وسيكون من شأن مبادرة شارون الراديكالية إخلاء كل المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، وذلك من جانب واحد وفي غضون 18 شهراً. وغرض شارون هو إنهاء احتلال إسرائيل لغزة وبالتالي إعفاؤها من المسؤولية عن الفلسطينيين هناك. \r\n \r\n لكن من سيتولى المسؤولية هناك؟ ليست السلطة الفلسطينية الممزقة، ولا مصر. بل إن المسؤولية عما سيحدث فور انسحاب إسرائيل ستقع على كاهل الولاياتالمتحدة؛ وهذا هو المعنى الخفي في رسالة التطمينات التي وجهها بوش إلى شارون، ومفادها أن الولاياتالمتحدة ستقود المساعي الدولية لبناء مقدرة وإرادة المؤسسات الفلسطينية، وذلك بغية مكافحة الإرهاب ومنع تحوّل المناطق التي تنسحب منها إسرائيل إلى مصدر تهديد. \r\n \r\n ويتساءل المرء عما إذا كان بوش يدرك حقاً ما سيورط نفسه والولاياتالمتحدة فيه. فبعد إعلانه بالصوت العالي تأييد إقامة دولة فلسطينية مستقلة، سيتولى الآن مسؤولية ضمان عدم تحول دولة غزة المصغرة إلى دولة إرهابية مصابة بالإخفاق. فالمؤسسات الفلسطينية المذكورة في تأكيدات بوش ليست موجودة الآن في غزة، بل هناك سلطة فلسطينية منهارة. وإذا انتهى المطاف بإرهابيي حماس بالرقص على أسطح مستوطنات غزة أو بتلقين الأطفال الفلسطينيين دروساً عقائدية في مدارس المستوطنين، فسيكون بوش بصدد الإجابة على الأسئلة بدلاً من شارون. وإذا كانت إسرائيل دخلت إلى غزة لمنع العنف، فإن اعتناق بوش لمبادرة شارون قد ورّطه سلفاً في قتل عبدالعزيز الرنتيسي. \r\n \r\n والمفارقة هنا أن الأمر يضع بوش حيث لا يرغب. ففي معتقدات بوش بند ينفي إمكانية خدمة الأغراض المناسبة بالانخراط في مساعي السلام الشرق أوسطي على طريقة كلينتون. لكن الظروف أرغمت بوش من وقت إلى آخر على الابتعاد عن تلك العقيدة. \r\n \r\n وفي كل تلك المناسبات، لم يؤد اشتداد نشاط الخطاب الرئاسي والنشاط الدبلوماسي الأميركي إلى أية نتيجة، وسرعان ما حلت محل ذلك عودة إلى موقف بوش الافتراضي والمتصف بالكسل. لكن بوش هذه المرة ربط عربة الدبلوماسية الأميركية ببلدوزر شارون الذي لا يعتمد الآن على قيادة فلسطينية ضعيفة للتفاوض أو التنفيذ. أمّا استعداد بوش لمكافأة شارون فلم يضمن شيئاً سوى أن شارون سيضمن أصوات حزب الليكود لصالح تحرك ينكر أيديولوجيتهم من أساسها. \r\n \r\n وعلى رغم كل شيء، يعني تأييد بوش للخطة أن الأميركيين سيرثون مشكلات غزة. ولذلك انخرط مجلس الأمن القومي فجأة في مفاوضات هي الأكثف مع المسؤولين الإسرائيليين منذ انهيار مساعي حقبة كلينتون. وفي إشارة إلى قلق البيت الأبيض حيال العواقب، طلب بوش من شارون تأجيل فك الارتباط مع غزة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. \r\n \r\n وسيضطر بوش عاجلاً أم آجلاً إلى إيجاد طريقة لمعالجة مسألة غزة؛ ويمكنه طبعاً أن يلجأ إلى الآخرين لتخفيف عبء المسؤولية الجديدة عنه. وأعلنت مصر مثلاً أن مصالح أمنها القومي تتطلب حفظ النظام في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي. لكن المصريين لن يضعوا أنفسهم في موقف سياسي أخرق بفرض النظام على الفلسطينيين. \r\n \r\n ويناقش البنك الدولي مع الإسرائيليين فكرة توليه مسؤولية تطوير المستوطنات المهجورة، لكنه يشبه البابا لأنه لا يمتلك فرقاً عسكرية، ولذلك سيعجز عن منع \"حماس\" وغيرها من الزحف إلى المستوطنات. \r\n \r\n وما يزيد في شدة مأزق بوش الأمني الجديد في غزة هو حقيقة أن إسرائيل تخطط للسيطرة على معبر فيلادلفيا، وعلى المجالين الجوي والبحري لغزة، لمنع تهريب الإرهابيين والأسلحة من وإلى القطاع. لكن ذلك سيمكّن الجماعات الإرهابية من إيجاد مبرر لمواصلة هجماتها ورفض رمي السلاح بحجة أن إسرائيل لم تنفذ إنهاء احتلالها فعلاً. \r\n \r\n والتصور المثالي يفترض ظهور سلطة فلسطينية في غزة مزودة بقوة أمنية فاعلة تسيطر على المستوطنات وتجرّد المنظمات الإرهابية من أسلحتها وتضبط الحدود ونقاط الدخول. لكن ذلك أبعد ما يكون عن التحقق. \r\n \r\n وهناك حل واحد لكل تلك التحديات التي سيضطر بوش إلى التأمل فيها، وهو قوة دولية بقيادة أميركية تتولى أمر المستوطنات وتضبط معبر فيلادلفيا وتسيطر على المجالين البحري والجوي لغزة، وهو ليس بمسعى واسع النطاق. فهناك –خلافاً لموضوع العراق- بلدان كثيرة مستعدة للمشاركة في عبء المساعدة على تعزيز النظام وإقامة دولة فلسطينية للمرة الأولى. لكن هل لدى بوش استعداد لتولي المسؤولية؟ بالنظر إلى مشاعره حيال الأحادية، لن يتحقق ذلك تلقائياً. \r\n \r\n وإذا لم تتعقد الأمور إلى درجة كافية على المستوى الأمني، ستكون هناك أيضاً سلسلة من المآزق السياسية أمام بوش. \r\n \r\n أصاب بوش في اعتبار \"حماس\" منظمة إرهابية، ولن يكون له معها أي تعامل. لكن القوى القومية الأكثر اعتدالاً تفتقر إلى الرغبة والقدرة على مواجهة \"حماس\" فبدأت المفاوضات مع \"حماس\" حول ترتيبات تقاسم السلطة. ويعني ذلك أن بوش في أسوأ الأحوال سيكون مسؤولاً عن سيطرة \"حماس\" على غزة، وفي أفضل الأحوال سيشرف على عملية تنضم فيها \"حماس\" إلى السلطة. وهذا فارق دقيق سيكون من الصعب على بوش أن يدمجه في طيات سترته الضيقة الأيديولوجية المضادة للإرهاب. ومن المؤكد أن المآزق لا تنتهي هنا. فتفادي انهيار غزة الاقتصادي يعني حاجة بوش إلى اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتكرار جهود أوسلو. \r\n \r\n وبما أن بوش فتح سلفاً مسائل الحل النهائي بتطمين الإسرائيليين حول الحدود واللاجئين الفلسطينيين، فإن في وسع مؤيدي الفلسطينيين أن يطالبوا بتفصيل للمواقف الأميركية حيال المسائل الأخرى، وسيسألون مثلاً: إذا كانت الولاياتالمتحدة مستعدة للاعتراف بالتعديلات الحدودية ل\" المراكز السكانية\" الإسرائيلية في الضفة الغربية، فهل ستؤيد أيضاً \"تعويض\" الفلسطينيين \"عن أراضيهم\"؟ \r\n \r\n سيواجه بوش مأزقه السياسي الأشد: فهل يمكنه في السنة الانتخابية أن يقلص تأييده لإسرائيل من أجل ضمان المشاركة الدولية التي يحتاج إليها لمنع ظهور دولة إرهابية مصابة بالإخفاق؟ \r\n \r\n أهلاً وسهلاً بك في غزة يا سيدي الرئيس. \r\n \r\n \r\n \r\n مارتن إندك \r\n \r\n السفير الأميركي الأسبق إلى إسرائيل \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"