ولكن على خلاف ما كان عليه الحال مع سابقيه الذين آثروا الصمت والانحناء أمام عاصفة الانتقادات الموجهة إلى أميركا، بادر \"موينهان\" إلى شن هجوم كثيف على الحكومات الديكتاتورية التي تعيث فسادا داخل أروقة الأممالمتحدة. وبذلك فقد اتخذت حركة جديدة، وهي ما يعرف بالمحافظين الجدد - طريقها إلى داخل المسرح الدولي بقيادة \"موينهان\". ولاحقا بعد مضى فترة ست سنوات منح الرئيس \"رونالد ريجان\" وظيفة سفير في الأممالمتحدة إلى إحدى أبرز وجوه المحافظين الجدد، \"جين كيركباتريك\" التي برهنت أيضا على تشددها. والآن فان من المفترض أن يسلك بولتون - أحد أشد المنتقدين للأمم المتحدة - نفس هذا الطريق خاصة أن \"كوندوليزا رايس\" عند إعلانها لهذا التعيين استشهدت وبشكل خاص بشخصيتي \"موينهان\" و\"كيركباتريك\" تماما كما فعل العديد من المعلقين والكتاب الموالين لليمين. أما بالنسبة لبعض أعضاء الكونجرس، فإن تعيين شخصية طالما عرفت بتوجيه أشرس الانتقادات للأمم المتحدة كسفير يعد أمرا لا يخلو من سوء النية ومجافاة الحقائق على أرض الواقع. ولكن المحافظين الجدد بإحساسهم التاريخي اعتبروا أن هذا التعيين قد صادف أهله وهو ما يحتاجونه بالضبط في هذه الفترة. \r\n \r\n على أن المشكلة تكمن في أن الحقائق التاريخية ربما لا تصلح في كل زمان، فلقد برهن كل من \"موينهان\" و\"كيركباتريك\" على نجاحه وفعاليته لأن أسلوبهما في المعارضة كان يناسب ذلك الوقت عندما لم يكن في وسع الولاياتالمتحدة القيام بأي دور سوى المعارضة. أما اليوم فان الولاياتالمتحدة أصبحت تتمتع بفرصة القيادة والريادة وباختيارها ل\"بولتون\" في هذا المنصب فإن إدارة بوش ربما أضحت في طريقها لإهدار هذه الفرصة. \r\n \r\n لقد أصبح \"موينهان\" سفيرا لأميركا لدى الأممالمتحدة في واحدة من أضعف الفترات التي مرت بها السياسة الخارجية الأميركية على مر التاريخ، وفي ذات الشهر الذي تم فيه تعيينه في ابريل من عام 1975 كانت فيتنام الشمالية تجتاح العاصمة \"سايغون\" قبل أن تلحق أكبر هزيمة عسكرية بالولاياتالمتحدة الأميركية في القرن العشرين، وكانت الأممالمتحدة في ذلك الوقت تهيمن عليها قوى الديكتاتورية اليسارية في العالم الثالث المؤيدة للاتحاد السوفييتي والمناوئة للولايات المتحدة الأميركية. وفي العام الأسبق كانت هذه القوى قد تقدمت بمشروع قانون أمام الأممالمتحدة يهدف إلى تمليك الحكومات حق مصادرة العقارات والممتلكات الأجنبية، وقد عارضت الولاياتالمتحدة هذا المشروع قبل أن تتلقى هزيمة ساحقة بمقدار 120 صوتا مقابل ستة أصوات فقط. \r\n \r\n لكن \"موينهان\" شدد على ضرورة أن تستمر أميركا في خوض المعركة، وبعد أقل من خمسة أشهر منذ توليه المنصب عندما أجازت الأممالمتحدة مشروع القانون الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية وقف \"موينهان\" ليعلن أمام الجميع أن هذا الأمر ينطوي على \"كذبة كبرى\". وعندما طالب الرئيس الأوغندي الأسبق الطاغية عيدي أمين أمام الجمعية العامة ب\"إزالة دولة اسرائيل\" تصدى له موينهان ووصفه ب \"السفاح العنصري\" وبذلك فإن \"موينهان\" من خلال دفاعه المستميت عن أميركا والقيم الأميركية قد قام بدور لا يستهان به في حماية كرامتنا الوطنية إلى درجة أن مجلة \"تايم\" وضعت صورته على الغلاف بينما اختارته مجلة \"ناشونال ريفيو\" بوصفه \"رجل العام\" في تلك الفترة. وعندما تسلمت \"كيركباتريك\" هذا المنصب في عام 1981 لم يكن الموقف الأميركي دوليا في حالة أفضل بكثير مما كان عليه في السابق، فقد شن السوفييت غزوا على أفغانستان، ونشبت أزمة الرهائن في إيران فيما اعتبر إذلالا إضافيا لحق بالولاياتالمتحدة الأميركية. ولكن \"كيركباتريك\" آثرت التصدي لمنتقدي أميركا الذين كانوا يصفونها بالدولة الإمبريالية عبر محاضرات تدافع عن الديمقراطية الأميركية. وشأنه شأن \"موينهان\" و\"كيركباتريك\" فإن \"بولتون\" فيما يبدو شخصية تفضل أيضا التصدي والتشدد، فلقد عرف عنه شجبه للاتفاقيات الدولية الخاصة بالأسلحة الصغيرة والأسلحة البيولوجية ومحكمة الجنايات الدولية، وشن هجوما لاذعا على الأممالمتحدة ذات مرة حينما أشار إلى أن مبنى هذه المنظمة إذا فقد عشرة طوابق من طوابقه الثمانية والثلاثين فان أي أحد لن يلاحظ هذا الأمر. \r\n \r\n بيد أن إطلاق القذائف على الأممالمتحدة لم يعد هو الأمر الذي تحتاجه أميركا في هذه الأيام، حيث انهار ذلك التحالف بين دول العالم الثالث والاتحاد السوفييتي الذي ظل يهيمن على المنظمة طوال حقبتي السبعينيات والثمانينيات. أما دول أوروبا الشرقية فقد أصبحت تسودها الأنظمة الديمقراطية المؤيدة لأميركا، بينما اتجهت حكومات دول العالم الثالث بكليتها نحو نظام الاقتصاد الرأسمالي، بعد أن كانت توجه له أقذع الانتقادات والشتائم. ووفقا لمنظمة \"فريدوم هاوس\" المعنية بحقوق الإنسان، فإن عدد الدول التي تعتبر \"حرة\" ارتفع إلى أكثر من ضعفه منذ عام 1974 أي من 41 إلى 89 دولة. وكذلك فإن الولاياتالمتحدة الأميركية على الرغم من عدم رضائها عن أداء الأممالمتحدة إلا أن نفوذها داخل المنظمة قد تعاظم بشكل غير مسبوق. ففي عام 1996 تمكنت الولاياتالمتحدة بمفردها تقريبا من الإطاحة بالأمين العام للمنظمة \"بطرس بطرس غالي\" بينما أصبح خليفته \"كوفي عنان\" يفعل ما بوسعه من أجل أن يتجنب نفس المصير. \r\n \r\n إن التحديات الماثلة أمام أميركا في منظمة الأممالمتحدة باتت تتمثل في كيفية تشكيل أغلبية أيديولوجية جديدة وتسخيرها من أجل بذل جهود بناءة لمكافحة الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية ومحاربة الفقر ووباء الإيدز، ولكن بولتون -الذي تخصص في حشد الحلفاء الديمقراطيين لأميركا- ربما يعتبر الشخصية غير المناسبة للقيام بهذه المهمة، وباختياره فإن إدارة بوش تبعث بإحدى رسالتين: إما أنها تعتقد أن أميركا ما زالت معزولة عن العالم، أو الأسوأ من ذلك أنها تريد لأميركا هذه العزلة!. \r\n \r\n \r\n بيتر بينارت \r\n \r\n أستاذ زائر في مؤسسة \"بروكينجز\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n