وبناء على هذا التصور, فان المراقبين يتوقعون ان تنتهي سوريا الى الموافقة على سحب كامل قواتها من لبنان. لكنها سوف تنسحب اولاً الى سهل البقاع وتحاول ان تتفاوض على الانسحاب النهائي. ذلك لان سوريا قلقة جداً من النتائج التي يمكن ان يتركها الانسحاب على سلامة اراضيها وعلى ضوء الطبيعة الجغرافية للحدود السورية, فان اهم ما تفكر به سوريا في الوقت الحاضر هو التوصل الى اتفاق يسمح لها باقامة محطات للانذار المبكر مقابل قيامها بسحب كامل قواتها الى داخل الاراضي السورية. \r\n \r\n وكان موضوع محطات الانذار المبكر واحدة من العقبات التي ارتطمت بها مفاوضات السلام السورية الاسرائيلية خلال سنوات التسعينات. فقد طالبت اسرائيل بالمحافظة على محطات الانذار المبكر التي اقامتها في هضبة الجولان في حال انسحابها من الهضبة. \r\n \r\n لكن سوريا لم توافق على الطلب في حينه. والان تحاول سوريا ان تعيد الحياة الى هذا الموقف لتستخدمه كحجة مقابلة ضد الولاياتالامريكية. فسوريا سوف تطالب باقامة محطات انذار مبكر في سهل البقاع. وفي حال اعتراض الولاياتالمتحدة على ذلك, وهو امر متوقع, فان السوريين سيطرحون الامر كما لو كان مقايضة: محطة انذار مبكر للسوريين في سهل البقاع مقابل محطة انذار مبكر للاسرائيليين في الجولان. \r\n \r\n العقبة الآنية التي تواجه المطلب السوري في الوقت الحاضر هي عدم وجود حكومة لبنانية قوية وحقيقية تمتلك من الشرعية والصلاحيات ما يؤهلها للنظر في مثل هذا الطلب وتحمل نتائجه اللاحقة. فالحكومة اللبنانية استقالت والحكومة القادمة ستكون نوعاً من الحكومة المؤقتة المكلفة اساساً باجراء الانتخابات النيابية القادمة في شهر ايار. واذا كان للحكومة الجديدة ان تتبع خطى الحكومة السابقة وان تسير على نهجها في موالاة السوريين بانها ستجد صعوبة كبرى في رد طلب كهذا يأتي من دمشق. وفي جميع الحالات فان اية حكومة لبنانية قادمة تستشعر الخطر المتمثل في هشاشة دفاعاتها بعد الانسحاب السوري لا تستطيع ان تقف موقف مَنْ يمنع سوريا من لعب دورها في مواجهة اسرائيل. وفي الوقت الذي يبدو فيه الرئيس السوري بشار الاسد حريصاً على المحافظة على علاقة طيبة مع لبنان حتى بعد الانسحاب, فان قوى لبنانية كثيرة ومؤثرة تدرك اهمية المحافظة على علاقة مماثلة مع سوريا. وفي خطابه الاخير, اكد حسن نصر الله, الامين العام لحزب الله ذو القاعدة الشعبية الواسعة في لبنان, على ضرورة احتفاظ سوريا بدورها في مقاومة اسرائيل. \r\n \r\n ليس بوسع احد ان يتكهن بالنوايا القادمة لاسرائيل ورغم عدم وجود ما يشير الى عزم اسرائيل على العودة الى لبنان في الوقت الحاضر, فان الاحتمال يظل قائماً في حسابات دمشق. واذا كان السوريون يخشون وقوع مثل هذا الامر, فانهم يخشون ايضاً احتمالاً اقرب الى التحقيق وهو قيام لبنان بتوقيع اتفاقية سلام مع اسرائيل. وفي تصريح اطلقه مؤخراً, قال شالوم موفاز, وزير الدفاع الاسرائيلي, انه يرجو ان تقود الاحداث التي يشهدها لبنان حالياً الى التوصل الى اتفاقية سلام مع اسرائيل. \r\n \r\n من جانب اخر, تشتد حدة الشعور بالعزلة داخل سوريا. فدمشق لم تجد الكثير من الدعم العربي اثناء محنتها الاخيرة في لبنان. وكأسلوب لمواجهة هذه العزلة, تصر سوريا على توسيع ابعاد مأزقها في لبنان وتصويره على انه جزء من مؤامرة امريكية - اسرائيلية تنفذها جهات لبنانية مستفيدة من اضعاف سوريا. وقد وصف الرئيس الاسد اركان المعارضة اللبنانية بأنهم تجار سياسة. وفي تركيزه على اشراك امريكا واسرائيل في التحرك ضد سوريا, فان الرئيس السوري يسعى الى تحويل المواجهة السورية - اللبنانية الى مواجهة عربية - امريكية - اسرائيلية طمعاً في ان يتمكن بذلك من الحصول على الدعم العربي لموقفه. \r\n \r\n على الصعيد الداخلي, يتوجس رجل الشارع السوري الشر من كمية الضغوط الاقليمية والدولية المركزة على سوريا وبدلاً من الشعور بالخسارة او الاسف, فان الشارع السوري تنفس الصعداء عند سماع قرار الانسحاب من لبنان على امل ان يؤدي هذا القرار الى تخفيف الضغط الدولي على سوريا. فالناس في سوريا يخشون ان يؤدي التحرك الامريكي - الاوروبي المضاد الى اخضاع بلادهم للعقوبات الاقتصادية او ربما لهجوم عسكري من نوع ما. \r\n \r\n واذ لا يرى العالم من المواجهة السورية - اللبنانية الحالية الا واجهتها المحصورة بالمطالبة برحيل القوات السورية من لبنان, فان القضية بالنسبة للسوريين تقترن بابعاد تاريخية وقومية ما برحت تلقي بظلالها على طبيعة العلاقة القائمة بين البلدين. \r\n \r\n فسوريا تعتبر نفسها الوطن الام الذي لا يشكل لبنان الا جزء منه. والسوريون يعتبرون لبنان جزءاً سليباً من اراضيهم تآمرت فرنسا على انتزاعه منهم بعد الحرب العالمية الاولى, وكانت جميع الاحزاب السياسية السورية انذاك قد عارضت خط الحدود الذي رسمته فرنسا. وقد جاءت الازمة الراهنة لتقلب المواجع السورية القديمة. فمن جهة ها هو لبنان يسلب منها من جديد ومن خلال ما تراه مؤامرة دولية مدبرة ضدها ومن جهة اخرى, عادت فرنسا لتكرر الدور الذي لعبته في مطلع القرن الماضي ولتصبح طرفاً رئيسياً في انتزاع لبنان من حضن سوريا. \r\n \r\n ان سوريا, حكومة وشعباً, تحاول الان التأقلم مع الواقع الجديد. لكن الرئيس السوري الذي يريد المحافظة على علاقة طيبة مع لبنان, لا يريد, في الوقت الوقت نفسه الخروج من لبنان خالي الوفاض. فهل ستجد سوريا في نقاط الانذار المبكر في سهل البقاع كفايتها, وهل ستحصل على هذا المطلب من الحكومة اللبنانية القادمة, وهل ستتمكن من استثمار هذا المكسب المتواضع وتحويله الى نقطة انطلاق جديدة لاستئناف التفاوض مع اسرائيل.0 \r\n \r\n عن مجلة »فون بوليسي« \r\n \r\n