\r\n المركز المقدس الأول للشيعة هو أيضاً رمز دنيوي بالغ الأهمية: وهو يعني سيطرة طائفة أصبحت مفتاح السلطة في العراق الجديد، أول دولة عربية معاصرة يسيطر عليها الشيعة، بفضل الغزو الأميركي. بدأ الصراع بين حكومة نوري المالكي العراقية، وجيش المهدي وميليشيا مقتدى الصدر القوية منذ 15 يوماً في البصرة واشتعل في معظم مدن الجنوب العراقي، حتى بغداد. وبعد مباراة من دون تسجيل نقاط على الأرض وهدوء نسبي، استؤنف القتال في اليومين الأخيرين حول مدينة الصدر، الضاحية الشيعية الواسعة المحاذية لبغداد، المحمية بالجيش العراقي المدعوم من الأميركيين. على مداخل معقل جيش المهدي، قتل عشرات المتقاتلين من الطرفين ومعهم مدنيون في إطلاق نار بأسلحة رشاشة في سوق جميلة، وهو «سوق للجملة» محاذٍ لمدينة الصدر. الأسبوع الماضي، طالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي المدعوم من تحالف الحزبين الشيعيين الكبيرين في السلطة: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة بنزع سلاح ميليشيا مقتدى الصدر. وصرح أخيراًَ لل CNN بأن «لا حل سوى بنزع سلاح جيش المهدي»، مهدداً بمنع ميليشيا الصدر من مزاولة نشاطها السياسي إذا لم تحل، مؤكداً أن «المواجهات مع هذه العصابات» لن تتوقف إلا عندما تسيطر الحكومة من جديد على المناطق التي تحتلها. جواب مقتدى الصدر كان إرسال موفدين إلى آية الله علي السيستاني في النجف ومرجعيات شيعية أخرى في إيران. «إذا أمروا بتفكيك جيش المهدي، سيخضع مقتدى الصدر لأوامر المرجعيات الدينية العليا»، كما يقول أحد مساعديه حسن زغراني. التحكيم وكلمة الفصل إذاً هي مرة جديدة في النجف، حيث يعيش «منفرداً» وفي شارع ضيق، أعلى سلطة شيعية؛ آية الله السيستاني. الرجل البالغ من العمر 77 عاماً، نادراً ما يستقبل زواراً، (أجانب ابداً) وقلّة من الصحافيين ولا يصرح إلا عبر فتاوى تلبي شؤون المؤمنين. يقول حاكم النجف أسعد أبو جليل «هدف آية الله السيستاني هو أمن العراق. فتاواه تعارض العنف ضد الناس أو المؤسسات. هو عنوان الاستقرار في العراق». السيستاني صانع ارتقاء الشيعة إلى الحكم. فقد طالب طائفته منذ أيام الغزو الأميركي العام 2003 بعدم مواجهة الغزاة، والسماح بإسقاط صدام حسين لتسلم الحكم شرعياً، ونجح في الحصول من الأميركيين على تنظيم الانتخابات التي حصدها الشيعة نهاية 2005، وهم الغالبية في العراق. كما أنه توصل إلى ايقاف الإقتتال في 2004، عندما أحاط الجيش الأميركي المنتشر في مدافن وادي السلام المحيطة بمرقد الإمام علي، بالمتمردين من جيش المهدي المتحصنين في الداخل. ومن حينها، بدأ نفوذه يتآكل، ونتائج سياسته تخيب أكثر فأكثر، فالغالبية الشيعية الأكثر فقراً لم تستوعب فعلاً سياسة التعاون مع المحتل الأميركي، ولم تستفد من مساعدات السلطة الجديدة. مستغلاً هذا الشعور، سعى مقتدى الصدر إلى زيادة نفوذه. تسلح مقتدى الصدر بداية ب«الكاريزما» وبرهبة اسم والده، آية الله الصدر الذي اغتاله صدام حسين على طريق النجف في 1999 وأصبح بطلاً شعبياً. بنى مقتدى الصدر، الشاب السمين، المتفاخر بتقواه وخطاباته النارية ميليشيا قوية، «جيش المهدي» على اسم الإمام المغيّب، الذي سيظهر بحسب العقيدة الشيعية، عند نهاية الدهر لإقامة العدل. بعد نجاته من محاولات عدة لاعتقاله، لم يظهر علناً إلا نادراً. أقام في قم العام المنصرم لتحصيل المؤهلات الدينية ليصبح آية الله ويكون له الحق بسن الفتاوى. سياسياً، تحول الصدر منافساً شرساً للمالكي ولأحزاب السلطة. وزراؤه استقالوا من الحكومة في نيسان/ ابريل 2007، بعدما رفض المالكي طلبهم بوضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية، ونوابه تركوا تحالف الأحزاب الشيعية في البرلمان العراقي. \r\n \r\n \r\n \r\n جيش المهدي \r\n \r\n يلقي الدكتور لؤي سميسم، أحد مساعدي الصدر المقربين، بمسؤولية المواجهات الأخيرة على الحكومة. تصريحات مقتدى شديدة الوضوح، «نحن ضد الحرب الأهلية، سواء كانت بين السنة والشيعة، أو العرب والأكراد. لكن المئات من مناصرينا اعتقلوا لذا نطالب بضمانات». ويتهم المالكي بكونه لعبة بيد الأميركيين، الذين يضغطون منذ زمن على الحكومة العراقية لنزع سلاح ميليشيا الصدر. «هذه الحكومة لا تقوم بالدور المطلوب منها. نحن استقلنا منها لأن وجود جيش الاحتلال (الأميركي) يجعلها عاجزة. لا تمارس دورها حتى في إقليم كردستان الذي أصبح دولة مستقلة. إنها سلطة ضعيفة، تترك العراق يتفكك ولا تفعل شيئاً. العملية التي أطلقت ضد مقتدى تتمتع بكل مظاهر الشرعية. لكن رهاناتها الحقيقية سياسية. إنها معركة من أجل السلطة، والنفط، غير البعيد أبداً عن الحسابات في العراق. «يعلق صحافي عراقي مستقل» يريد المالكي نزع سلاح جيش المهدي لأن الصدر أصبح قوياً جداً. هو رجل الشعب، الوحيد القادر على مواجهة الاحتلال الأميركي. مناصروه في كل مكان، وينتظمون. وهو غادر إلى قم لاستئناف دراسته الدينية ليحصل على المؤهلات اللازمة ليصبح آية الله». المواجهات التي اندلعت في البصرة بين الأحزاب الشيعية منذ انسحاب الجيش البريطاني خارج المدينة رهانها أو تحدّيها السيطرة على المرفأ الرئيسي في البلاد، حيث تشحن البضائع والنفط. والدستور العراقي الجديد، بإعطائه استقلالية واسعة للأقاليم يجعل إمكانية نجاح حزب مقتدى، في الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها. في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، أمراً خطيراً. يضيف الصحافي العراقي: «حزبه لم يترشح في الانتخابات السابقة، إذا ترشح للانتخابات المحلية، قد يحصد كل الجنوب العراقي، حيث يوجد النفط، والنسبة الكبرى من السكان الشيعة. ومن يحكم الشيعة، يحكم العراق». \r\n \r\n أدريان جولم مراسل الفيغارو في النجف وبغداد \r\n \r\n \r\n \r\n