وقبل أيام قليلة فقط، استجوب الكونغرس مسؤولي الإدارة الأميركية بقسوة في شأن تكاليف الحرب، وعلت من جديد أصوات تطالب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بالاستقالة. وفي هذه الأثناء «طمأن» الرئيس بوش رئيس الوزراء العراقي الزائر بأن الإدارة الأميركية لا تخطط لوضع جدول زمني للانسحاب من العراق أو لتقليص الدعم الأميركي. \r\n \r\n \r\n يترقب أتباع «القاعدة» والبعثيون السابقون انسحاباً أميركياً وشيكاً، على غرار التقهقر الأميركي من لبنان عام 1984والخروج السريع من الصومال عام 1993، بعد المشاهد الفظيعة لجرّ جثث جنود أميركيين في شوارع مقديشو. \r\n \r\n \r\n وكلا هذين الانسحابين، اللذين أصبحا عنوانين بارزين في الأدبيات الدعائية ل«القاعدة»، ساهما في التصور السابق لأحداث 11 سبتمبر القائل إن الولاياتالمتحدة لا تمتلك قدرة الاحتمال الكافية لهزيمة الإرهابيين. \r\n \r\n \r\n ولذلك فلقد أعاد الإرهابيون البارعون في لعبة الإعلام إلى توجيه هجماتهم مجدداً ضد الجنود الأميركيين. حيث نسفوا، أخيراً، عربة مدرعة كانت تقلّ مجندات من مشاة البحرية في طريق عودتهن من نقطة تفتيش، حيث كن يقمن بدور تجاه النساء العراقيات أثناء تفتيشهن على الحواجز العسكرية الأميركية. \r\n \r\n \r\n وكانت ردة الفعل على ذلك في الولاياتالمتحدة استحضار صورة شبح فيتنام مجدداً. ونظراً لهذا الاتجاه الحالي العام في المقارنة بين الحربين، فلابد لنا من إعادة التمحيص في أهوال فيتنام، خاصة في السنوات الأخيرة من الحرب. \r\n \r\n \r\n بحلول عام 1973، تم كما هو مفترض تحقيق هدف صياغة كيان غير شيوعي شبيه بكوريا الجنوبية في الصين الهندية (جزء من جنوب شرق آسيا يتألف من تايلاند، بورما، فيتنام، كمبوديا، لاوس وشبه جزيرة الملايو، وانتهت الحرب، واعترفت اتفاقيات السلام المبرمة في باريس بدولتين فيتناميتين، وتمت إعادة جميع الأسرى الأميركيين تقريباً، وعاد أيضاً آخر بضعة جنود أميركيين كانوا هناك إلى أميركا. \r\n \r\n \r\n وإذا كانت فيتنام الشمالية الشيوعية وأنصارها السوفييت والصينيون قد رأوا في اتفاقية 1973 متنفساً واستراحة لهم، وليس سلاماً حقيقياً، فإن المسؤولين الأميركيين على الأقل وعدوا فيتنام الجنوبية بدعم مادي وغطاء جوي في حال تعرضها لغزو جديد من الشيوعيين. وهذا بالضبط ما فعله الشيوعيون في ربيع 1975 حين انطلقوا بسرعة البرق على طريق «هاي واي 1» بدباباتهم السوفييتية التقليدية. \r\n \r\n \r\n وفيما يبدو فإن الأميركيين لم يريدوا الالتزام لربع قرن آخر في منطقة ثانية منزوعة السلاح لدرء التهديد الشيوعي المستديم من الشمال. ومع حلول 1974، كانت سلسلة من القوانين في الكونغرس قد أدت إلى تقليص كبير لتمويل الدعم العسكري الأميركي للفيتناميين الجنوبيين، وانهارت حكومة سايغون بصورة مفاجئة في ابريل 1975. \r\n \r\n \r\n فرّ أكثر من مليون لاجيء من الجنوب، وقضى عشرات الألوف من الذين هربوا بالزوارق نحبهم غرقاً أو جوعاً. وانتهى مصير مليون شخص آخر بالقتل أو السجن أو الإرسال إلى معسكرات إعادة التأهيل وأعقبت ذلك المذابح الكمبودية. لقد شجع ظهور أميركا بمظهر الضعف الشيوعيين على خوض مغامراتهم في أنحاء العالم في أفغانستان إلى أميركا الوسطى. \r\n \r\n \r\n وفي الشرق الأوسط لم يظن أحد أن هناك تبعات لاحتجاز رهائن أميركيين أو قتل جنود أو دبلوماسيين أميركيين. ولم يكن الكثيرون في المنطقة يخشون من «العملاق العاجز المثير للشفقة» (بحسب تعبير نيكسون). \r\n \r\n \r\n وهذه كلها دروس لأميركا، فعندما بقيت الولاياتالمتحدة ثابتة بعد محاربة الأعداء الدكتاتوريين، مع إنها اضطرت للبقاء لعقود في إيطاليا، ألمانيا، اليابان، كوريا والبلقان، نتج عن ذلك تقدم باتجاه الديمقراطية والازدهار. \r\n \r\n \r\n وفي المقابل فإن فك الارتباط والابتعاد عن المشكلات العصيبة التي لم تتم تسويتها، سواء عند الخروج من أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى أو من فيتنام في 1973، بيروت بعد تفجير ثكنات المارينز، أفغانستان بعد هزيمة السوفييت، أو العراق في 1991، لم ينتج عن ذلك شيء سوى الفوضى الإجرامية أو «سلام» الأنظمة الدكتاتورية المتسلطة. \r\n \r\n \r\n وفي حين اننا نتألم حيال الأميركيين الذين قتلوا في الحرب الأهلية الأميركية والحربين العالميتين الاولى والثانية، فاننا نجد عزاءنا في الحقيقة القائلة ان تلك التضحيات أنهت العبودية في أميركا، وأعادت احياء الاتحاد. وأولئك الذين يستحضرون شبح فيتنام الآن عليهم ان يمعنوا التفكير في مجمل الدروس المستفادة من تلك المأساة . \r\n \r\n \r\n ونسمع في كل يوم قصصاً عن كيفية انزلاقنا بحماقة إلى ذلك المستنقع لكننا نادراً ما نسمع عن الدروس المستفادة من طريقة انسحابنا من هناك. وهذه الحرب الحالية ليست فقط حرب المثلث السني، وانما هي أيضا حرب ما اذا كان الاصلاحيون في العالم العربي سيخطون إلى الإمام على خطى عراق ديمقراطي «يصمد امام هجمات الارهابيين المضادة. \r\n \r\n \r\n وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، دأبت الأنظمة الاوتوقراطية في الشرق الأوسط اما على مهاجمة جيرانها أو على التوصل إلى تفاهمات مع المتشددين لإلقاء اللوم في دولهم الفاشلة على الولاياتالمتحدة. وذلك المرض العميق حمل جذور هجمات 11 سبتمبر واذا لم يتم ايقافه الآن فسوف ينتج عنه هجمات كثيرة اخرى في الولاياتالمتحدة ذاتها. \r\n \r\n \r\n خدمة «لوس انجلوس تايمز» \r\n \r\n \r\n خاص ل «البيان» \r\n \r\n