أما بقية هذه الإدارة فقد أخذت تنظر إلى هذه القضية بيقين تام بأن كوريا الشمالية مصممة على المضي في التسلح‚ وانها لا تفكر في عقد صفقات‚ وان ذلك على حسب اعتقادهم سيدفع بسيئول وطوكيو الى الهرولة باتجاه الحضن الأميركي‚ أكثر من ذلك تصر هذه الإدارة على أن المحادثات السداسية ستؤدي إلى زيادة عزل كوريا الشمالية‚ وان ضغوط الصين والدول الأخرى ستؤدي إلى إضعاف موقفها وتبعيتها للآخرين‚ وفي اطار الحل التفاوضي الذي بدأ ينظر إليه اليابانيون والكوريون الجنوبيون على أنه أمر ممكن‚ مطلوب في منطقة شمال شرق آسيا نجد ان افتقار الادارة الأميركية إلى الحنكة السياسية في تعاملها مع كوريا الشمالية يهدد بحل عقد حلفاء الولاياتالمتحدة في شمال شرق آسيا وتعزيز النفوذ الصيني في المنطقة‚ وفي هذا الاطار قابلت الولاياتالمتحدة رفض كوريا الجنوبية لزيادة ضغوطها على كوريا الشمالية بنوع من الاستنكار متهمة قدامى المنشقين ذوي الميول اليسارية في حكومة دو مو هايون بتمرير هذا التوجه من غير ان تضع أي اعتبارات لتنامي موجة الشك بين الكوريين الجنوبيين بأن موقف واشنطن يعوق مساعي الصلح بين الدولتين‚ ولقد أشاد مسؤولو الادارة الأميركية برغبة اليابان في تكثيف ضغوطها على كوريا الشمالية واتخاذها لخطوات أخرى تعزز علاقتها مع الولاياتالمتحدة ولاقتناعهم بهيمنة المسؤولين اليابانيين الموالين لأميركا على السلطة في اليابان بدأوا يتحدثون حول تحويل اليابان إلى «بريطانيا الشرق الأوسط»‚ \r\n \r\n المجموعة الرابعة يمثلها الديغوليون اليابانيون الذين يشككون في مصداقية الولاياتالمتحدة وحكمها على الأحداث وفي نفس الوقت يستغلون رغبتها في تعزيز ودعم القدرات اليابانية للعب دور سياسي وعسكري فعال ومؤثر في المنطقة وعلى عكس هذه المجموعة نجد أنصار المدرسة الفكرية الخامسة الذين يمكن ان نطلق عليهم «الوطنيون الجدد» الذين يرغبون في ان تقوم اليابان بتأمين نفسها بنفسها وألا تعتمد في أمنها على أميركا او اي دولة أخرى وألا تلزم نفسها بأي تحالف مع الولاياتالمتحدة‚ وبرغم ان رئيس الوزراء المتأمرك كويزومي الذي ما أن اطلق بوش نداء إلا وكان أول المجيبين‚ وقد ورط اليابان في حرب العراق وأزال الشكوك التي أثيرت حول نظام الدفاع الصاروخي وتمكن من زيادة التكامل بين القوات اليابانية والأميركية الى درجة كادت تصل الى مرحلة الدمج‚ إلا انه يدرك جيدا خطورة هذا الارتباط الياباني - الأميركي‚ ويبدو ذلك واضحا في لقائه الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ إيل في غضون ثلاثة أعوام وسعيه المستميت لاثناء واشنطن عن اي مواجهة مع بيونغ يانغ وبكين قد تؤدي الى اسقاط حكومته‚ وفي أي وقت يفشل كويزومي في حفظ هذه التوازنات فان المستفيدين من السياسة الأميركية تجاه كوريا الشمالية لن يكونوا من أنصار أميركا الذين يربطون المصير الياباني بأميركا وانما سيكونون من انصار «آسيا أولا»‚ الديغوليين والوطنيين الجدد الراغبين في تخفيف الروابط اليابانية الأميركية‚ ولا يزال المتشددون الأميركيون الذين يفضلون الدخول في حرب مع الصين على التفاوض مع كوريا الشمالية يحلمون بأن تنصاع بيونغ يانغ الى المطالب الأميركية بفعل الضغوط الصينية‚ لكن ألم يسأل هؤلاء انفسهم لماذا لم تقم الصين بقطع امداداتها الغذائية والنفطية عن بيونغ يانغ وتعريض نظامها للخطر؟ ببساطة‚ لأن الصين هي المستفيد الرئيسي من رفض الإدارة الأميركية للتفاوض مع كوريا الشمالية‚ ومن المفارقات ان تصبح رغبة الصين في الضغط على بيونغ يانغ خير مؤشر على احتمال مواجهة أميركا مع الصين في وقت بدأت فيه هذه الإدارة في تبرير تحسن علاقاتها مع الصين‚ بحاجتها الى مساعدة الأخيرة في التعامل مع المسألة الكورية‚ وقد لا تدري الإدارة الأميركية بأنها قد وضعت الصين في الموقع الذي يعزز نفوذها ويساعدها على الهيمنة على هذه المنطقة من خلال اللعب الذكي مع الآخرين ليس للضغط على بيونغ يانغ‚ وإنما للوصول إلى صفقة مع أميركا‚ \r\n \r\n بعيدا عن عزل كوريا الشمالية فإن الولاياتالمتحدة قد أصبحت فعلا «الرجل الغريب» الذي يجب أن يقذف به بعيدا‚ وإن كان لهذه اللعبة المضللة اسم فيجب أن يكون «انسحاب الصقر»‚ \r\n