\r\n فهذه العلاقات تواجه اليوم مشكلة معلقة فالمزاج العام في تركيا الذي كان الى وقت قريب يتقبل التعاون العسكري والامن السياسي مع اسرائيل, وهو الصخرة التي تستند عليها العلاقات الثنائية بين الطرفين, بات اليوم يضيف بتلك العلاقات نتيجة ما طرأ على اطارها من تحولات نتيجة الحرب على العراق. \r\n \r\n فالعديد من الاتراك, ومن بينهم احزاب البلاد العلمانية, ممن كانوا في التسعينات يؤيدون بشدة تحالف تركيا مع اسرائيل يؤمنون اليوم بان لكل من انقرة وتل ابيب مصالح متعارضة في العراق. ويرى هؤلاء ان ما تحتاجه تركيا هو حكومة مركزية قوية في بغداد قادرة على درع القومية الكردية, في حين تأمل تل ابيب في ان يتمكن الاكراد من تثبيت اقدامهم بمواجهة بغداد على النحو الذي يضمن تحول العراق الجديد الى دولة عربية ضعيفة ومشتتة وغير قادرة على تهديد احد. \r\n \r\n ما كان الاتراك في الماضي ليكترثون كثيرا لما يجري من تطورات في العراق. لكن الامور اختلفت الان. اذ لم يفت انقرة ان تلاحظ ان اكراد العراق قد حققوا مكاسب كبرى نتيجة للحرب الاخيرة ابتداءا من حصولهم على المناصب السياسية المتنفذة في بغداد الى السيطرة على ثلث مساحة العراق بما فيها منطقة كركوك الغنية بالنفط والتي تقطنها جالية تركمانية كبيرة. يضاف الى ذلك, ان وجود حوالي 5300 من الارهابيين التابعين لحرب العمال الكردستاني في شمال العراق يحرك المواجع التركية التقليدية المتعلقة بالمواجهة المستمرة منذ اكثر من عقدين مع الحزب الكردي المذكور. \r\n \r\n كان الخوف من المشاعر القومية الكردية قد تضاءل في تركيا بعد القاء القبض على عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني في شهر شباط 1999 وقد منحت انقرة في شهر آب 2003 جميع اعضاء الحزب المذكور عفوا عاما باستثناء قياداته العليا, وما ان ابتدأ الجمهور التركي ينسيان الارث الذي خلفه العنف الذي مارسه حزب العمال الكردستاني حتى جاءت الحرب على العراق لتعيد اذكاء المخاوف بشأن القومية الكردية. \r\n \r\n لا يجد معظم الاتراك اية معطيات ايجابية فيما تحقق للاكراد مؤخرا من مكاسب ويزيد الامر سوءا ان حزب العمال الكردستاني الذي نقض في مطلع شهر حزيران الماضي الهدنة التي كان قد التزم بها في تركيا يقيم قواعده في شمال العراق. ويمكن ضمن هذا الاطار ان يفهم المرء الاتهامات التي راجت في تركيا اخيرا حول دور اسرائيل في دعم قضية استغلال الاكراد في الشمال العراقي فالقلق التركي من هذه القضية يمكن ان يقارن بما يمكن ان يكون عليه القلق الاسرائيلي لو ان تركيا فتحت لنفسها قنوات داخل حزب الله بنية اقامة دولة شعبية في جنوب لبنان. \r\n \r\n وهكذا تواجه اسرائيل اليوم موقفا صعبا في انقرة, فبسبب القلق من القضية الكردية فقدت اسرائيل ثقة الكثير من افضل اصدقائها في انقرة ومن بينهم الاتراك العلمانيون الذين يشكلون جزءا مهما من العسكريين الاتراك الذين لم ينسوا بعد معركتهم ضد حزب العمال الكردستاني وهي المعركة التي كبدت تركيا اكثر من 30 الف قتيل. \r\n \r\n من جانب اخر, لدى القيادات الليبرالية التي تتزعم حقل السياسة الخارجية في انقرة اسبابها الخاصة التي تدفعها للبقاء بعيدا عن اسرائيل. فهؤلاء يعتقدون بأن تركيا تمتلك فرصة حقيقية للانضمام الى الاتحاد الاوروبي. ومن اجل هذا يميل زعماء السياسة الخارجية التركية الى جعل مواقفهم منسجمة مع مواقف الاوروبيين فيما يتعلق بعدد من القضايا البارزة منها التسلح النووي الايراني, ومبادرة الشرق الاوسط الكبير, والنزاع العربي - الاسرائيلي. \r\n \r\n وفي الوقت الذي يميل فيه حلفاء اسرائيل الى التزام الصمت بخصوص علاقة تركيا باسرائيل, ينتهز حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا, وهو حركة ديمقراطية محافظة, الظروف الراهنة لتبني لهجة انتقادية تجاه تل ابيب. وهنا نجد التفسير الذي يوضح السبب الذي يجعل موقف تركيا من اسرائيل يتجاوز في بعض الاحيان الموقف الاوروبي منها. \r\n \r\n واذا كان في هذه التطورات مؤشر لما سيقع من احداث مستقبلية, فان بوسع المرء ان يتوقع زيادة فرصة استفادة الاسلاميين والمحافظين الاتراك من التخفي وراء هذه القضايا لتوجيه الهجوم على اسرائيل مع ازدياد خطوة القيادة التركية العلمانية المؤيدة للاتحاد الاوروبي لدى بروكسل, حيث سينسق هؤلاء مع مواقف الاتحاد الاوروبي المنتقدة لسياسات اسرائيل في الاراضي المحتلة, والمحافظة على موقف فاتر من كل من تل ابيب والقضية الكردية. وفي حالة ترك هذه التطورات دونما معالجة سليمة, فان هناك احتمالا قويا بتأثيرها السلبي على مشاعر الجمهور التركي ازاء اسرائيل مما يمكن ان يؤدي في النهاية الى تقويض العلاقة التركية - الاسرائيلية. \r\n \r\n فكيف يمكن لاسرائيل ان تتجاوز هذه المحنة? \r\n \r\n بالنسبة للكثيرين من الاتراك تعامل اسرائيل على انها متهمة حتى تثبت ادانتها فيما يخص تورطها المزعوم مع اكراد العراق. ومن هنا فان على تل ابيب ان تقنع الاتراك ببراءتها من تهمة تأييد الاستقلال الكردي, كما ان عليها ان تثبت لهم بأن رؤيتها لمستقبل العراق لا تتعارض مع رؤية انقرة. ولتحقيق هذا الغرض ينبغي لاسرائيل ان تشرك الجمهور التركي في خططها المتعلقة باكراد العراق. كما تحتاج اسرائيل الى تحقيق نوع من الانسجام مع انقرة فيما يتعلق بالاستراتيجية الاسرائيلية في شمال العراق. \r\n \r\n ومن هنا ينبغي ان يكون الهدف الاسرائيلي هو اقناع الاتراك بأن اسرائيل لن تضحي بعلاقتها الحيوية مع تركيا, وهي الدولة القوية ذات السبعين مليون نسمة, من اجل علاقة مع اربعة ملايين كردي عراقي. ولن تنجح اسرائيل في استعادة ثقة الدوائر الوطنية التركية الا عن طريق العمل سوية مع تركيا في مجال القضية الكردية. \r\n \r\n اما البديل الذي يمكن ان تلجأ اليه اسرائيل, والذي يدعم المخاوف التركية حول شمال العراق, فانه يمكن ان يقود الى تدهور غير مسبوق في العلاقة التركية الاسرائيلية.0 \r\n \r\n \r\n عن: »معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى« \r\n \r\n \r\n \r\n