هذا واحد من المقاطع التي وردت في سيرته الذاتية والتي غذت نظريات المؤامرة التي يطلقها كتّاب المدونات اليمينيون, فهم يتحدثون عن اوباما كما لو كان اداة لثوريي العالم الثالث تمت المحافظة عليه مجمدا بالثلج منذ ستينيات القرن الماضي, ولا شك ان في هذا الكثير من السخف, فالرجل الذي يحتفظ بروبرت غيتس وزيرا للدفاع وينصب جنرالا متقاعدا من المارينز مستشارا للامن القومي لا يمكن ان يكون ثمرة لتمرد المراهقة. \r\n \r\n بالمقابل, هناك فكرة معاكسة. فقبل ان يتسلم اوباما مهامه كقائد اعلى للقوات المسلحة الامريكية, قد يكون عليه ان ينفض الغبار عن تلك النسخة من كتاب فانون »المعذبون في الارض« ويعيد النظر فيما جاء به ذلك المنظر الراديكالي. \r\n \r\n وبهذه الطريقة سوف يذكر اوباما نفسه بالفرصة النادرة التي سوف تتاح له كرئيس كي يخاطب عالماً ما يزال يعاني من السخط على الغرب, ذلك السخط الذي وصفه فانون عام .1961 \r\n \r\n يمثل اوباما تحولا تاريخيا بحق. في باريس حيت صحيفة »لوموند« الفرنسية انتخابه رئيسا للولايات المتحدة بعنوان كبير يقول »قرن جديد سعيد« بصفته اول رئيس امريكي من اصل افريقي, يوصف اوباما احيانا بأنه »ما - بعد - العنصري«. وانا لا اعرف شيئا عن ذلك, لكن من حيث كونه ابن مثقف كيني ولد في كينيا عندما كانت مستعمرة بريطانية, فإن اوباما يكتسب تميزا آخر قلما لاحظه احد وهو كونه الرجل ما - بعد - الاستعماري. \r\n \r\n وأوباما هو الرد الحي على ما جاء به فانون عن سخط المستضعفين, فابن رجل قبيلة اللو الذي ولد والده على ضفاف بحيرة فكتوريا وتعلم على يد موظفي الاستعمار البريطاني يوشك على ان يتبوأ اعلى منصب على سطح الارض, انه عالم فانون مقلوبا رأسا على عقب. \r\n \r\n ان ما جعل فانون معلما لليسار هو تركيزه على سخط الشعوب الافريقية التي خضعت للاستعمار واستلابها. ولد فانون في المارتينيك عندما كانت مستعمرة فرنسية ودرس الطب النفسي في فرنسا, ومارسه في الجزائر خلال الثورة الجزائرية الدامية ضد الاستعمار الفرنسي. الجزء الاعظم من كتاب »المعذبون في الارض« نقد قاس يمجد العنف كسبيل الى التحرير. لكنه يضم, ايضا, حالات دراسية لمرضى عالجهم في الجزائر من ضمنهم ضحايا للتعذيب على ايدي افراد الجيش الفرنسي. وقد كتب فانون يقول »على مدى سنوات عديدة, سيكون علينا تضميد جراح لا حصر لها, وربما لا شفاء منها, هي تلك الجراح التي نزلت بأبناء شعبنا على يد الهجمة الاستعمارية«. \r\n \r\n لقد تجاوزنا منذ زمن حقبة تصفية الاستعمار التي يصفها فانون. لكن الامر المأساوي هو ان الولاياتالمتحدة, التي تشكلت عبر اول ثورة عظمى ضد الاستعمار, تعتبر اليوم في بقاع عديدة من العالم وريثة للامبريالية الاوروبية. ونحن اليوم مكروهون ومرهوبون تماما كما كان البريطانيون والفرنسيون والبلجيكيون وبقية المستعمرين. يفاجأ الكثير من الامريكيين بهذا السخط ويرونه غير مفهوم, ويرددون متسائلين: »لماذا يكرهوننا?« وتوثق استطلاعات الرأي الدولية هذا السخط وتشير الى ان معاداة امريكا قد بلغت مستويات مثيرة للقلق. \r\n \r\n اضاف صعود الاسلام المسلح بعدا خطيرا لهذه الحالة. ففي زمن فانون, كانت الحركات الثورية علمانية وقومية, وكان الثوريون يتحدثون عن اقامة عالم معاصر حديث. في حين ان الاسلاميين الراديكاليين غالبا ما يبدون ازدراءهم للحداثة. وهم يظهرون ذلك السخط نفسه الذي شخّصه فانون والرغبة نفسها في تطهير انفسهم من خلال ممارسة اعمال العنف. يضاف الى ذلك وجود جوع الى الاحترام لديهم ورغبة في التواصل. \r\n \r\n هذا هو التحدي الذي يواجه اوباما: هل يستطيع ان يظهر لهذا العالم الغاضب وجها امريكيا مختلفا? هل هو قادر على التواصل مع ما دعاه زبيغنيو بريجنسكي, مستشار الامن القومي في ادارة كارتر, ب ̄ »الصحوة السياسية العالمية«? وان يجعل من الولاياتالمتحدة حليفا لحركة التغيير هذه بدلا ان نكون عدوا لها? \r\n \r\n انها فرصة اوباما الكبرى كرئيس للولايات المتحدة. \r\n \r\n ان تشكيلة فريق الامن القومي الذي اختاره اوباما تشير الى ان رجل من الوسط يفوق في وسطيته ما تصوره الكثيرون. وهؤلاء الاشخاص الذين اختارهم يفهمون جيدا اساليب استخدام القوة العسكرية. ولكن من اجل اقناع عالم متوجس من القوة الامريكية, ينبغي لاوباما ان يتذكر, ايضا, جذوره الليبرالية. ولسوف يكون اكثر اقناعا في دعوته الى التغيير لو انه تذكر ذلك الفتى ذا السترة الجلدية الذي يتحدث باسهاب عن فارنز فانون. \r\n \r\n ان التحدي الذي يواجه القرن الحادي والعشرين هو وضع نهاية اخيرة لعصر ما بعد الاستعمار ومداواة جراحه النفسية والسياسية. ويتفرد اوباما في كونه الرجل القادر على فعل ذلك, اذا ما ظل مؤمناً بحكايته الشخصية.0 \r\n \r\n عن »واشنطن بوست« \r\n \r\n نافذة مع المقال \r\n \r\n * بصفته ابن مثقف كيني نشأ في مستعمرة بريطانية, يتفرد اوباما بكونه الرئيس القادر على انهاء كل تداعيات حقبة ما بعد الاستعمار.