وقبل ان نجد أنفسنا متورطين بحرب جديدة هي الثالثة مع بلد اسلامي فإن من الضروري علينا نحن الأميركيين ان نتذكر انه خلال القرن الماضي ما من أمة بدأت حربا كبرى وكسبتها، كذلك علينا أيضا ان نتذكر انه خلال الخمسين عاما الماضية لم يقم تمرد وطني ضد احتلال أجنبي إلا وكسب الجولة وحقق الانتصار على المحتل، هذا الدرس تعلمته شخصيا عندما وجدت نفسي أعمل في باكستان في عام 1986 مديرا لجهود ال «سي. آي. إيه» لدعم المقاومة الأفغانية ضد المحتلين السوفيات. \r\n \r\n ولننظر إلى حروب الوكالات التي خيضت خلال الحرب الباردة في كوريا وفيتنام وأفغانستان عندما هاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية في يونيو 1950 وجدت الولاياتالمتحدة نفسها في الحرب، ومنذ البداية تلقت كوريا الشمالية مساعدات ودعما من الصين والاتحاد السوفياتي ولكن جميع القوى الخارجية المشاركة في الحرب وهي الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي والصين عملت ضمنا على عدم الدخول في مواجهة مع بعضها البعض وعندما رفض الرئيس هاري ترومان قرار القائد الاميركي في كوريا الجنرال دوغلاس مكارثي القاضي بتوجيه ضربات جوية للصين في عام 1951 بسبب الخوف من جر الاتحاد السوفياتي الى الحرب انتقد مكارثي قرار الرئيس فما كان من ترومان الا ان اقاله. \r\n \r\n خسرت اميركا في تلك الحرب اكثر من 40 الف جندي في قتال بالوكالة مع الاتحاد السوفياتي والصين. \r\n \r\n نفس المبدأ طبق في جنوب شرق آسيا حيث كانت تمتد خطوط فيتنام الشمالية والفيتكونغ عبر الاتحاد السوفياتي والصين بالرغم من ان الايدي الصينية والسوفياتية كانت وراء الخسائر الاميركية الا ان اميركا لم تفكر في توجيه اي ضربات لاي منهما خسر الاميركيون في هذه الحرب 58 الف جندي ويعود السبب الرئيسي الى الدعم السوفياتي والصيني. \r\n \r\n وعندما غزا الاتحاد السوفياتي افغانستان في ديسمبر 1979 انقلب الوضع رأسا على عقب فقد امر الرئيس كارتر السي. آي. ايه بتقديم دعم للمقاومة الافغانية التي سارعت لمقاتلة السوفيات باسلحة ضعيفة قديمة وصدئة ونظمت السي. آي. ايه ائتلافا من بريطانيا والسعودية ومصر لتقديم اسلحة للثوار الافغان كالمدافع الرشاشة ومدافع المورتر والصواريخ المضادة للمدرعات والطائرات وهي اسلحة ساهمت في ايقاع خسائر فادحة في صفوف السوفيات ومع ذلك نجد ان الاتحاد السوفياتي لم يفكر في شن ضربات ضد القوى الخارجية التي كانت تقدم الدعم للافغان. \r\n \r\n في عام 1989 حل السوفيات من هذه الحرب العبثية وانسحبوا من افغانستان بعد ان تكبدوا خسائر بلغت اكثر من 15 الف جندي بعدها بعامين فقط انهار الاتحاد السوفياتي ككل ولم يعد يسمع به احد. \r\n \r\n هذه الحروب تقدم لنا درسا مفيدا في اميركا مفاده انه اذا ما ارادت الدخول في حرب فمن الافضل ان تدع العراق الثاني يبدأها ان على اميركا ألا تنسى ابدا ان ايران الحديثة تعود جذورها الى فارس القديمة. \r\n \r\n ففي قلب كل ايراني توجد فارس وهو ينظر الى بلاده من منظور «ايران الكبرى» وحتى قبل ان تكتسح روما العالم العربي كانت الامبراطورية الفارسية تمتد ما بين القوقاز ونهر الاندوز ولا يخفى على احد ان تلك المناطق كانت تشمل العراق وافغانستان. \r\n \r\n من السخف ان ننتظر وقوف ايران دون حراك تتفرج على اي غزو يوجه لايران الكبرى. التدخل الايراني ينطلق من خلفية الرؤية الفارسية للامور وبالتالي فانها لن تتسامح تجاه اي تدخل في شؤونها. \r\n \r\n اذا ارادت الولاياتالمتحدة شن حرب على ايران فيجب ان يكون هناك اسباب معقولة ومنطقية ولا يكفي ان نتلاعب بالاسباب من اجل الحصول على التبرير الذي نرغب به ان هذه الحرب وبغض النظر عن الطريقة التي قد تبدأ بها لن يكون حالنا فيها بأفضل من حالنا الحالي في العراق، ان على بوش ان يتحدث اولا الى طهران، مع كل اسبوع يمر يتصاعد التوتر ما بين ايرانوالولاياتالمتحدة ، ايران تعلن عن خطوة جديدة باتجاه تحقيق طموحاتها النووية وفي المقابل تضغط الولاياتالمتحدة من اجل فرض عقوبات، ايران تساعد الشيعة والميليشيات الشيعية في العراق وادارة بوش تحتجز عملاء ايرانيين وترسل المزيد من السفن الحربية الى الخليج، ايران تمول الجماعات الارهابية في الشرق الاوسط والولاياتالمتحدة تحاول جاهدة الحد من نفوذ تلك الجماعات، في هذه الاثناء ينطلق الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في اصدار تصريحات نارية مثل انكار الهلوكوست وازالة اسرائيل من الخريطة والتنبؤ بزوالها، لا يخفى على احد ان الولاياتالمتحدةوايران داخلتان منذ زمن طويل في تنافس على السلطة والنفوذ مما يحمل في طياته مخاطر تفوق كثيرا ما هو موجود حاليا في العراق ولا يعرف احد كيف يمكن ان ينتهي هذا التنافس، ما هو مؤكد ان الولاياتالمتحدة تحتاج لمفهوم جديد للتعامل مع ايران، التصرفات الاميركية في الشرق الأوسط لم تضر ايران بل على العكس ساهمت في تقويتها واعطائها المزيد من الثقة بالنفس من اجل تحقيق طموحاتها في لعب دور تاريخي كقوة إقليمية في المنطقة، فأميركا اطاحت بنظامين ساهما كثيرا في احتواء النفوذ الايراني وهما نظام صدام حسين في العراق ونظام طالبان في افغانستان، كيف يمكن لنا الابقاء على النوايا والطموحات الايرانية قيد السيطرة دون الدخول في مواجهة مسلحة مع ايران، دروس التاريخ تقدم لنا الحل الذي يمكن الأخذ به، في عام 1947 كانت اوروبا قد خرجت للتو محطمة من الحرب العالمية الثانية ودخلت الولاياتالمتحدة في تنافس شديد مع الاتحاد السوفياتي، الدبلوماسي المخضرم جورج كينان وجد الحل من خلال ما اسماه بسياسة الاحتواء التي يقصد بها عزل السوفيات وممارسة الضغوط عليهم عسكريا ودبلوماسيا مستفيدا من الاقتصاد الاميركي القوي والعمل في نفس الوقت على كسب الحلفاء، كانت تلك لعبة شطرنج غاية في الخطورة ولكنها اثبتت نجاحها على المدى البعيد، السياسة الاميركية الحالية في الشرق الاوسط تبدو وكأنها تقوم على الاحتواء فبدل الاخذ باسلوب المواجهة او الاسترضاء نجد ان الادارة الاميركية تعمل على عزل النظام الايراني وممارسة الضغوط عليه، الرئيس الاميركي يتحدث بلهجة متشددة ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تعمل على حشد الحلفاء السنة وراء اميركا مثل السعودية ودول الخليج والاردن ومصر وهي دول تشعر بالقلق من تزايد النفوذ والتمدد الايراني. \r\n \r\n ارسلت الولاياتالمتحدة حاملتي طائرات الى الخليج اضافة الى نصف انظمة للدفاع الصاروخي كذلك عملت على تشويش الصفقات المالية الدولية الايرانية. \r\n \r\n جميع الخطوات السابقة تعتبر معقولة ومقبولة ولكن خلال فترة الحرب الباردة كان هناك حوار في بعض الاحيان على مستوى السفارات وفي بعض الاحيان على مستويات القمة. الحديث الى ايران وسوريا كان ضمن التوصيات التي تضمنها تقرير «مجموعة دراسة العراق» ولكن الادارة تصر اولا على قيام ايران بتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم. \r\n \r\n وبدل الاصرار على وضع شروط مسبقة لماذا لا تحاول ادارة بوش فتح قنوات اتصال اقليمية او ثنائية حول العراق فقط؟ فهناك الكثير الذي يجمع ما بين الولاياتالمتحدةوايران في هذا الشأن والمصالح التي تجمع بينهما اكبر بكثير من تلك التي تفرق بينهما. فكلا البلدين لا يريدان للحرب ان تزحف الى الدول المجاورة عبر الحدود العراقية. \r\n \r\n من الغرائب ان ايران لديها قدر من الديمقراطية التي ينادي بها بوش في دول الشرق الاوسط فإيران لديها انتخابات وتتمتع المرأة بحق التصويت. ايران مثلها مثل روسيا تسببت بإحداث الكثير من الويلات ولكن الدخول معها في مواجهة يعني وقوف المواطنين الايرانيين خلف نجاد اضافة الى ان اي مواجهة ستؤدي الى زيادة اشتعال الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة عبر الشرق الأوسط. \r\n