ثمة أمر واحد مؤكد، ألا وهو أن التوسعة جعلت أوروبا الغربية في مواجهة منافسة شديدة فيما يتصل بالأجور. فبينما يكسب الموظف في قطاع التصنيع في الاتحاد الأوروبي القديم 26.09 يورو في المتوسط عن كل ساعة عمل، يبلغ المتوسط في رومانيا 1.60 يورو، وفي بلغاريا 1.39 يورو. \r\n إن وجهة النظر التي تقول إن التوسع إلي الشرق من شأنه أن يعمل علي خلق فرص عمل جديدة في الغرب تفترض أن العاملين من ذوي الأجور المتدنية في شرق أوروبا سوف يكملون ويعززون الطلب علي العاملين في أوروبا الغربية. والحقيقة أن هذا الافتراض صادق إلي حد ما. ذلك أن المهندسين من أوروبا الغربية مطلوبون لتصميم المنتجات ذات المستوي العالمي التي من المفترض أن يقوم عمال أوروبا الشرقية بتصنيعها، بينما سيصبح بوسع الأشخاص من ذوي المهارات الإدارية أن يضمنوا دوام الاحتياج إلي قدراتهم اللازمة لاستيعاب العمالة الجديدة في الاقتصاد الأوروبي. \r\n ولكن بالنسبة للغالبية العظمي من العاملين الذين لا يملكون غير جهدهم الطبيعي ومهاراتهم العادية، فإن العاملين القادمين من شرق أوروبا سوف يشكلون في الواقع بديلاً لهم، وليس مكملاً لهم. وذلك لأنهم سوف يجدون أنفسهم في مواجهة منافسة شديدة من جانب أصحاب الأجور المتدنية الذين يمتلكون مهارات مشابهة لمهاراتهم وطموحات مماثلة لطموحاتهم، وعلي هذا فمن المرجح أن يخسروا الأرض التي يقفون عليها بسبب التوسعة. وطبقاً للدراسات العملية فإن مجموعة الخاسرين تتراوح ما بين العاملين من ذوي المهارات المتدنية إلي العاملين من ذوي المهارات والذين أكملوا تدريباً تعليمياً. \r\n \r\n \r\n لقد باتت العواقب بالنسبة لسوق العمالة واضحة جلية: فالتوسع نحو الشرق يعني بالنسبة للعاملين من ذوي المهارات والمؤهلات العالية في الغرب زيادة في الطلب علي عمالتهم؛ أما بالنسبة لكل من عداهم فإن التوسعة تعني تقلص الطلب علي عمالتهم. ونظراً لعدم التساوق الجوهري في مرونة الأجور، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلي انحدار صاف في معدلات توظيف العمالة. وحيث أن معدلات البطالة منخفضة بين العاملين الأكثر كفاءة وتأهيلاً، فإن الطلب المتزايد علي خدماتهم سوف يؤدي إلي زيادة في الأجور بدلاً من زيادة في معدلات التوظيف. وبالنسبة للعمال الأقل تأهيلاً في أوروبا الغربية، فإن الانخفاض في معدلات توظيف العمالة سوف يكون أمراً محتوماً، وذلك لأن مجال تقلب الأجور محدود طبقاً لاتفاقيات جماعية وطبقاً لمستويات الحد الأدني من الأجور التي تحددها مؤسسات الضمان الاجتماعي من خلال إعانات الأجور البديلة التي تقدمها وبسبب قوانين الحد الأدني للأجور. فضلاً عن ذلك فإن عدم مرونة الأجور، مقترناً بعامل الاستبدال المفروض علي الغالبية العظمي من عمال أوروبا الغربية، يعني ضمناً أن التوسع إلي الشرق سوف يتسبب في خسارة صافية في الوظائف في أوروبا الغربية، إذا ما ظلت سوق العمالة علي نفس القدر من عدم المرونة كما هي الآن. \r\n \r\n \r\n مما لا شك فيه أن التوسع إلي الشرق لابد وأن يؤدي إلي زيادة في صادرات أوروبا الغربية، وذلك بعد انفتاح المزيد من الأسواق التي تستطيع الشركات الغربية أن تبيع فيها منتجاتها. ولكن في حالة زيادة الصادرات فلابد من تحويل عوامل الإنتاج رأس المال، والعمال المؤهلين، والعمال غير المهرة عن قطاعات أخري من الاقتصاد، وهذا من شأنه أن يؤدي إلي خسارة في الوظائف في تلك القطاعات. وبما أن إنتاج سلع التصدير يتطلب المزيد من رأس المال والخبرة مقارنة بإنتاج غيرها من السلع، فإن هذا التغير البنيوي لابد وأن يؤدي إلي تناقص الطلب علي العمال غير المهرة: ذلك أن رؤوس المال والمواهب التي ستنتقل بعيداً عن القطاعات الأخري لن تستوعب كافة العمال غير المهرة. ومن بين القطاعات التي ستتقلص، مراحل الإنتاج التي تتطلب أعداداً كبيرة من العمالة، والتي انتقلت وظائفها إلي دول أخري وهي الظاهرة التي لا يدركها المستهلكون ولا تعكسها الإحصائيات الخاصة بالاستثمار المباشر الأجنبي. \r\n \r\n \r\n بالإضافة إلي ما سبق، فعلي الرغم من أنه من المسلم به غالباً أن الاستثمار المباشر الأجنبي قد يؤدي إلي خسارة الوظائف، إلا أن الأهم من ذلك هو الصادرات من رؤوس أموال التمويل، أي القروض التي تمكن الشركات الأجنبية من توفير فرص العمل في بلدانها. ولنتأمل معاً ألمانيا، التي صدرت في العام 2006 ما قيمته 108 ألف مليون يورو من رؤوس الأموال، لم يذهب منها إلا 25 ألف مليون يورو للاستثمارات المباشرة، بينما لم يتجاوز صافي الاستثمار المحلي في كافة القطاعات مجتمعة 75 ألف مليون يورو. لقد تدفق جزء من صادرات رأس المال هذه إلي دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تمتعت بواردات هائلة من رؤوس الأموال، نسبة إلي حجمها. \r\n \r\n \r\n نظراً لكل هذه العوامل، فإن التأكيد علي أن توسع الاتحاد الأوروبي جهة الشرق سوف يؤدي إلي زيادة صافية في معدلات تشغيل العمالة في أوروبا الغربية، ليس أكثر من مجرد رطانة سياسية فارغة من جانب أهل السياسة. والحقيقة أن الأجور في أوروبا الغربية أشد صلابة وأقل مرونة من أن تسمح للأغلبية العظمي من العمال بتقاسم الفوائد المترتبة علي المنافسة والتغير الحادث في قطاعات الاقتصاد. \r\n حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2007 \r\n \r\n \r\n