وشهد نشاط اليمين المتطرف، من «حزب الحرية» في النمسا مرورا ب«الجبهة الوطنية» في فرنسا، إلى الجمهوريين في ألمانيا، ازديادا خلال السنوات القليلة الماضية، اعتمادا على المشاعر المعادية للهجرة والخوف من الإسلام، وهي مخاوف تغذيها مخاطر الإرهاب وارتفاع معدل الجريمة وسط الشباب المسلم، والصدام الثقافي المتزايد مع الجاليات الإسلامية في القارة الأوروبية. إلا أن عودة اليمين المتطرف إلى الساحة كانت أكثر وضوحا في الجزء الذي يتحدث اللغة الألمانية في بلجيكا، حيث ارتفع عدد مؤيدي حزب «فلامس بيلانغ» اليميني من 10 في المائة من الناخبين عام 1999، إلى حوالي 25 في المائة حاليا. ويعتبر حزب «فلامس بيلانغ» حاليا الأقوى في منطقة فلاندرز، إذ يقدر عدد مؤيديه في منطقة آنتويرب وحدها بحوالي 33 في المائة. ويعتقد كثيرون أن رواج السياسة المعادية للمسلمين سيواصل انتشاره في وقت يزداد فيه عدد السكان المسلمين في القارة. يقول ماركو مارتينيلو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ليجي في الجزء الذي يتحدث اللغة الفرنسية في بلجيكا، إن القاسم المشترك بين مجموعات اليمين يتمثل في استغلال الهجرة والإسلام في تعبئة الناخبين الذين يشعرون بالإحباط. وأضاف قائلا إن كل المحاولات الرامية إلى وقف تقدم حزب «فلامس بيلانغ» لم تسفر عن نتائج إيجابية، ولا أحد يعرف ما ينبغي عمله في هذه الشأن. \r\n قوة الشعور بالمخاوف من الازدياد المستمر لحجم الجالية المسلمة دفع حتى أعضاء الجالية اليهودية في آنتويرب لتأييد حزب «فلامس بيلانغ» اليميني، على الرغم من أن بعض مؤسسيه من الذين تعاطفوا أو تعاونوا مع النازيين في الحرب العالمية الثانية. الكثير من هؤلاء المؤيدين من اليهود الذين يشعرون بالخطر من ظهور موجة جديدة من العداء للسامية بفعل الحجم المتزايد للجاليات المسلمة في أوروبا. ويظهر هذا الاحتكاك بوضوح وسط مدينة آنتويرب حيث يجاور الأحياء السكنية لليهود حي بورغرهاوت الجديد الذي تقطنه غالبية مسلمة. \r\n تتقاطع في هذه المنطقة الطرق التي يسلكها يوميا تجار الماس من اليهود والشباب المسلم من الذين بات الإسلام المحافظ يعتبر بالنسبة لهم آيدولوجية للتمرد ضد القمع المفترض. كما أن العنف الإسرائيلي الفلسطيني أفرز صدى خطيرا في هذه المنطقة، فقد أحرق متظاهرون معادون لإسرائيل دمى ليهود من طائفة الحاسيديين التي تقطن المنطقة، كما تعرض مراهق يهودي في يونيو (حزيران) الماضي لإصابة خطيرة بعد طعنه في هجوم شنته مجموعة من الشبان المسلمين. يقول المحامي هنري روزنبيرغ، وهو من اليهود الأرثوذوكس، إن قيم هؤلاء ليست هي القيم الصحيحة. وعلى الرغم من أن والد المحامي هنري روزنبيرغ من الذين نجوا من الهولوكوست، فيما قتل جده وجدته، فإنه شارك في حملة حزب «فلامس بيلانغ» اليمني في الانتخابات الإقليمية العام الماضي. وفيما يعمل اليمين تحت شعارات معادية للمسلمين، انخرط المسلمون الأوروبيون أنفسهم في السياسة. ويلاحظ أن الجالية المسلمة من الداخل تتسم بالتباين والانقسام، لذا فهي لا تمثل قوة سياسية موحدة، فغالبية السياسيين المسلمين يعملون ضمن أحزاب اشتراكية أو ذات توجه يساري، إلا أن المسلمين المتطرفين باتوا يشاركون أيضا، ويساعدون في تثبيت وتأكيد المخاوف التي تبقي على أحزاب مثل «فلامس بيلانغ» اليميني موجودة في الساحة. يعتبر جون فرانسوا باستين، 61 سنة، وهو بلجيكي اعتنق الإسلام، أن أسامة بن لادن «روبين هود المعاصر». ويصف الهجوم على مركز التجارة العالمي بأنه عمل رائع. وكان باستين يتحدث إلى عدد من المتحلقين حوله من أعضاء «حزب المسلمين الشباب»، الذي يعتبر واحدا من التنظيمات الجديدة التي تتبع أجندة إسلامية في أوروبا. ويخضع نجل باستين، الذي يبلغ 23 عاما، للحبس في تركيا بسبب تهم تتعلق بضلوعه في تفجيرات هناك أدت إلى مقتل 61 شخصا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2003. ويعتقد باستين أن مشاكل ابنه تعتبر دليلا على شعور الشباب المسلم بالإقصاء السياسي في أوروبا، ويرى أن المشاركة السياسية علاج للتشدد. \r\n يتابع باستين حديثه قائلا إن سبب الانحراف هو أن «الناس لا يجدون المكان الذي يناسبهم هنا»، في إشارة إلى بلجيكا. ويعتقد في نفس السياق بأن الحرمان من الصوت السياسي الذي يحدد ما مفيد للمسلمين من ناحية دينهم ومواطنتهم، فإن أطفالهم سيبحثون عن المغامرات في أماكن أخرى. وينفي باستين، الذي اعتنق الإسلام عام 1972 في المغرب، مخاوف اليمين المتطرف من أسلمة أوروبا، رغم انه يحلم بأن تحكم في أوروبا دولة إسلامية يوما ما. وقال إنهم الآن لا يتحدثون عن الشريعة وإنما يتحدثون حول الاعتراف بمسلمي بلجيكا على قدم المساواة مع المعتقدات والآيدولوجيات الأخرى. ويرى محللون أن أصوات الإسلاميين المتشددين، رغم محدودية عددهم، هي الطاغية على المسلمين المعتدلين الذين يشكلون غالبية. \r\n يقول مارتينيلو أن من البلجيكيين من بات يشعر بأنه معاداة الإسلام والمسلمين أمر وقانوني في المناخ الحالي، وأشار في هذا السياق إلى قضية رجل بلجيكي تلقى تهديدات بالقتل بسبب تعيينه امرأة مسلمة تضع غطاء على رأسها. \r\n وينظر الكثير من مؤيدي اليمين المتطرف إلى الوجود المتزايد للإسلام في أوروبا كآخر وأقوى زيادة في المد الإسلامي منذ انتشار الإسلام في القارة في القرن الثامن الميلادي. ويحذر مؤيدو اليمين المتطرف من أن التساهل في سياسات الهجرة والتوجهات الديموغرافية والأجندة الاسلامية ستغير القارة الأوروبية إلى الأبد. ويقدر عدد المسلمين في القارة الأوروبية الآن بحوالي 20 مليون نسمة، إذ تحدروا أصلا من العمال الذين استقدموا من شمال أفريقيا وتركيا لسد النقص في الأيدي العاملة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبنهاية عقد التسعينات أسفرت الضائقة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة عن توتر بين المهاجرين المسلمين والمجتمعات الموجودة حولهم. كما أن سياسات لم الشمل، التي تمنح السلطات بموجبها تأشيرات دخول إلى أفراد أسر المهاجرين زادت من موجات الهجرة المتواصلة حتى الآن. \r\n ويصف ديوينتر سمة التعايش في أوروبا ب«كعب اخيل»، ووصف الهجرة ايضا بأنها «حصان طروادة الإسلام». ويبدو أن الواقع أكثر إحباطا لليمين المتطرف خصوصا عند النظر في نسبة المواليد المتدنية في الدول الأوروبية واحتمال اللجوء إلى استقدام عمالة مهاجرة خلال العقود المقبلة للمساهمة في العائدات الضريبية لمجتمعات القارة المتأثرة سلبا بتدني معدل المواليد. ويقول ديوينتر، إن عددا يتراوح بين 4 و5 آلاف من السكان يغادرون آنتويرب سنويا، وإن عددا يتراوح بين 5 و6 آلاف مهاجر غير أوروبي يصلون سنويا للإقامة بالمدينة، ويتوقع أن يصل عدد غير الأوروبيين إلى مدينة آنتويرب إلى ثلث عدد السكان خلال فترة عشر سنوات. واختتم حديثه قائلا: «إن أعدادهم في زيادة مستمرة. ربما ستكون هذه نهاية أوروبا». \r\n * خدمة «نيويورك تايمز»