\r\n تقول إحدي النظريات، والتي يقر بصحتها رئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا فرانتز مونتفيرنج، إن ألمانيا قد بلغت بالفعل المكانة التي ما زال الآخرون يتمنون بلوغها. أما النمو الاقتصادي البطيء في ألمانيا فهو كما يؤكد علامة علي التقارب الأوروبي الطبيعي. \r\n \r\n لكن هذه النظرية ليست مقنعة. فقد تخلفت ألمانيا مؤخراً فيما يتصل بنصيب الفرد من الدخل الوطني عن العديد من دول الاتحاد الأوروبي، بما فيها أيرلندا، والمملكة المتحدة، وهولندا، وفرنسا، وما زال نمو الاقتصاد الألماني يتزايد بطئاً عن كل تلك الدول. \r\n \r\n هناك نظرية أخري أكثر قبولاً تقول إن ألمانيا قد تعرضت طيلة الخمسة عشر عاماً الماضية إلي العديد من التحديات الخارجية أو الصدمات التي ضربت البلاد في وقت واحد. ونظراً للجمود الذي كانت عليه ألمانيا، فقد تسبب نظام الضمان الاجتماعي الشامل وسوق العمالة التي تعاني من المبالغة في التنظيم والمراقبة، في عجز ألمانيا عن التفاعل مع هذه الصدمات مما أدي إلي انزلاقها إلي المتاعب. وهذه النظرية تذكرني بنظرية المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي والتي طبقاً لها تنهار الإمبراطوريات بسبب عجزها عن التفاعل مع التحديات الخارجية. \r\n \r\n كانت الصدمة الأولي تتمثل في العولمة التي بدأت تزداد حدة، والتي أدت إلي جلب العديد من العمالة المنافسة الزهيدة الأجر. وعلي الرغم من أن العولمة عملية تدريجية إلا أنها اكتسبت قوة دفع شديدة حين قررت الصين أن تنزل إلي الملعب وتمارس اللعبة. يبلغ حجم الصين عشرة أضعاف حجم اليابان، ولم يكن التعامل مع اليابان أيضاً بالأمر اليسير. فقد خسرت ألمانيا علي سبيل المثال مركزها المتفوق في مجال تصنيع الآلات الدقيقة والمعدات الخاصة بالبصريات حين نزلت اليابان إلي الساحة. \r\n \r\n أما الصدمة الثانية فقد صاحبت تكامل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك التوسعات إلي الشمال وإلي الجنوب. فلقد أدت إزالة الحدود داخل الاتحاد الأوروبي إلي تعزيز وضع وحجم السوق في كل دولة، وجذب المؤسسات الاقتصادية ذات الحجم الكبير كما كان متوقعاً. لكن الفوائد التي جنتها الدول الصغيرة من هذه التطورات كانت أكثر مما جنته الدول الكبيرة، كما أنها كانت تعني المزيد من المنافسة بالنسبة لألمانيا، صاحبة الاقتصاد الأكثر ضخامة في أوروبا. \r\n \r\n ولنتأمل شركة نوكيا صانعة الهاتف الجوال. فبفضل المؤسسات الاقتصادية الضخمة التي أصبح وجودها ممكناً بعد إنشاء السوق المشتركة، تمكنت نوكيا من استغلال استثماراتها علي النحو الأكمل، بينما قررت شركة سيمنز الألمانية مؤخراً أن تتخلي عن سوق الهواتف الجوالة. \r\n \r\n أتت الصدمة الثالثة بصحبة اليورو، الذي استحث تقارباً سريعاً لأسعار الفائدة علي القروض طويلة الأجل، والتي كانت في بعض الدول أعلي بمقدار خمس أو سبع نقاط نسبية عن المستوي الألماني. وبعد أن تحرر المستثمرون الدوليون من المجازفات المرتبطة بسعر الصرف كفوا عن مطالبة تلك الدول بعلاوات المجازفة وأصبحوا علي استعداد لتقديم الاعتمادات المالية لكل تلك الدول تحت نفس الشروط الودية التي كانت قبل ذلك مُدَّخَرة لألمانيا. \r\n \r\n هذا أمر طيب بالنسبة لأوروبا لأنه يساعد علي تحسين عملية تخصيص رؤوس الأموال ويحفز النمو من خلال نقل المدخرات الألمانية إلي مناطق نائية كانت محرومة فيما سبق داخل منطقة اليورو. لكن فائدة هذا الأمر بالنسبة للعمال الألمانيين مشكوك في صحتها، حيث أن أولئك العمال أيضاً كانوا قد يرغبون في التعاون مع رأس المال ذلك. \r\n \r\n تتلخص الصدمة الرابعة في توسعة الاتحاد الأوروبي نحو الشرق، وهو الأمر الذي جلب العديد من الفرص الاستثنائية للتجارة والاستثمار في الشرق، لكنه تسبب أيضاً في ظهور المنافسة من قِبَل عمالة زهيدة الأجر. ففي المتوسط لا تتجاوز تكاليف الأجور في الدول العشر التي انضمت في عام 2004 إلي الاتحاد الأوروبي 14% من المتوسط في ألمانياالغربية. كما أدت المنافسة من قِبَل العمالة زهيدة الأجر إلي انتقال التصنيع إلي الخارج علي نحو ملحوظ، وإلي إيجاد أنشطة غير رسمية حافظت للشركات الألمانية علي قدرتها علي المنافسة من خلال تخفيض طلبها علي العمالة المحلية. وحيث أن لا الاتحادات العمالية الألمانية ولا مؤسسة الضمان الاجتماعي في ألمانيا قد تقبل بتخفيض الأجور، فقد كانت النتيجة الطبيعية ارتفاعاً في معدلات البطالة وتباطؤاً في النمو. \r\n \r\n أما الصدمة الخامسة فقد كانت نتيجة لتوحيد شطري ألمانيا، وهي العملية التي سجلت إخفاقاً علي المستوي الاقتصادي. ذلك أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي مقسم علي ذلك القطاع من السكان ممن هم في سن العمل في ألمانياالشرقية، كانت 61% من نظيرتها في ألمانياالغربية في عام 1996، لكن النسبة الآن تدنت إلي 59%. ولقد تسبب النمو البطيء في القسم الشرقي من الدولة إلي انخفاض المتوسط الألماني ككل، بينما تسبب الطلب الهائل علي صناديق التمويل العامة في الشرق إلي زيادة الدين العام. فضلاً عن ذلك فقد أدي الموقف المالي الضعيف بدوره إلي تقويض ثقة المستثمرين، وهو الأمر الذي يحمل العديد من المعاني الضمنية بالنسبة للنمو الاقتصادي. \r\n \r\n تشكل هذه الصدمات الخمس مجتمعة تطورات تاريخية تحمل الكثير من الخير للعالم ككل، لكنها قادت ألمانيا إلي عدد من المشاكل. ولكي يتسني للدولة أن تتصدي للتحديات وتستمر في النمو، فيتعين عليها أن تزيد من مرونة أسواق العمالة لديها. وإذا ما اتجهت الأجور نحو الانخفاض حتي تتمكن من التكيف مع البيئة الدولية الجديدة، ففي هذه الحالة فقط تستطيع العمالة الألمانية أن تستعيد القدرة علي المنافسة من جديد، وهو الأمر الذي سيساعد الدولة بدورها علي تحقيق معدلات توظيف أعلي، واستغلال رأسمالها البشري علي أفضل نحو ممكن. \r\n \r\n إن الحكومة الجديدة التي سيختارها الناخبون في شهر سبتمبر سوف تجد نفسها علي الأرجح أمام مهمة عصيبة تتلخص في مواجهة الشعب الألماني بالحقائق والمسارعة إلي تنفيذ الإصلاحات الضرورية. وإذا ما تحقق ذلك فآنذاك فقط نستطيع أن نعرف ما إذا كانت ألمانيا قادرة علي التصدي للتحدي الذي عبر عنه أرنولد توينبي في نظريته. \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n . \r\n