\r\n فذلك البيان الراديكالي الذي تضمن الدعوة لتبني استراتيجية الضربات النووية الاستباقية، يرفض مبدأ نزع الأسلحة النووية، ويصر على أن الضربة النووية الأولى يجب أن تظل \"أداة لا غنى عنها\". بيد أن العدو الذي يتخيله هؤلاء القادة لا يتمثل في دولة معينة وإنما يتمحور حول التعصب السياسي، والتطرف الديني، والتغير المناخي، وضعف نظام الدولة- الأمة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل. إن أي طالب في أي كلية عسكرية، يعرف أن الأسلحة النووية لا تفيد في التعامل مع تلك التهديدات، لكن هناك على ما يبدو أجندة خفية في هذا البيان تهدف إلى ما يلي: 1) استمرار بقاء الأسلحة النووية في أيدي عدد قليل من الدول، ومعارضة أي تحرك نحو نزع الأسلحة النووية. 2) تحويل \"الناتو\" إلى كيان يلعب دور \"الشرطي العالمي\" لإخفاء إخفاقاته الهائلة في أفغانستان، والتي يلقي الحلف باللائمة فيها على باكستان التي لا تقدم له التعاون الكافي. \r\n \r\n لعدة عقود، ظل \"الناتو\" يقاوم طلبات بعض أعضائه للعب دور عسكري خارج حدود المنطقة المحددة بمعاهدة الحلف. وقد وفرت الصراعات في البلقان الفرصة لتوسع \"الناتو\" خارج تلك المنطقة، كما وفرت له الحرب ضد الإرهاب فرصة فريدة لتوسيع مهمته العسكرية ومدها إلى مسافة بعيدة فيما وراء حدود منطقة المعاهدة. غير أن فشل \"الناتو\" في تحقيق المهام المنوطة به، أدى إلى العديد من النزاعات بين الحلفاء، وبين كبار القادة العسكريين في الدول الأعضاء في الحلف. وقد سعت الولاياتالمتحدة إلى إلقاء اللوم في فشلها على عاتق دول الحلف، وذهب وزير الدفاع الأميركي \"بيل جيتس\" في ذلك إلى حد توبيخ قوات \"الناتو\"، بسبب عدم كفاءتها، رغم أن عدد جنود الحلف المنتشرين هناك وصل الى 40 ألف جندي. والمفارقة هنا هي أن الولاياتالمتحدة التي فشلت تاريخياً في أي مهمة من مهام مواجهة التمرد، بدءاً من فيتنام ومرورا بالصومال وانتهاء بالعراق وأفغانستان، هي التي تقترح الآن تدريب \"الناتو\" وباكستان على الفنون العسكرية. \r\n \r\n \r\n المفارقة أن أميركا التي فشلت تاريخياً في مواجهاتها للتمرد، هي من تقترح الآن تدريب جنود \"الناتو\" وباكستان على الفنون العسكرية! \r\n \r\n \r\n ويشار في هذا السياق إلى أن فشل \"الناتو\" ينظر إليه أيضاً في سياق موضوعين آخرين: أولهما هو الورطة التي وجدت فيها نفسها القوات الأميركية بعد غزوها العراق، والتي يتوقع أن تؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في منطقة حيوية من مناطق العالم. والاستقرار في العراق يتوقف حالياً على أهداف ومقاصد سكانه من الشيعة الذين يشكلون الأغلبية، كما سيتوقف على الدور الذي ستختار إيران لعبه هناك. أما الموضوع الثاني فهو التمرد \"الطالباني\" في منطقة الحدود الباكستانية الأفغانية، وهو ما يرجع إلى حد كبير إلى التهميش المتزايد الذي تعاني منه قومية البشتون التي ينتمي إليها مقاتلو \"طالبان\" الذين بدأوا في إعادة تجميع صفوفهم منذ منتصف عام 2005. وقد أدى الضغط الأميركي على باكستان لاستخدام مزيد من القوة في هذه المناطق، إلى نتائج عكسية؛ منها تصاعد الإرهاب الإسلامي في معاقله الرئيسية، خصوصاً بعد الهجوم الذي شنته القوات الباكستانية على المتشددين المتحصنين في \"المسجد الأحمر\". ورغم المصاعب التي تواجهها باكستان في صراعها ضد هذا التمرد والانتقادات التي تتعرض لها من الولاياتالمتحدة، فالحقيقة هي أن حلف \"الناتو\" يعتمد على باكستان في توفير 80% من إمداداته اللوجستية، كما أن الولاياتالمتحدة ذاتها تعتمد على ثلاث قواعد جوية باكستانية في الانطلاق لشن العديد من العمليات في أفغانستان. وليس هناك من شك في أن انقطاع الإسناد اللوجستي (وهو التهديد القائم منذ منتصف 2007) سيجعل من إمكانية مواصلة \"الناتو\" لعملياته في أفغانستان أمراً مستحيلاً، وهو ما دفع الولاياتالمتحدة مؤخراً إلى إرسال 3200 جندي \"مارينز\" لدعم قوات الحلف العاملة في ذلك البلد. \r\n \r\n وهناك تداعيات ستترتب على التوجه الحالي لتوسيع دور \"الناتو\"؛ أولها أن ذلك التوجه سيؤثر تأثيراً مباشراً على السلام والاستقرار في الدول النامية، والتي ينخرط كثير منها في صراعات، إما في مواجهة تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبرى، أو ضد التدخلات الغربية التي تتم فيها دون تفويض من قبل الأممالمتحدة. وثانيها أن القوة العسكرية المطلوبة لمواجهة التحديات التي حددها رؤساء \"الناتو\" السابقون، وهي تحديات ذات طبيعة سياسية -اقتصادية -اجتماعية، سوف تؤدي حتماً إلى نتائج عكسية. فقائد \"الناتو\" السابق في أفغانستان، وهو الليفتنانت جنرال (فريق) \"ديفيد بارنو\"، وجّه انتقادات شديدة إلى من يتبنون هذا التوجه، منها أن \"الناتو\" يركز الآن على بعد لا يزيد عن 20% من أبعاد الصراع في أفغانستان وهو البعد العسكري، بينما يتجاهل 80% من أبعاد الحرب وهي أبعاد غير عسكرية في الأساس. وهو يقول في تلك الانتقادات إن التركيز لم يعد الآن على مصلحة الشعب الأفغاني، وإنما على \"العدو\"، وعلى الفساد في توزيع المعونات المرسلة إلى أفغانستان والذي أدى إلى تسرب 40% من تلك المعونات إلى خارج الدولة. \r\n \r\n من ناحية أخرى فإن الدعوة الموجهة من رؤساء حلف \"الناتو\" السابقين للتخطيط من أجل الضربات النووية الاستباقية في مناطق من العالم النامي، ستؤدي إلى زيادة مخاطر الانتشار النووي في العالم. ففي مواجهة التفوق العسكري الساحق للقوى الغربية في مجال الأسلحة التقليدية، فإن العديد من الدول في تلك المناطق، ستنظر إلى الأسلحة النووية باعتبارها الخيار البديل المتاح أمامها للدفاع عن نفسها وحماية مصالحها. وهذا تحديداً يمثل جزءاً من المنطق الذي دفع هنري كيسينجر وويليام بيري وجورج شولتز وغيرهم من الوزراء الأميركيين السابقين الذين عملوا في الإدارات الأميركية المتعاقبة، للدعوة لاتخاذ خطوات عاجلة وجدية باتجاه نزع الأسلحة النووية. \r\n \r\n \r\n \r\n جاسجيت سنغ \r\n \r\n \r\n مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية- نيودلهي \r\n \r\n \r\n