وربما كان ذلك الحكم صحيحاً نوعاً ما. غير أنها ربما توصف أيضاً بأنها نقطة بداية ضرورية للمرحلة التالية من حركة الصحوة العربية، وهي المرحلة التي تتطلب إلحاق كل من \"حزب الله\" وحركة \"حماس\" وغيرهما من الحركات الإسلامية الأخرى، في الحركة السياسية الجديدة للمنطقة. وفي حين تبدي إدارة بوش ارتياحاً لنشاط الليبراليين اللبنانيين - معظمهم من المسيحيين والدروز- وتميل إلى قبول الواقع المحتمل لإقامة حكومة شيعية في العراق، فإنها لم تغير رأيها ولا نهجها السابق في التعامل مع الجماعات والحركات الإسلامية، التي تحظى بشعبية لا يستهان بها في المنطقة. فحتى وقت قريب على الأقل، واصلت واشنطن الضغط إلى جانب إسرائيل، على حلفائها الأوروبيين لإدراج \"حزب الله\"، في القائمة الدولية للمنظمات والجماعات \"الإرهابية\"، إضافة إلى تجفيف منابع وموارد تمويله. كما ساندت واشنطن المطالب الإسرائيلية الداعية إلى تفكيك حركة \"حماس\"، بدلاًً من الاكتفاء بتحييدها فحسب، وحثت السلطة الفلسطينية على تنفيذ هذا المطلب. إلى ذلك، فإن الدبلوماسيين الأميركيين، يأنفون حتى من مجرد الحديث إلى \"حركة الإخوان المسلمين\" في مصر، وهي الحركة الأم لكافة الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية في المنطقة. \r\n \r\n وكما أظهرت تجربة \"حزب الله\"، فإنه ليس متوقعاً لهذه الحركات الإسلامية المتشددة في عدائها ومناوأتها للغرب، أن تذوب أو تندثر، أمام مد السياسات الديمقراطية في المنطقة. ومثلما فعل السنيون في العراق، فهي يتوقع لها أيضاً أن تسعى للحيلولة دون أية مساع، للانتقال بالمنطقة من نظم الحكم الأوتوقراطي القائمة، إلى الديمقراطية ونظام حكمها القائم على التصويت وصناديق الاقتراع. وإن كان الحال كذلك، فإن علينا ألا ننسى أن كلا من \"حزب الله\" وحركة \"حماس\"، حركتان مسلحتان، ولهما مقاتلون شرسون لن تسهل هزيمتهم. لكن ومع ذلك، فإنه ليس مستبعداً أن تختار كلتا الحركتين وأشباههما، الانخراط في العملية السياسية السلمية، لا سيما وأن للحركات السلمية، شعبية كبيرة في كل من لبنان ومصر وفلسطين. وفي الدول الثلاث المذكورة، فإن لهذه الحركات، ما هو أكثر من مجرد الصواريخ والمقاتلين الانتحاريين. \r\n \r\n وهنا تكمن فرصة فريق إدارة بوش المؤيد لسياسة التحول الديمقراطي لمنطقة الشرق الأوسط. فإذا ما أمكن إقناع التيارات والحركات الإسلامية، بفكرة تحقيق أهدافها من خلال العملية السياسية السلمية، وفيما لو واصل \"حزب الله\"، ممارسة دوره ونفوذه عبر المواكب الشعبية في لبنان، بدلاً من إطلاق القنابل والصواريخ وتفجير السيارات المفخخة، فليس مستبعداً أن يتم فصل هذه الحركات عن ارتباطها بخلايا العنف والموت، بل وفك الرباط بينها وبين العناصر الأكثر تشدداً وتطرفاً من أجندتها، تدريجياً وعلى مدى عدة سنوات. هذا هو ما يسميه \"رويل مارك جيرشت\"، الخبير في شؤون العالم الإسلامي ب\"معهد أميركان إنتربرايز\" ب\"مكافحة البندلادنية من داخلها\". ووفقاً لهذه الاستراتيجية، فإنه في الإمكان تحويل الجماعات والحركات الإسلامية المتشددة، إلى حركات دينية وسطية معتدلة، عبر المشاركة النشطة والفاعلة في النظام السياسي الحر، ودعوتها إلى التنافس مع بقية القوى السياسية الأخرى، من أجل الحصول على التأييد السياسي الانتخابي. \r\n \r\n وعلى الرغم من صعوبة تحقق هذا الهدف، في الواقع العملي، إلا أنه ليس من قبيل الحلم المحض وعالم الخيال. ففي مصر مثلاً، أقسمت \"الجماعة الإسلامية\" - علماً بأنها حركة سابقة في تطرفها وتشددها لتنظيم القاعدة- وكذلك فعلت مثلها \"حركة الإخوان المسلمين\" في الأردن، وتعهدت كلتاهما بنبذ العنف. وفي الأردن كما في المغرب، سمح للأصوليين الإسلاميين بالمشاركة في المنافسات الانتخابية، شريطة التزامهم المسبق بالتقيد بحكم القانون. إلى ذلك صرح الدكتور سعد الدين إبراهيم - الناشط الديمقراطي المصري، الذي كان طرفاً في وساطة إبرام هذه الصفقة في الأردن إبان عهد الراحل الملك حسين- بأنه في الإمكان إبرام \"صفقات ديمقراطية\" مشابهة مع كل من \"حركة الإخوان المسلمين\" المصرية، وحركة \"حماس\"، يتم بموجبها فتح باب المنافسة السياسية على مصراعيه، أمام كلتا الحركتين، لقاء الالتزام التام من جانبهما، بنظم الحكم الدستوري السائدة في البلدين. \r\n \r\n ولكن السؤال الذي لا يزال قائماً هو: ولم تقبل الحركات الإسلامية المتطرفة، بمثل هذه الشروط أصلاًَ، وهي التي تتلقى تمويلاً وتسليحاً معتبرين، من بعض الأنظمة المعادية للديمقراطية، مثل سوريا وإيران؟ الإجابة هي، وكما أظهرت التجارب الأخيرة في كل من لبنان وفلسطين، فإن كلاً من \"حزب الله\" و\"حركة حماس\"، يتمتعان بدرجة عالية من الحساسية إزاء الرأي العام الشعبي، المحيط بهما في البلدين. وفي الوقت الحالي على أقل تقدير، فإن كلتا الحركتين تدرك جيداً أن هذا الرأي العام الشعبي، بات يرى في الممارسة السياسية السلمية، بديلاً أفضل وأكثر وعداً، من تلك السنين، بل العقود الطويلة من ممارسات الطغيان والإرهاب والعنف. \r\n \r\n بيد أنه من الأهمية بمكان، القول إنه لا سبيل لهذه الاستراتيجية أن تنجح مطلقاً، ما لم تراجع واشنطن مواقفها في مسألتين رئيسيتين شرق أوسطيتين: أولاهما الاعتقاد الخاطئ بكارثية أي فوز للإسلاميين في انتخابات حرة ديمقراطية. وثانيتهما، ميل واشنطن إلى سياسة القسر والإكراه، كأداة رئيسية في مقاومة هذه الجماعات، التي هي على شاكلة \"حزب الله\" وغيره. فليس ثمة أدنى مبرر للإكراه، طالما التزمت هذه الجماعات - وعلى رأسها حزب الله- بوقف إطلاق النار المعلن. ومن بين آخر التطورات في المسألة الأخيرة، أعلنت إدارة بوش نهاية الأسبوع الماضي، أنها ستعيد النظر فيما يتصل بموقفها من \"حزب الله\"، متأثرة في ذلك فيما يبدو، بمواقف حلفائها الأوروبيين. أما في فلسطين، فقد تبنى رئيس السلطة محمود عباس \"أبو مازن\"، استراتيجية جديدة تجاه حركة \"حماس\"، التي أعلنت في تطور إيجابي جديد من جانبها السبت الماضي، اعتزامها خوض الانتخابات التشريعية المرتقبة في وقت متأخر من العام الحالي. \r\n \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"