\r\n آية الله علي السيستاني 74 عاماً، سياسي ورجل دين ملتزم بتشكيل ديمقراطية برلمانية، وتدخل في طرق تشكيل العراق منذ سقوط صدام. ومنذ أكثر من أسبوع، غادر فجأة إلى لندن، ما شكّل إشارة إلى بداية حملة شاملة ضد الصدر الغاضب وميليشياته. أمّا مقتدى الصدر ابن الثلاثين عاماً، فيطعّم مقابلاته بلغة عربية ركيكة إلى أبعد حد. وقد رأى وهو حدث صغير جثث والده وشقيقيه ممزقة برصاص رشاش أطلقه بوليس صدام السري على سيارتهم. وكشخص عنيد غاضب فيه مسحة من القساوة المتأصلة بسبب صراعه ضد حزب البعث. ويقود الصدر أقلية شيعية ما زالت موالية لأفكار والده. \r\n وحركة الصدر مذهبية طائفية وتستند إلى الكاريزما التي تروق للشباب والفقراء. ويطالب أتباعه بانسحاب الأميركيين فوراً ويدافعون عن حكم رجال الدين. \r\n وعلى رغم أن الصدر أصغر سنّاً من أن يأخذه السيستاني وغيره من الزعماء على محمل الجد، فإنه ورث أتباعه عن أبيه الذي أثار النخوة في نفوس سكان المناطق الفقيرة الجنوبية فنقلوا ولاءهم إلى ابنه. ومنذ حدث الغزو، ظهرت النجف كمكان أكثر «غدراً» بالمشروع الأميركي في العراق. وباعتبارها موطناً لأعلى المرجعيات، ترقد النجف على مشهد يذكي فيه التاريخ والتظلّم كل صراع؛ والمعركة الدائرة هناك على مستقبل العراق تتقاطع مع خطوط الدين والهوية والأجيال. \r\n ويقدّس الشيعة النجف لأنها تضم مرقد الإمام علي وهو صهر النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ويبجِّلُ السّنة أيضاً الإمام عليّ؛ وتجلب السيطرة على ضريحه مكانة رفيعة وثروة من خلال تبرعات الزائرين. وفي النجف أيضاً حلقات لدراسة علوم الدين وفيها يدرس رجال الدين لسنوات ليتخرجوا برتبة دينية، وليصعد من يمارس منهم التعليم والتأليف على سلم المراتب. والدرجة الأولى في السلّم هي ما يسمونه برتبة «حجة الإسلام»، وهو لقب الصدر الذي يشك معظم المراقبين في أنه أنهى فعلاً دراساته. \r\n أما الرتبة الرفيعة «آية الله»، فيبلغها رجال الدين الذين يؤلفون كتباً كثيرة فيها الفتاوى الخاصة بمشكلات الناس وأحوالهم. والعراق، الذي يشكل الشيعة فيه نسبة 65%، كان فيه المئات من هؤلاء «الآيات»، لكن عددهم تقلص بفعل عمليات الاغتيال في عهد صدام. وعلى رغم صعوبة معرفة عددهم الحالي، فإن الأكبر سناً بينهم يصعد في النجف لينال مرتبة ما يدعى ب«آية الله العظمى»، وهناك منهم الآن أربعة. ويُطلق على «آية الله العظمى» الأكثر احتراماً لقب «المرجع»، وتتمتع فتاواه وأحكامه في مسائل القانون الديني بسلطة معنوية بين الكافة، أي جمهور الأتباع. ولأن في إيران نفسها 10 تقريباً ممن يدّعون هذه المكانة، فليس للسيستاني سوى عدد قليل من الأتباع. وفي النجف ثلاثة يحملون لقب «آية الله العظمى»: بشير النجفي (باكستاني)، وإسحق الفياض (أفغاني) ومحمد سعيد الحكيم الذي تربطه قرابة بعيدة بعبد العزيز الحكيم زعيم الحزب السياسي المتحالف مع الولاياتالمتحدة. ويؤيد هؤلاء الثلاثة السيستاني بقوة. \r\n وإذا مات السيستاني، فستسود فترة من الحيرة ضمن الزعامات الشيعية. ويكاد يكون من المؤكد أن من سيخلفه سيكون واحداً من «آيات الله العظمى» في النجف. وفي الصحافة العربية خلاف حول هوية المرشح للزعامة، ويوحي البعض بأن النجفي الذي عبَّر بقوة عن مشاعر مناهضة للأميركيين، هو من سيكون الزعيم التالي. والفياض، 75 عاماً، منافس آخر ويقال إنه يرفض تماماً انخراط رجال الدين في السياسة باعتباره أكثر دعوة إلى التهدئة السياسية من السيستاني. وهناك «آية الله» كاظم الحائري المرشح غير المتوقع الذي هرب إلى إيران في عام 1980، لكن من الممكن أن يعود من موطنه في قم. وكان الحائري زعيم حزب الدعوة في السبعينيات ومقرباً من الخميني، وهو في الأصل معلّم مقتدى الصدر، لكن الاثنين اختلفا حول تحركات الصدر العسكرية. \r\n وفي وقت سابق، كان شيعة العراق أقل ميلاً إلى النسخة الإيرانية، ومعظمهم من المناطق الريفية. لكن في السنوات ال17 الماضية، تحولت الأغلبية الشيعية عموماً إلى الدين كرد فعل على الاضطهاد الذي مارسه حزب البعث العلماني. وتسارعت هذه العملية بفعل سقوط صدام فانتشرت الأحزاب والحركات الدينية بسرعة. \r\n ولأنهم قاتلوا ضد جيش صدام وبوليسه السري، طوّرت الحركات السياسية الشيعية في العراق ميليشيا شبه عسكرية. وشكّل والد مقتدى الصدر في التسعينيات واحدة له. ومنذ صيف 2003 والصدر يشكل «مليشيا جيش المهدي» التي سرعان ما استقطبت المجندين. ويعتقد الكثير من «الصدريين» أنهم يعيشون أيامهم الأخيرة، ويزعمون أن ظهور مهديهم بات وشيكاً. وتوسط كبار زعماء الشيعة ومنهم السيستاني بين الصدر والأميركيين على رغم أن السيستاني يدين أفكار الصدر ويعتقد أن الشيعة ارتكبوا خطأً استراتيجياً بالثورة على الحكم البريطاني في عام .1920 \r\n وعلى رغم تذمر الصدر من الهيمنة الإيرانية على شيعة العراق، فإن الزعامة الدينية لطالما كانت متعددة القوميات، وهناك قلّة يشكّون بأن السيستاني يضع مصالح العراق نصب عينيه وهو المولود في إيران وعاش في النجف منذ عام 1952 ويدعمه عموماً متشددو إيران على رؤيته لعراق ذي برلمان يهيمن عليه الشيعة، وهو المفضّل لدى كثير من إصلاحيي إيران. لكنه طلب من إيران ومن رجال الدين فيها عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية. \r\n سوف تنجح حملة قوات المارينز في النجف ضد جيش المهدي. لكن هذه الميليشيا ستولّد زعامات جديدة ما دامت الأحياء الجنوبية الفقيرة لا تقدم فرصاً سياسية ثقافية جذابة. وتفسد حكومة علاوي مصداقيتها لدى زعامات الشيعة بدعوة المارينز إلى أداء مهمة ينبغي على العراقيين أن يؤدوها. فحتى السيستاني الحذر سيفقد صبره في نهاية المطاف إذا تم الدوس على المواقع المقدسة وأطال الأميركيون مكوثهم. وسيكون من سيخلفه أقل صبراً مع الأميركيين منه. أمّا الصدر فيريد من العراقيين أن يقذفوا بالأميركيين خارج البلاد. ويبدو أنه يظن أنه إذا كانت حياته لا تقنعهم بذلك، فإن موته ربما يقنعهم. لكن الساسة العلمانيين الذين كانوا مبعدين لوقت طويل، ومسؤولي وزارة الدفاع الأميركية، يراهنون على أنه مخطئ. \r\n \r\n \r\n أستاذ التاريخ الحديث للشرق الأوسط في جامعة ميتشيغان الأميركية \r\n