مازال فيدل كاسترو عميدا ليسار أميركا اللاتينية . فهو في السلطة لما يقرب من نصف قرن بفضل عوامل عدة . أولا , العدوان الأميركي . فبعد أن اعتادت على السيطرة على الجزيرة منذ حقبة \" تعديل بلات \" , واجهت الولاياتالمتحدة \" ثورة كاسترو \" , والتي لم تستطع السيطرة عليها . \r\n هناك لعبة أخطاء لا تصدق : فقد أكَد وثبَت عداء عشر إدارات أميركية سلطة كاسترو ولا شيء آخر . فهناك رسم كاريكاتوري يصور ويرسم كل رئيس أميركي منذ أيزنهاور وهو يردد نفس المبدأ والشعار \" فيدل كاسترو مستهدف الإطاحة به \" . ولقد فشلت محاولات كارتر وكلينتون في تطبيع العلاقات من كوبا ؛ فلم تكن يحبذها كاسترو , الذي بنى - وهذا العامل الثاني - جهاز شموليا استبداديا يرتكز إلى قاعدة الدفاع ضد \" الإمبريالية الأميركية \" . وهذا يجعل أي معارض في الواقع خائنا محتملا . وهذه الآلية الشمولية يغذيها العدو وتشحذ نفسها . \r\n وما لا يعمل ويجدي بالنسبة لكاسترو هو الاقتصاد . فالمحاولات الرامية لتنويع مصادر الدخل أخفقت . وقد عادت كوبا إلى الزراعة القائمة على محصول واحد وإلى استغلال السياح . فالاقتصاد القائم على السياحة والحانات والذي كان يدعمه طويلا الاتحاد السوفيتي البائد الآن , تم نبذه بصورة اصطناعية في نهاية الحرب الباردة ثم تم إنقاذه مرة أخرى بفعل السخاء النفطي للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز . إن مزية كوبا - وهي التعليم والصحة - ستبقي النظام . كما أن مساعدة شافيز منطلقة بسرعة مثل الشخص نفسه . \r\n وبوصفه رئيس خامس أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم , يختال هوغو شافيز كزعيم يساري . وفي الحقيقة , هو مثل موسوليني , مستعد دائما ليجود بغير حساب أو يبدد ثرواته النفطية , في نفس الوقت الذي يضحي فيه بمصادر الإنتاج والتشغيل بالداخل . وهو يهاجم الولاياتالمتحدة في مسائل تجارية مثل منطقة التجارة الحرة ولكنه لا يجرؤ على أن يمس العلاقات النفطية العزيزة والغالية جدا بالنسبة لتمويلات حكومة كاراكاس . ومثله مثل خوان بيرسن , يمزج بين خطاب شعبوي وجرعات ضحمة من الخيرية الإنسانية . وعلى العكس من بيرسن , هو لا ينشئ صناعة محلية منوعة . إن شافيز وأوهامه سيتلاشون . إن شعبا محررا من الوهم سيسعى إلى طرق جديدة بدون عناء تعلم الكثير جدا . ويجب أن يكون اليسار الفنزويلي دارسا ومفكرا بالفعل في مشروع ما بعد شافيز . \r\n وفي الطرف الآخر من أميركا يكمن اليساريون الجنوبيون . فنظام نيستور كيرشنر في الأرجنتين يتمايل , بشكل مذبذب ومتردد , بين \" بيرونية \" جديدة غير متسامحة و\" بيرونية \" ناعمة . ومما يدعو للدهشة أن حكومة تابري فاسكويز في الأوروغواي سريعة في دفاعها عن مصالحها الوطنية تحت كل من الشعار اليساري واليميني على السواء . كما أن الرئيس البرازيلي , لويز إناسيو لولا دا سيلفا , قد حقق نجاحا اقتصاديا وتجاريا ضخما , ولكنه خان قاعدته الانتخابية الشعبية . فهو يلطخ نفسه في فضائح الفساد بشكل ميلودراماتيكي مثل الأوجه المتعددة لقطب النظام السابق الذي كان كبير مساعديه , خوسيه ديرسيو . ومن المأمول أن تغادر حكومة لولا دا سيلفا , التي من المؤكد هزيمتها في الانتخابات القادمة , الميدان بقدر ما هو واضح وممكن لدى خلفائه ( أي دا سيلفا ) . \r\n والوجه الآخر لليسار في أميركا اللاتينية يمثله , بالطبع , رئيس شيلي ريكاردو لاغوس . فبتفويضه وأمره , تم دفن \" البينوشية \" ( نسبة إلى بينوشيه ) من قبل السلطات القضائية ( كاشفا أن الطاغية الفظيع كان أيضا لصا شريرا ) , كما كرس الرئيس نفسه ليس لإدانة الماضي , ولكن لبناء المستقبل . \r\n السوق والدولة : أكد التوازن بين كلا العاملين التطور والنمو السريع ( غير الكامل ) لشيلي تحت الاشتراكية . فمستوى الفقر انتقل من 40 % إلى 18 % . وتلك مازالت نسبة مئوية كبيرة للفقر : فلدى ميشيل باشيليه - التي ستخلف لاغوس في مارس القادم - مهمتها مشروعة ومحددة أمامها . ولكن لاغوس يترك وراءه نموذجا يتجاوز \" إجماع واشنطن \" , والتي لم تدخل لا مستوى عاليا من الاستثمار مقرونا بتنمية مستدامة ولا نموا أكبر مقرونا بعدالة أكبر . هو يترك لباشيليه نموذجا تحت الإنشاء يعد بالحفاظ على استقرار اقتصادي كبير سيمكنها بشكل عاجل وملح من التعامل مع التنمية الاقتصادية ببرامج للتشغيل والبنية الأساسية والتعليم وإعادة التوزيع والفرص الاقتصادية . \r\n هذا هو المشروع الذي بمعناه الواسع سيناسب اليسار المكسيكي المجدد , والذي يمثله حاليا المرشح الرئاسي لعام 2006 آندريس لسبيز أوبرادور . لقد أعطى لسبيز أوبرادور لتوه علامة إيجابية في الخطاب الافتتاحي لحملته الانتخابية والذي ألقاه في منطقة ميتلاتونوك بمدينة غيريرو , حين قال : \" فلتسمع كلمتنا بوضوح , ولتسمع للقاصي والداني : سيكون هناك اقتصاد السوق , ولكن الدولة ستدعم التنمية الاجتماعية لكي تكافح عدم المساواة \" . وأضاف القول : \" سيكون هناك استقرار اقتصادي كبير ونظام منضبط في التعامل مع التضخم والعجز العام في الموازنة \" . \r\n وعلى أية حال , فقد أعلن لسبيز أوبرادور أن الاقتصاد الكبير وكذلك الاقتصاد الصغير يجب أن يكافح الفقر الذي - كما نعرف جميعا - كان جرح المكسيك الأكثر إيلاما والدائم منذ عرَفنا \" هامبولدت \" في بداية القرن التاسع عشر بأننا بلد عدم المساواة , وهو فقر ظل أسوا نقطة ضعف فينا , كما عبر عن ذلك الروائي إغناسيو سولاريس في روايته الممتازة عن الحرب المكسيكية - الأميركية في عام 1848 والمسماة \" الغزو \" . \r\n وأملي هو أن طريق لوبيز-أوبرادور في المكسيك سيكون مماثلا لطريق لاغوس وليس لطريق شافيز , بالرغم من أن أيا من برامج لاغوس وبرامج شافيز لا يمكن تكرارها ونسخها في بلد يتشارك في حدود تبلغ 3.000 كيلومتر مع أكبر قوة في العالم . \r\n وثمة وضع لا يقلقني وهو وضع أحدث يساري يكسب السلطة في أميركا اللاتينية , وهو رئيس بوليفيا إيفو موراليس . فموراليس - الذي انتخبته أغلبية واضحة - يؤكد على منعطف إيجابي في سياسة أميركا اللاتينية : وهو أن اليسار يمكن أن ينال السلطة عن طريق وسيلة الانتخاب . ومنذ وقت ليس ببعيد , لم يكن هذا متصورا . فقد كان ملتجأ اليسار الوحيد هو من خلال التمرد المسلح . وبدون شك , فإن إيفو موراليس واع ومدرك لحقيقة أن انتخابه لا يلزمه هو فقط لوحده ولكن يلزم كل الشعب البوليفي المساء معاملته , بالحفاظ بوضوح وذكاء على نفس العملية السياسية الحرة التي قادته إلى السلطة في المقام الأول . وتلك خطوة إلى الأمام بالنسبة لأميركا اللاتينية يجب ألا يتم التقليل من شأنها . فأخيرا وصلت الديمقراطية إلى قاعدة الهرم .. \r\n كارلوس فيونتس \r\n واحد من أشهر الروائيين وكتاب المقال في أميركا اللاتينية . وأحدث كتاب له هو \" هذا ما أعتقده : حياة من الألف إلى الياء \" \r\n خدمة \" غلوبال فيو بوينت \" - خاص ب \" الوطن \"