هذا السياق، وليس وحده فقط تتناول حدثا مأساويا وقع في كانون الاول 2011. مجموعة من المهربين الاكراد من المواطنين الاتراك، انكشفت وهي تشق طريقها من العراق باتجاه تركيا. طائرات سلاح الجو التركي انطلقت نحوها وقصفتها فقتلت 34 مواطنا تركيا. مرت قرابة خمسة اشهر منذ الحدث الذي حقق فيه الجيش التركي، ويبدو أن الحديث كان يدور عن خطأ مؤسف في التشخيص. ولكن يوم الاربعاء الماضي نشرت "وول ستريت جورنال" تقريرا مفصلا تحدث فيه عن أن مصدر المعلومات عن حركة المهربين كانت طائرة بدون طيار امريكية عملت في المنطقة ونقلت المعلومات الى الاستخبارات التركية، كجزء من منظومة التعاون بين الجيشين. خطأ في تشخيص الجيش التركي هو أمر مستعد الجمهور لقبوله، ولكن عملية تركية ضد مواطنين اتراك، حتى وان كانوا مهربين وليسوا من رجال حزب العمال الكردي – تعتمد على استخبارات امريكية، تذكر الاتراك بعمليات الطائرات بدون طيارين الامريكية في الباكستان وفي أفغانستان. رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان سارع الى النفي بان قتل المواطنين تم بناء على معلومات استخبارية امريكية وطلب من وسائل الاعلام «الاعتماد على المؤسسات الرسمية التركية بدلا من الاعتماد على تقرير صحفي ملفق"، بينما خصمه السياسي كمال كلتش دارولو طالب باستقالة الحكومة التي "تقتل مواطنيها». وما الصلة باسرائيل؟ «الا يحتمل أن تكون الطائرة الاسرائيلية التي حلقت فوق سماء قبرص التركية هي جزء من منظومة الاستخبارات التي تنقل المعلومات الى ال سي.اي.ايه؟ الا يحتمل ان تكون اسرائيل هي التي نقلت المعلومات المغلوطة الى الاستخبارات الامريكية كي تنقلها الى تركيا؟» تساءل المراسل التركي. لهذا السؤال الغريب يوجد بالطبع ايضا «أساس» تاريخي. ممثلون أتراك كبار اتهموا دولة اسرائيل في أنها وقفت خلف هجوم حزب العمال الكردي على قاعدة عسكرية تركية في 31 ايار 2010، في اليوم الذي وقع فيه الهجوم على سفينة مرمرة. وحسب ذات المنطق فإن إسرائيل مستعدة لأن تضحي بمواطنين اتراك وتقدمهم بانهم رجال حزب العمال الكردي كي تورط حكومة اردوغان. حتى السلاطين العثمانيين كان يصعب عليهم ان يحيكوا حبكة أفضل.