\r\n بالطبع كان قادتنا الوطنيون يمضون عطلاتهم عندما وقعت الكارثة ولذا - على حد تعبير ديفيد كار في صحيفة نيويورك تايمز - فقد ترك الأمر للمراسلين الصحفيين لكي يعلنوا أمام الأميركيين جميعهم أن إحدى دول العالم الثالث قد ظهرت على ساحل الخليج. \r\n وجاء العنوان الذي حملته افتتاحية (يو إس إيه توداي) حاملا معه تلك الأخبار السيئة المشهد في أورلينز يشبه المخيمات الموجودة في بلدان العالم الثالث. وعلى محطة سي إن إن الإخبارية راح المذيعون يجزمون القول بأن الأميركيين في ولاية نيو أورلينز التي لا تختلف في شئ عن دول العالم الثالث يهيمون على وجوههم في الطرقات يشبهون إلى حد كبير البدو المتنقلين ومن حولهم الشوارع قد غطتها المياه التي حملت معها الأمراض والأخطار. \r\n ومع نهاية الاسبوع لم تختلف التعليقات التي أوردتها كثير من الصحف والمحطات الإخبارية بل راحت تضيف المزيد من الحديث عن انتشار صور الموت والدمار في صورة تضارع تلك التي اعتاد الأميركيون على رؤيتها قادمة من دول العالم الثالث. وأخذ المذيع شيبرد سميث يندب تلك الأحوال على قناة (فوكس نيوز ) الإخبارية ويقول بأن الامور لا يمكن ان تعود مثلما كانت عليه من قبل. وقد يمكننا أن ننتشل جثث الموتى وأن نصلح الجسور وأن نسحب المياه إلى الوراء بيد ان مشاهد الرعب التي ارتبطت بدول العالم الثالث ولم يكن يدور في الخلد أنها سوف تنتقل إلى عقر دارنا ستظل جاثمة على مخيلتنا بعد أن أصبحت واقعا مشاهدا . \r\n من الواضح ان أحدا من هؤلاء الإعلاميين لم تطأ قدماه داخل حي (أناكوستيا ) في واشنطن أو (ساوث سنترال ) في لوس انجلوس أو متنزهات أركنساس ، فلو أن أحدهم قد ذهب هناك أو أعطى لنفسه فرصة لكي يعرف عن قرب العمال التي تقوم بأعمال النظافة في مكاتبهم أو أن يتعرف على بائعي الصحف ممن لا يجدون منزلا يؤويهم إذا فرغوا من العمل لأمكنهم أن يدركوا أن هناك 37 مليون أميركي يعيشون تحت خط الفقر وأن العالم الثالث موجود بين ظهرانينا وأنه لم يأت فقط مع إعصار كاترينا. \r\n وحتى إذا ما اعتمدنا على الإحصاءات الفيدرالية التي قد يشوبها كثير من عدم الدقة فهناك حوال 13 % من الأميركيين - و18 % من الأطفال الأميركيين - يعيشون تحت خط الفقر ، وهم على هذا الحال طوال العام وليس فقط خلال فترات الكوارث الموسمية كالأعاصير كما انهم ينتشرون في كافة ربوع الولاياتالمتحدة ولا يقتصر تواجدهم على جهات بعينها وليس في نيو أورلينز فحسب. \r\n وإذا ما تأملنا مؤشرات النمو الاقتصادي بالنسبة لمجموعات الدخول والعرقيات سنجد أن الظروف التي يحياها الفقراء داخل الولاياتالمتحدة لا تختلف في شئ عن حياة الفقراء في البلدان النامية . \r\n فعلى سبيل المثال في كثير من المدن الأميركية تصل معدلات الوفيات بين الأطفال السود أكثر من ضعف معدلات الوفيات من البيض. وتشير تقديرات إلى أن 13 مليون طفل أميركي عانوا من الجوع في وقت ما من العام الماضي. كما أن هناك 11.6 % من الأطفال في الولاياتالمتحدة لا تشملهم مظلة التأمين الصحي. \r\n بيد أنه وبنفس المعادلة نجد أن اهتمام وسائل الإعلام لا يسلط على دول العالم الثالث إلا عندما تحل كارثة أو مجاعة واسعة النطاق فالحال نفسه ينطبق داخل الولاياتالمتحدة حيث كان لزاما أن تقع كارثة مدوية لكي تلفت أنظار وسائل الإعلام إلى العالم الثالث القابع داخل الولاياتالمتحدة . \r\n ولنتذكر أنه ومع انتخاب رونالد ريغان عام 1980 فقد تحولت الحرب على الفقر إلى الحرب على الفقراء ، وقد شرعت إدارة بوش في إذكاء جذوة تلك الحرب لتصل بها إلى مستوى لم يكن يحلم به مهندسو ثورة ريغان ، فتمادت إدارة بوش في تقليص البرامج الاجتماعية بينما راحت في الوقت نفسه تخفف الضرائب عن الأغنياء. \r\n وأصبح اليوم هناك أميركتان داخل الولاياتالمتحدة : بلد العالم الأول الذي يرفل في ثوب الرفاهية وتلك التي تنتمي إلى العالم الثالث حيث المعاناة من شظف العيش والأوضاع المزرية التي تتوارى عن أعين وأقلام الصحفيين . \r\n وتبقى الحقيقة أن غض الطرف عن الواقع لا يعني مطلقا انه غير موجود وإهمال المشكلة ليس مرادفا لحلها . والآن يتكشف أمام الإعلام الأميركي - بعيدا عن إلقاء اللوم على الفقر أو على البشرة السوداء - أن افراد العالم الثالث الأميركي يكافحون من أجل الحصول على لقمة العيش كما نكافح جميعنا وفي الوقت نفسه يتوقون للمحافظة على كرامتهم وكرامة ذويهم حتى في أشد المواقف عسرة. \r\n وفي الماضي كان تسليط الإعلام لأضوائه على الجوانب المختلفة لمشكلة الفقر مدعاة لأن تتبنى الحكومة سياسة تغييرات بيد ان جل هذه التغييرات سرعان ما يتوارى عن الأنظار كأنه لم يكن بمجرد انحسار موجة الاهتمام الإعلامي عنه .والآن ومع الاكتشاف الجديد لوسائل الإعلام في نيو أورلينز ربما لا تتوارى صورة الفقراء بالسرعة نفسها هذه المرة . \r\n \r\n روزا بروكس \r\n أستاذ مساعد بكلية الحقوق جامعة فيرجينيا \r\n خدمة لوس انجلوس تايمز خاص بالوطن