\r\n وبعد ذلك، جرى الاستفتاء في اسرائيل بين اعضاء حزب الليكود الحاكم الذي رفض خطة بوش. وأعقب ذلك ان الرئيس بوش، الذي صعق لقرار الليكوديين، وعد العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني تحريريا بأن جميع قضايا التسوية في الشرق الاوسط ستعالج عن طريق المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. \r\n وفي الوقت نفسه، عقد اجتماع «الرباعية» الذي يضم الولاياتالمتحدةوروسيا والاتحاد الاوروبي وهيئة الاممالمتحدة الذي أكد على ان تطبيق «خارطة الطريق» هو السبيل الوحيد للتسوية. \r\n بيد ان الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أعلن شارون انه سيقدم قريبا وقبل اواخر مايو مشروعا جديدا لخطته بعد تحديثها. \r\n فماذا يكمن وراء تتابع هذه الاحداث؟ \r\n يعتقد البعض ان شارون اتفق فحسب مع زملائه في الحزب على نسف التسوية عموما، والتي كانت ستقود حتما الى اقامة الدولة الفلسطينية. ولكنني لا أؤيد هذا الرأي. وفي أغلب الظن ان شارون يريد تقوية مواقعه بدعم الحزب الحاكم، أملا في ان يدرك «الليكوديون» الافضليات الاستراتيجية التي تمنحها خطته الى اسرائيل. \r\n لكنهم لم يدركوا ذلك بالرغم من ان خطة شارون كانت بلا ريب نافعة بالنسبة الى المتطرفين من حزب «الليكود». فهذه الخطة صيغت في جوهر الأمر على قاعدة «الارض مقابل السلام» وأظهرت تراجع تل ابيب عن «خارطة الطريق» التي اعدتها «الرباعية» وهما أمران اتخذت منهما الدوائر المتطرفة في اسرائيل موقفا سلبيا للغاية. علاوة على ذلك، فإن شارون الذي مارس لعبة الاعراب عن الاستعداد لتفكيك المستوطنات اليهودية في قطاع غزة حصل من الرئيس الامريكي على «ورقتين رابحتين» هما تقييد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وإبقاء مجموعة كبيرة من المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية. علما ان اسرائيل كسبت هاتين «الورقتين الرابحتين» اللتين تحددان لحد كبير مستقبل السلام في الشرق الاوسط، بدون اجراء اية مفاوضات مع الفلسطينيين وبدون الحلول الوسط الممكنة وبدون« مساومة دبلوماسية». \r\n وفي الواقع، ان خطة شارون حولت عملية التسوية في الشرق الاوسط الى المسار «الأحادي»، أي ان اسرائيل اعلنت عن نيتها حل قضايا التسوية من جانب واحد بدون مفاوضات مع الفلسطينيين، ومع تجاهل منظمة التحرير الفلسطينية. بالضبط كما فعلت الولاياتالمتحدة اثناء العملية العسكرية في العراق. \r\n لكن حتى هذا كله لم يقنع المتطرفين الاسرائيليين. وقد اظهر الاقتراع في حزب «الليكود» مدى القوة التي تتمتع بها في اسرائيل الشخصيات التي لا تريد البتة التنازل عن اية مساحة من الاراضي التي احتلت في حرب عام 1967 . وهذا شيء «مبالغ فيه» جدا حتى بالنسبة الى الولاياتالمتحدة التي تؤيد اسرائيل عادة. \r\n والآن صار شارون يبحث عن مخرج من الوضع عن طريق التخلي عن خطته، وذلك بتقديم صيغة جديدة لها. واعتقد أنه ظهرت الى السطح ملامح هذه الصيغة الجديدة في اقوال شالوم وزير الخارجية الاسرائيلي، فقد اعلن الوزير أخيرا أن من واجب اسرائيل ان تواصل بناء «الجدار العازل» وان تسعى الى ادراج الجماعات الفلسطينية في قائمة المنظمات الارهابية والعمل على تبديل القيادة الفلسطينية. ولربما ان شارون يريد بهذه «التعديلات» كسب تأييد الذين صوتوا في «الليكود» ضد خطته. \r\n ويمكن القول ان مجال المناورة لدى شارون قد اصبح أقل. واذا ما تمادى كثيرا في خطته المعادية للعرب فهيهات ان يحظى ذلك برضى الولاياتالمتحدة التي تشارك كما هو معروف في «الرباعية»، وزد على ذلك انها أعلنت عن نيتها تركيز كل الاهتمام على «خارطة الطريق». من جهة أخرى، ففي حالة عدم رفد الخطة بعنصر معاداة العرب فإن شارون يجازف بأن يحصل مرة أخرى على معارضة الاغلبية في «الليكود»، علما أنه في حالة تكرار مثل هذا التصويت لن يبقى شارون في السلطة. \r\n وهناك لقاء كوندوليزا رايس مساعدة الرئيس الامريكي لشؤون الأمن القومي لأول مرة مع رئيس الوزراء الفلسطيني وزيارتها الى موسكو للقاء القيادة الروسية. \r\n ولربما يثير هذا الأمر شارون. وحين كتبت هذه السطور استخدمت اسرائيل في غزة كافة اصناف القوة ضد الفلسطينيين. وجرى القصف بالصواريخ والقنابل واطلقت الرشاشات ضد الاهالي المسالمين ويجري تصوير هذا كله بأنه انتقام لمقتل ستة جنود اسرائيليين وربما رأى شارون في هذا التصعيد مخرجا من الوضع غير المفيد بالنسبة له. الى ذلك، أعربت روسيا في هذه الظروف الناشئة عن موقفها بدقة في رسالة الرئيس فلاديمير بوتين الى عبد الله احمد بدوي رئيس وزراء ماليزيا، والتي جاء فيها: «لا يمكن إحلال السلام الوطيد والعادل في المنطقة وتحقيق الأماني الوطنية للفلسطينيين إلا بتسوية النزاع العربي الاسرائيلي وفقا للقرارات 242 و338 و1379 و1515 الصادرة عن مجلس الامن الدولي، ووفقا لمبادئ مدريد. وتقود الى مثل هذه التسوية «خارطة الطريق» التي ايدها طرفا النزاع والمجتمع الدولي بأسره والتي تبقى اليوم بصفتها الجواب الوحيد في الوضع الناشئ». \r\n \r\n * رئيس وزراء روسيا ووزير خارجيتها السابق