كان لافتاً تنحي هيئة القضاة في مصر عن محاكمة الأمريكيين المتهمين بالتمويل الأجنبي، وبات شبه مؤكداً أن التنحي يهدف إلى "فرملة" مارثون عض الأصابع بين المجلس العسكري وواشنطن، وإبقاء الباب مفتوحاً لتنفيذ أي نوع من الاتفاق بين الطرفين. وكانت تصريحات صدرت من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون قالت فيها إن مصر والولاياتالمتحدة "تقتربان من حل" بشأن القضية. وأكدت تسريبات أن الحكومة المصرية تبحث إجراءات فعلية، للتجاوب مع عرض أمريكي ينص على الإفراج عن 50 متهماً مصرياً بالسجون الأمريكية، على رأسهم الشيخ عمر عبد الرحمن، مقابل الإفراج عن الأمريكيين في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني. وكان المستشار محمد شكري رئيس محكمة جنايات القاهرة التي تنظر في قضية تمويل الجمعيات الأهلية قد أعلن تنحية عن النظر في القضية التي يحاكم فيها 43 متهمًا من جنسيات مختلفة، بينهم 19أمريكياً، بعد قليل من بدء جلسات المحاكمة بالقضية، التي ألقت بأجواء من التوتر على العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة. من جهته، قال محمد نجل الشيخ عمر عبد الرحمن في اتصال مع صحيفة التغيير أن هذه الصفقة لو تمت لن تكون فقط لصالح والده الشيخ عمر عبد الرحمن الذى مر على اعتقاله في السجون الأمريكية قرابة ال 20 عاماً ، بل لصالح أكثر من 500 سجين مصري تعتقلهم واشنطن. وقال :" نظن أن الصفقة ستكون لصالح الشيخ الوالد وستنهي معاناته وآخرين معه"، موضحاً:" هناك ضغوط تجري على المجلس العسكري لاتمام الصفقة والإفراج عن الشيخ الضرير وبقية المعتقلين في السجون الأمريكية". وكشف محمد ل"التغيير" أن العسكري يماطل في الإفراج عن الشيخ عبد الرحمن، وأنه فوت صفقة قبل ذلك حينما أفرج عن الجاسوس الصهيوني جاربيل مقابل ثمن هزيل هو الإفراج عن 25 مسجون مصري في إسرائيل كلهم جنائيين ومحكومياتهم انتهت بالفعل. وقال إن نواباً في مجلس الشعب يواصلون ضغوطهم على المجلس بطلبات إحاطة منها لوزير العدل ومنها الحكومة، مضيفاً أن هناك طلبات قدمها النائب الإخواني صبحي صالح والدكتور محمد الصغير والاستاذ ياسر صلاح القاضي. كما أكد أن أسرة الشيخ اجتمعت بأطراف من المخابرات المصرية والأمن الوطني ووزارة الخارجية والعدل وجميعهم أكدوا موافقتهم على عودة الشيخ وأن القرار في يد المجلس العسكري. وحول عدم قبول المجلس العسكري بعودة الشيخ عمر إلى مصر، قال محمد ل"التغير" :" لا يمكن ذلك..ليس لأحد كائنا من كان أن يمنع مواطناً مصريا من حقه في العودة إلى وطنه..هذا ضد الدستور وحقوق الإنسان..كان يمكن ذلك قبل الثورة..أما الآن لا يمكن". من جهته، أوضح اللواء محمد هاني زاهر، خبير البحوث العسكرية ومكافحة الإرهاب الدولي، أن الخارجية المصرية طلبت من السفارة المصرية بواشنطن عمل حصر لعدد المصريين المسجونين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن القنصلية المصرية هناك بدأت بالفعل إجراءات حصر أعداد المصريين المسجونين والمحجوزين احتياطيًّا على ذمة التحقيق فى العديد من القضايا بالولاياتالمتحدةالأمريكية. وأكد أن من بين المسجونين الذين تدرس القنصلية ملفاتهم الشيخ عمر عبد الرحمن مفتى الجماعة الإسلامية والمسجون حاليا فى أمريكا. وطالب زاهر بضرورة استغلال مصر للموقف الأمريكى الضعيف، خاصةً بعد إدانة رعاياها فى قضايا تمس السيادة المصرية على أراضيها، وألا تسمح بتمرير هذه الصفقة دون موافقة الإدارة الأمريكية على الإفراج عن أكثر من 500 مصرى مسجونين بالسجون الأمريكية ولا تعرف الخارجية المصرية عنهم شيئا. وطالب اللواء زاهر، بأن توجه للأمريكيين ال19 تهمة "دعم وتمويل الإرهاب" داخل مصر؛ وتابع يقول إنه "في حال توجيه هذا الاتهام لهم سيحكم عليهم بالإعدام شنقاً أو بالأشغال الشاقة المؤبدة، وهو الأمر الذي سيجبر الإدارة الأمريكية على تنفيذ كل الطلبات المصرية. وكانت السلطات القضائية المصرية قد أحالت للمحاكمة 43 متهمًا ينتمون إلى خمس منظمات أجنبية هى، المعهد الجمهورى الدولي، والمعهد الديمقراطى الأمريكي، ومنظمة فريدوم هاوس "بيت الحرية"، ومؤسسة كونراد الألمانية، والمركز الدولى الأمريكى للصحفيين، بينهم 19 أمريكيًا و16 مصريًا، على رأسهم مدير المعهد الجمهورى صاموئيل لحود نجل وزير النقل الأمريكي. وأسندت السلطات القضائية المصرية إلى المتهمين اتهامات تتعلق بتأسيس وإدارة فروع لمنظمات دولية دون ترخيص من الحكومة المصرية، وتسلم وقبول تمويل أجنبى من الخارج بغرض إدارة فروع هذه المنظمات الدولية بما يخل بسيادة الدولة المصرية. والدكتور عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية في مصر، هو عالم أزهري من مواليد 1938، وقد كُفَّ بصره بعد مولده بعدة أشهر. وهو محتجز لدى الولاياتالمتحدة منذ العام 1993، بعد أن وجهت له أربع تهم، هي: التآمر والتحريض على قلب نظام الحكم في الولاياتالمتحدة، والتآمر والتحريض على اغتيال حسني مبارك، والتآمر على تفجير منشآت عسكرية، والتآمر والتخطيط لشن حرب مدن ضد الولاياتالمتحدة. والشيخ يعانى من مرض السكر منذ ما يزيد على أربعين عاما وقد أدى ذلك إلي تفحم إحدى قدميه، ورفض بترها، فضلا عن عدة أمراض أخرى جعلته فريسة للآلام الشديدة دون توقف داخل قضبان المعتقل. كما أن الشيخ ممنوع من الزيارة، فلم يسمح له إلا بزيارة واحدة لزوجته عام 1999، كما لا يسمح له سوى بإجراء مكالمتين هاتفيتين في الشهر لمدة ربع ساعة ولا يتحدث سوى مع زوجته.