\r\n \r\n لطالما تبنت السياسة الخارجية الأميركية معايير مزدوجة تجاه الشرق الأوسط: معيار لإسرائيل وآخر للعرب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الولاياتالمتحدة أنجزت تغيير النظام في بغداد خلال ثلاثة أسابيع فقط، لكنها فشلت في تفكيك ولو مستوطنة يهودية واحدة في الأراضي المحتلة خلال 38 عاماً. \r\n \r\n البندان الرئيسيان على الأجندة الأميركية الحالية للمنطقة هما الديمقراطية للعرب وتسوية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن أميركا تصر على الديمقراطية فقط لخصومها العرب وليس لأصدقائها. أما بالنسبة لعملية السلام، فهي في جوهرها عبارة عن آلية تحاول من خلالها إسرائيل وأميركا فرض حل على الفلسطينيين وبطبيعة الحال فإن النفاق الأميركي ليس بالأمر الجديد، لكنه بتصريحات الدكتورة رايس تجاوز كل حدود الوقاحة والغطرسة. \r\n \r\n في المقابل فإن ارييل شارون منسجم مع ذاته إلى حد كبير، فلقد كان دائماً منخرطاً في أعمال التدمير لا البناء. وعندما كان وزيراً للدفاع في 1982، فضّل تدمير مستوطنة ياميت في سيناء على أن يسلمها لمصر كمكافأة لتوقيعها على معاهدة سلام مع إسرائيل. ولقد وصف الرئيس بوش ذات مرة صديقه شارون بأنه «رجل سلام» والحقيقة هي أن شارون سفاح وحشي ومغتصب أراض. \r\n \r\n وشارون أيضاً سياسي أحادي بامتياز. فخطة خارطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية (الولاياتالمتحدة، الأممالمتحدة، الاتحاد الأوروبي وروسيا) في أعقاب حرب العراق رسمت ملامح ثلاث مراحل تقود إلى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل بحلول نهاية 2005، لكن شارون دمر خارطة الطريق، من خلال استمراره في توسيع المستوطنات اليهودية على أراضي الضفة الغربية وبناء جدار غير شرعي يشق طريقه في عمق الأراضي الفلسطينية. \r\n \r\n وقدم شارون خطته لفك الارتباط عن غزة باعتبارها إسهاماً في خارطة الطريق، لكنها في الواقع على النقيض تماماً من ذلك. فخارطة الطريق تدعو لإجراء مفاوضات بين الجانبين تؤدي إلى حل يقوم على قيام دولتين متجاورتين، وشارون يرفض التفاوض ويتصرف بصورة أحادية لإعادة رسم حدود إسرائيل الكبرى. وكما قال أنصاره اليمينيون: «خطتي صعبة جداً على الفلسطينيين، لا بل إنها ضربة قاضية، فلن يكون هناك أي دولة فلسطينية في تحرك أحادي». \r\n \r\n إن الهدف الحقيقي من هذه الحركة هو إخراج خارطة الطريق عن مسارها والقضاء على عملية السلام المصابة بغيبوبة، وبالنسبة لشارون، فإن الانسحاب من غزة هو مقدمة منطقية ليس للتسوية الدائمة، بل لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية إلى إسرائيل.لقد قرر شارون تقليص خسائره في غزة عندما أدرك أن تكلفة الاحتلال باتت كبيرة لدرجة إنه لم يعد بالإمكان تحملها على المدى الطويل، فغزة تأوي 8000 مستوطن و3,1 مليون فلسطيني. \r\n \r\n والمستوطنون يسيطرون على 25 بالمئة من الأراضي، 40 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة ومعظم موارد المياه. وهذا مشروع كولونيالي ميؤوس منه، يرافقه أحد أكثر أشكال الاحتلال وحشية وأطولها زمناً في العصر الحديث.ولقد بارك بوش علناً خطة شارون للانسحاب من غزة والاحتفاظ بأربع كتل استيطانية رئيسية في الضفة الغربية بدون استشارة الرباعية، مخالفاً بذلك الموقف الأميركي العلني الثابت منذ 1967 والذي يعتبر المستوطنات عقبة في طريق السلام. \r\n \r\n والسنة الماضية اقترح شارون تسليم الأصول الإسرائيلية المتبقية في غزة إلى منظمة دولية. والآن يقترح تدمير المنازل والمزارع، والسبب في تغيير الخطة هو المخاوف الإسرائيلية من أن تنسب حماس لنفسها الفضل في الانسحاب الإسرائيلي وقيامها برفع أعلامها على المباني بعد إخلائها من المستوطنين، وهذا أمر محتوم لأن حماس وليست السلطة الفلسطينية هي محررة غزة وأيضاً لأن إسرائيل ترفض تنسيق خطواتها مع السلطة الفلسطينية، ويخشى الإسرائيليون أيضاً من ان حماس التي تحظى بدعم 35 إلى 40 بالمئة من الفلسطينيين ستبرز كمنافس انتخابي خطير لحركة فتح التي يقودها محمود عباس. \r\n \r\n هذه هي المشكلة المميزة لكوندوليزا رايس، فإذا كانت جادة بشأن نشر الديمقراطية في العالم العربي، عليها ان تقبل بنتيجة الانتخابات الحرة التي لو أجريت بالفعل ستثمر في معظم أجزاء الوطن العربي حكومات إسلامية مناهضة للولايات المتحدة.ساهمت إسرائيل أكثر من أي بلد آخر في هذا الوضع المؤسف، والدكتورة رايس واليمين الأميركي يعتبران إسرائيل مصدر قوة استراتيجي في الحرب على الإرهاب، وفي الحقيقة ان إسرائيل هي أكبر نقطة ضعف لأميركا، وبالنسبة لمعظم العرب والمسلمين فإن القضية الحقيقية في الشرق الأوسط ليست العراق أو إيران أو الديمقراطية، بل القمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني والدعم الأميركي الأعمى لإسرائيل. \r\n \r\n إن السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط هي سياسة قصيرة النظر ومشوشة ومغلوطة ولا يمكن جلب السلام الدائم والاستقرار إلى المنطقة إلا من خلال تسوية يتم التوصل إليها عن طريق التفاوض. وأميركا هي الجهة الوحيدة التي تمتلك القوة لدفع إسرائيل إلى مثل هذه التسوية. لقد حان الوقت لكي تتبنى الولاياتالمتحدة موقفاً صارماً مع إسرائيل، باعتبارها الطرف المتعنت والعقبة الأساسية في طريق السلام. والتواطؤ مع خطة شارون الأنانية الهمجية لهدم منازل المستوطنين في غزة بعد الانسحاب ليس خطوة تاريخية على الطريق إلى السلام. \r\n \r\n