لقد كان كولن باول سياسياً من الوزن الثقيل في واشنطن. ففي عام 1996 كان يمكنه - لو أراد- أن يصبح مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، ولكنه لم يرد. علاوة على ذلك يمكن القول إن سجله العسكري هو الأكثر نصاعة مقارنة بغيره منذ حرب فيتنام. \r\n \r\n ولا يقتصر الأمر على ذلك، حيث نجح باول في إعادة تعريف شروط العمل في مجال السياسة الخارجية للولايات المتحدة على الرغم من أن تلك المهمة هي مهمة مدنية في الأساس، وليست مهمة رجل عسكري. وفي حرب الخليج، قام باول بتطبيق العقيدة التي حملت اسمه، والتي تقوم على استخدام القوة الكاسحة مع توفير أقصى قدر من الحماية لها، بنجاح منقطع النظير. \r\n \r\n وقد قام جورج بوش باختياره لمنصب وزير الخارجية، لأن ذلك الاختيار كان يعزز الشعار الذي تبناه الرئيس في بداية حكمه والذي كان يدعو إلى تبني \"سياسة خارجية متواضعة\". بيد أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر سمحت للأيديولوجيين المدنيين الموجودين في إدارة بوش، بدفع هذه الإدارة إلى تبني النهج الأحادي العسكري، الذي تجاهل المشورات التي كان يقدمها باول، والتي كانت تدعو إلى التعقل العسكري، والإجماع السياسي، والأهداف المحددة بدقة، ووجود استراتيجية للخروج بالنسبة لأي عمل تقدم عليه الإدارة. \r\n \r\n وقد قبل باول بذلك، وكان أداة من أدوات تنفيذ السياسة الجديدة كما كان- لو عدنا بالنظر إلى الوراء قليلا- الرجل المدافع عنها. وكان وجوده على رأس وزارة الخارجية سبباً كافياً يدعو حلفاء الولاياتالمتحدة إلى النظر إلى القرارات الصادرة عن واشنطن على أنها شرعية تماماً. علاوة على ذلك فإن الرجل لم يقم أبداً بدور المعارض السري، أو المفكر المنشق وهو الدور الذي كان الليبراليون الأميركيون والأوروبيون من ذوي التفكير الرغائبي، يحاولون إقناع أنفسهم بأنه يقوم به. \r\n \r\n ولكن الرجل كان هو الجندي كما يجب أن يكون دائماً.. بصرف النظر عن الأفكار التي يعتنقها. وكانت القيم التي ينطلق منها باول هي قيم الواجب والولاء والطاعة. ويمكننا بالإضافة إلى ذلك أن نطلق عليه لقب الجندي السياسي. ولم يكن من الممكن لأي أحد أن يحقق مجداً مهنياً مثل ذلك الذي حققه باول لو لم يكن جندياً سياسياً يشق طريقه في أروقة ودهاليز واشنطن وليس في ساحات المعارك فقط. ولب شخصيته هو الولاء المطلق للجيش الأميركي الذي انتشله من أزقة المهاجرين الجمايكيين في نيويورك، ودفعه عبر صفوفه كي يتقلد أعلى الرتب العسكرية، ويتسنم ذرى المجد. ولم يكن ممكناً لباول أبداً أن يستقيل من منصبه، فهو كجندي يعرف أن الواجب يملي عليه أن يبدي وجهة نظره، ثم ينتظر ما يصدره قائده من أوامر. \r\n \r\n أما كوندوليزا رايس فلا وزن لها في واشنطن. فهي كانت تشغل من قبل منصب رئيسة إحدى الجامعات، وكانت متخصصة في موضوع لم يعد أحد يهتم به الآن وهو موضوع الاتحاد السوفيتي. ومن المعروف عن الأكاديميين أنهم يحاولون الربط بين أي موضوع ، وبين الموضوع الذي تخصصوا فيه.. وهو ما كان ينطبق بشكل خاص على الآنسة كوندوليزا التي كانت ترى أن صدام حسين لا يختلف عن ستالين. \r\n \r\n وهي لا وزن لها لأنها أمضت أربع سنوات من العمل كمستشارة للأمن القومي الأميركي.. أي أنها لا تتمتع بأي وزن بيروقراطي خاص بها، وليس لها حلفاء طبيعيون. ومن المعروف أن أعضاء مجلس الأمن القومي لا يكونون مرئيين سياسياً.. ما لم يحاولوا أن يكونوا غير ذلك ويجلبوا بالتالي سوء السمعة على أنفسهم مثلما فعل هنري كيسينجر. \r\n \r\n والنفوذ الحقيقي الذي تتمتع به كوندوليزا رايس هو قربها الشديد من الرئيس بوش وعائلته. وهذا، وإن كان شيئاً مهماً، إلا أنه لا يعطيها الأسلحة البيروقراطية والسياسية التي تتيح لها إخراس الشخصيات ذات الإرادة القوية في الإدارة مثل ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وبول وولفوفيتز، وشهرتها الأساسية مستمدة من أنها امرأة تجيد التوفيق وتحقيق المصالحة بين المختلفين. \r\n \r\n والاحتمال الذي يوفره خروج باول من وزارة الخارجية، هو سيطرة جناح الصقور على زمام الإدارة.. بيد أن الموقف أكثر تعقيداً من ذلك. \r\n \r\n فكولن باول كان هو الرجل الذي يوفر الصلة الوحيدة للإدارة بحقائق الواقع كما يراه حلفاء أميركا- وأيضاً أعداؤها. وبالتالي فإن الذي سيسيطر على الإدارة بعد خروجه ليس الصقور، وإنما الحالمون ومنقطعو الصلة بالواقع العملي. \r\n \r\n فعندما تتم معارضة وولفوفيتز بشأن خطط العراق، تكون إجابته دائماً أنه يؤمن بقوة الديمقراطية. ولكن المشكلة ليست هي من يؤمن بالديمقراطية ومن لا يؤمن بها، وإنما هي من يؤمن بالوطنية، والعاطفة العرقية، والعصبية الدينية. فعندما لا تؤمن بالأشياء الأخيرة هذه، فمعنى ذلك أنك لا تعمل في العالم الحقيقي. \r\n \r\n في الآونة الأخيرة كتب رون ساسكيند في صحيفة \"نيويورك تايمز\" مقالا استشهد فيه بتصريح لأحد مسؤولي البيت الأبيض قال فيه إن الإدارة الأميركية لا تهتم كثيراً بالواقع العملي الذي يتحدث عنه الآخرون \"لأننا عندما نعمل فإننا نقوم بخلق الواقع الخاص بنا\". \r\n \r\n وما قاله ذلك المسؤول صحيح تماماً. فالإدارة الأميركية لم تكن مهتمة حقاً بحقائق الواقع في عراق ما قبل الحرب، لأنها كانت تنوي أن تقوم بخلق حقائقها الواقعية على الأرض هناك بعد الغزو. وهذا هو بالضبط ما قامت به الإدارة الأميركية هناك. \r\n \r\n وأهمية رحيل كولن باول عن وزارة الخارجية، تنبع من أنه كان يمثل حلقة الصلة الوحيدة بين جورج دبليو بوش وبين الواقع الحقيقي.. وبرحيله تكون تلك الحلقة قد انكسرت. \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز \r\n