\r\n ان اخفاق مخابرات ادارة بوش لاي يتجلى في فشلها في التنصت على ما يكفي من المكالمات الهاتفية. انما في عجزها عن فهم طريقة التفكير السائدة في العراق وفي العالم العربي بشكل عام. \r\n \r\n \r\n ان مناسبة نقل السلطة في العراق وفرت فرصة مفيدة لاسترجاع المسيرة في العراق والنقاط التي انحرفت فيها. والامر, كما يبدو لي, يعود بجذوره الى حالة من الغرور الامريكي ولدت في غرفة لترجيع الاصداء في واشنطن عندما اقنعنا انفسنا بأن العراقيين سوف يستقبلوننا بالزهور. \r\n \r\n عندما زرت العراق في فترة الاعداد للحرب, التقيت بأجنبي آخر بالقرب من مسبح فندق الرشيد حيث كنا نأمل ان ننأى بحديثنا عن اية محاولة للرصد او التنصت. تحدثنا عن حيرتنا. كان يبدو ان المسؤولين الامريكيين الكبار مقتنعون بأن قواتنا الغازية سوف تستقبل استقبال الابطال, في حين كان العراقيون العاديون يتحدثون عن التصدي للجنود الامريكيين بالبنادق والرمانات والهجمات الانتحارية. فالعراقيون, بشكل عام, يكرهون صدام, لكنهم يكرهون ايضا فكرة التعرض للغزو. \r\n \r\n لكن المحافظين الجدد في واشنطن رفضوا الاستماع الى تلك الاصوات, ومن شرانقهم في واشنطنونيويورك راحوا يؤكدون ان العراقيين العاديين سوف يرحبون بالغزو, وقد اعتمدوا في ذلك على احمد الجلبي. او لعلهم قرأوا عنه في مجلة »ويكلي ستاندارد« اليمينية. \r\n \r\n لم يكن المتحمسون لغزو العراق يعرفون حتى اسم البلد الذي يريدون غزوه. وكان الرئيس بوش يدعوه »آي راك« ومع ذلك فقد راهنوا بارواح الامريكيين على ان كل شيء سيسير على ما يرام »تلك هي عنجهية القوة« على حد تعبير السناتور ويليام فولبرايت عندما كان يتحدث عن اخطاء مماثلة ارتكبها الديمقراطيون في فيتنام. \r\n \r\n ترتبط هذه »العنجهية« بتاريخ طويل وحزين. ففي الحرب العالمية الاولي كان هناك, ايضا, بول وولفويتز اول ممثلا بشخص السير دوغلاس هيغ, القائد البريطاني الذي شن هجوما كلف البريطانيين 420 الف خسارة في الارواح. لاحقا, كتب رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج يقول: »لقد ارتاح هيغ الى تلك المقاطع من المعلومات الاستخبارية التي انتقاها بعناية وطبخها معا حول الفرق العسكرية الالمانية المنهارة, والخسائر الفادحة في صفوف الالمان, وتداعي الروح المعنوية لجنودهم والتي كانت تلك المعلومات تفعم قلب هيغ بالارتياح والثقة. فقد كانت خطته العظيمة تؤتي اكلها. وكانت اجواء تلك المجموعة الصغيرة المعزولة تعبق بالتفاؤل المتملق«. \r\n \r\n * هل يبدو المشهد مألوفا لكم? \r\n \r\n - لقد تذمر دونالد رامسفيلد من فضائية »الجزيرة« اثناء الحرب فقال: »نعلم ان للجزيرة اسلوبها الخاص في بث الدعاية واعادة بثها وتكرارها. عندما تنفجر قنبلة في مكان ما, فإنهم يمسكون بمجموعة من الصبيان والنساء ويتظاهرون بأن القنبلة قد اصابت اولئك النساء والصبيان ... اننا نتعامل مع اشخاص مستعدين تمام الاستعداد لممارسة الكذب على العالم من اجل ترويج قضيتهم. \r\n \r\n وما داموا يعتمدون على الكذب, فإن كذبهم لا بد ان يفتضح في نهاية المطاف ويفقدون مصداقيتهم. \r\n \r\n كانت الهوة التي تفصل ما بين الحقائق الامريكية والعربية موضوع فيلم وثائقي قوي الحجة بعنوان »غرفة السيطرة« للمخرجة المصرية الامريكية جيهان نجيم. وفي الفيلم تتناول نجيم تغطية الجزيرة للحرب على العراق مؤكدة بما لا يدع مجالا للشك بأن ثمة طرقا متعددة ومختلفة في النظر الى نفس الحدث وفي طريقة فهمه ايضا. \r\n \r\n لقد كانت رواية الرئيس بوش للحرب على النحو التالي: »الامريكيون المحبون للخير يعرضون ارواحهم للخطر من اجل الاطاحة بديكتاتور شرير ومن اجل اقامة الديمقراطية وحماية حقوق الانسان«. \r\n \r\n اما الرواية العربية فتقول: »ان نفس اليانكيين الذين يدفعون للاسرائيليين من اجل قتل الفلسطينيين يستحوذون اليوم على حقول النفط العراقية ويثخنون النساء والاطفال في العراق بالجراح«. \r\n \r\n انا شخصيا لست من المعجبين المتحمسين لفضائية »الجزيرة« التي تميل الى النزعة العاطفية والقومية. وكما قال الملازم الامريكي جوش راشنغ في فيلم »غرفة السيطرة« فإن »الجزيرة« هي النسخة العربية لقناة »فوكس« للاخبار. \r\n \r\n يقول راشنغ: »ان من مصلحة »الجزيرة« ارضاء المشاعر العربية القومية لانها تمثل جمهور مشاهديها, تماما كما تسعى قناة »فوكس« لارضاء المشاعر الوطنية الامريكية للسبب نفسه, فهذا هو ما يريده جمهورها منها«. \r\n \r\n اذا كان العالم العربي سيتخلص يوما من مشاعر الرثاء للذات ويخرج من قوقعته المنعزلة, فإنه سيجد نفسه في حاجة الى فهم المواقف الامريكية ولن يضيره ان يتحول من متابعة »الجزيرة« الى الاستماع الى ما تقوله قناة »فوكس« واذا كان لادارة بوش ان تغير الاوضاع في العراق لصالحها وان تشرك العالم العربي بفاعلية فان عليها ان تبذل جهودا اكبر من اجل الهرب من »غرفة الاصداء« ومن اجل فهم العرب, ولن يضيرها ان تتحول من خطاب التطمين المنغم الذي تطلقه »فوكس« الى متابعة ما تقوله »الجزيرة«. \r\n \r\n اما السيد بوش فاننا نطالبه بأن يقطع, منذ الآن, عهدا على نفسه بأن لا يسعى الى غزو بلد ما قبل ان يتعلم لفظ اسم ذلك البلد.0 \r\n \r\n عن: »نيويورك تايمس«. \r\n \r\n \r\n