ولكن في أوائل هذا الشهر نجد أن مجلس الشعب الصيني صادق على قانون يجيز استخدام \"وسائل غير سلمية\" من أجل منع أي خطوات تفضي إلى استقلال تايوان. وهو أمر لا يعني سوى الحرب وحشد القوة العسكرية الصينية ضد تايوان. أما بالنسبة لحقوق الإنسان فإن تقديرات منظمة العفو الدولية تشير إلى أن \"عشرات الآلاف من المواطنين ما زال يتم احتجازهم أو سجنهم في انتهاك واضح لحقوق حرية التعبير أو التجمع وهم يواجهون احتمال التعرض لأقسى صنوف التعذيب\". وعلى الرغم من إطلاق سراح أحد السجناء السياسيين المعروفين إلا أن سجل حقوق الإنسان في الصين لم يشهد إلا القليل من التحسن منذ وقوع مذبحة \"تيانانمين\" في عام 1989 وهي الحادثة التي أدت إلى فرض هذا الحظر. \r\n \r\n ومن الطبيعي أيضاً أن يساورنا غضب عارم بشأن الانتهاكات التي جرت في سجون \"جوانتانامو\" أو \"أبوغريب\" نظراً لأن الولاياتالمتحدة الأميركية ظلت تدعي أنها تحمل لواء الحرية في العالم. ولكن دعنا ننظر للمسألة بشيء من النسبية، فقد طفق المسؤولون الأوروبيون يرددون بأن هذه التصرفات إنما بدرت من دولة ديكتاتورية شيوعية، وهي دولة كبرى تتمتع بتاريخ وثقافة تختلف بالكامل عن تاريخنا وثقافتنا بالإضافة إلى أنها انهمكت مؤخراً في عملية للإصلاح والتحديث. لذا فقد بات يتوجب علينا تشجيع هذا التغيير الإيجابي عبر الحوار والدخول في تعاملات تجارية بناءة تماماً كما فعلنا مع الاتحاد السوفييتي السابق. أي أن الطريقة الأوروبية تنتهج مبدأ التغيير عبر السعي نحو الانفراج في العلاقات الدولية الموترة. \r\n \r\n وهو أمر لا غبار عليه سوى أن نفس هؤلاء المسؤولين ظلوا يدعون بأن مسألة رفع هذا الحظر لا تعدو أن تكون مسألة \"رمزية\". ولكن الغريب أنهم الآن يعتزمون بيع الأسلحة للصين مع عدم انتفاء الأسباب التي أدت إلى حظر بيع هذه الأسلحة في الأساس، وهو الأمر الذي ينطوي على نوع من الخداع والدجل. إن ما حدث بالضبط هو أن الصين قد تضررت بتلك العقوبات من الناحية المعنوية والسياسية وذلك لأنها وضعت الصين في قائمة الدول الصغيرة المارقة مع دول مثل زيمبابوي وماينمار وأدت كذلك إلى حرمان النظام من استيراد الأسلحة والتكنولوجيا. وكان وزير الخارجية الصيني في خريف عام 2003 كتب يقول عن علاقات الصين مع الاتحاد الأوروبي: \"لقد بات يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يرفع الحظر عن مبيعات الأسلحة للصين في أقرب فرصة ممكنة من أجل إزالة الحواجز عن تعاون ثنائي أكبر في مجالات الصناعة والتكنولوجيا\". وسارع الرئيس الفرنسي جاك شيراك لالتقاط القفاز وأخذ يشجع الاتحاد الأوروبي بضرورة الاستجابة. ما يعني دعمه للموقف الرسمي الصيني تجاه تايوان وفشله الذريع في انتقاد سجل بكين السيئ في مجال حقوق الإنسان. وتمت مكافأة هذا الخنوع الفرنسي عبر إبرام بعض الصفقات التجارية بالإضافة إلى إشادة الصين برؤية شيراك التي تدعو إلى عالم متعدد الأقطاب يعيد التوازن مع القوة الأميركية. \r\n \r\n ويبدو أن الدافع الرئيسي الذي يقف خلف رفع حظر الأسلحة عن الصين ليس سياسياً. فقد ذكر أحد كبار المسؤولين الأوروبيين أنه دافع \"تجاري بحت\". ففي ظل تراجع النمو وارتفاع معدلات البطالة ظلت كل من فرنسا وألمانيا لا تألو جهداً في تأمين المزيد من عقود الصادرات مع أكبر اقتصاد ناشئ في العالم. وغداة رحلته إلى بكين وصف المستشار الألماني \"جيرهارد شرويدر\" هذه السياسة بأنها تعكس \"التوجه الوطني الحقيقي\" وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الوظائف للألمان باتت تكتسب الأولوية على حساب حقوق الإنسان في الصين. بل إن الاتحاد الأوروبي أصبح في العام الماضي أكبر شريك تجاري للصين بهدف الحصول على المزيد من العقود التجارية المدنية وبخاصة مع اقتراب موعد استضافة بكين للألعاب الأولمبية في عام 2008. ولكن أوروبا مضت في طريقها لبيع الأسلحة أيضاً إلى الصين. ففي عام 2003 وبرغم الحظر المفروض صادقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تراخيص تهدف لتصدير الأسلحة إلى الصين بنحو 500 مليون دولار. وقد أعلن وزير الدفاع الفرنسي صراحة عن هذه الخطوة مشيراً إلى أهمية تصدير التكنولوجيا العسكرية إلى الصين بدلاً من تركها تعمل على تطوير التكنولوجيا الخاصة بها. ولكن المشرعين الأميركان اعترتهم حالة من الغضب لما اعتبروه نوعاً من توجيه الصواريخ الفرنسية إلى السفن الأميركية في مضيق تايوان، وهددوا بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية. ولعل هذا التهديد الأميركي هو الذي أجبر الاتحاد الأوروبي على تأجيل قرار رفع الحظر عن الأسلحة. \r\n \r\n على أن ممارسة الخداع والتضليل لا تقتصر فيما يبدو على الأوروبيين، فالشركات الأميركية من جانبها ظلت تسعى بكل جهدها لشحن المزيد من الصادرات إلى الأسواق الصينية بدعم من واشنطن. ويذكر أن \"هنري كسينجر\" قبل ثلاثين عاماً من الآن كان قد لعب بورقة الصين ضد الاتحاد السوفييتي. ويبدو أن الصين تحاول اليوم اللعب بورقة أوروبا أمام الولاياتالمتحدة الأميركية. ولكن رد فعلنا كأوروبيين لا يجب أن ينصب على الوقوف إلى جانب الولاياتالمتحدة بل أن نعمل معاً عبر الحوار مع أنفسنا ومع الأميركان بشأن الخطوات الأساسية الخاصة بالتعامل مع هذا التنين الناشئ في الشرق. وفي مواجهة هذا التنين الذي يتمتع بشهية عالية لصادراتنا فإن هذه المعايير الأساسية يجب أن تتضمن الالتزام بالحلول السلمية للنزاعات والعمل تدريجياً على احترام وتحسين حقوق الإنسان. \r\n أوروبا تبيع نفسها في صفقة الأسلحة مع الصين! \r\n \r\n تيموثي جارتن آش \r\n \r\n أستاذ الدراسات الأوروبية في جامعة أكسفورد \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n