واستراتيجية إسرائيل العامة تجاه الفلسطينيين هي استراتيجية محكوم عليها بالهزيمة من داخلها في نهاية المطاف: فهذه الاستراتيجية تريد الأرض، ولكنها لا تريد الفلسطينيين الذين يعيشون على هذه الأرض. \r\n \r\n لقد أصبح الكثيرون من الفلسطينيين مقتنعين الآن، بأن الدعم الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية لا ينبع من الأمل في تحقيق تسوية مع الفلسطينيين، ولكن مدفوع بالرغبة في فصل الدولة اليهودية، مع القيام في نفس الوقت بالاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، وأكبر قدر ممكن من الموارد الفلسطينية. \r\n \r\n والفلسطينيون يقومون الآن وبشكل متزايد بالتشكك في إمكانية الحل المتفق عليه بشكل عام للصراع العربي الإسرائيلي، والذي يتمثل في (إقامة دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن)، حسب نص كلمات الرئيس الأميركي جورج بوش، ويجدون أنفسهم بدلا من ذلك مدفوعين للتفكير في حل الدولة الواحدة. \r\n \r\n إن الاستراتيجية الكامنة وراء حل الدولتين واضحة بالنسبة للفلسطينيين: فهناك ما يزيد عن 400 ألف إسرائيلي يعيشون بشكل غير قانوني في ما يزيد عن 150 مستوطنة معظمها أقيم على الموارد المالية الفلسطينية. وشارون الذي يعلن عن استعداده لإجلاء المستوطنين من غزة، يشترط أن يتم ذلك مقابل توسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، بالإضافة لذلك تقوم إسرائيل ببناء جدار عازل ليس على أرضها ولكن داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن الطريق الذي يسير فوقه الجدار العازل يقوم بالفصل بين الفلسطينيين وبين أراضيهم ومزارعهم ومواردهم المائية. \r\n \r\n وعلى الرغم من أن الإسرائيليين يحاولون من خلال تلك الاستراتيجية معالجة تهديد ديموغرافي، إلا أنهم يقومون وهم يحاولون تلافي ذلك بخلق تهديد ديمقراطي... كيف؟ \r\n \r\n بعد سنوات من المفاوضات، التي صاحبها نشاط لا ينقطع من جانب الإسرائيليين في بناء المستوطنات، والآن بناء السور، فإن الفلسطينيين توصلوا في النهاية إلى قناعة مؤداها أن إسرائيل تقدم لهم \"استقلالا\" مشروطا بقبولهم لأن يتحولوا إلى مواطنين محرومين من المياه، ومن الأراضي الصالحة للزراعة، ومعتمدين اقتصاديا على إسرائيل، ولا يمتلكون حتى حق الدفاع عن النفس. \r\n \r\n لذلك فإن الفلسطينيون يفكرون الآن فيما إذا ما كان من الأفضل بالنسبة لهم أن يتوقفوا عن المساعي الرامية إلى أقامه دولة تعيش على قدم المساواة مع الدولة الإسرائيلية ، ويفكرون بدلا من ذلك في السعي من أجل الحصول على حقوق المواطنة المتساوية داخل دولة واحدة. بمعني آخر السعي إلى حل الدولة الواحدة التي يعيش فيها مواطنون من جميع الملل والأجناس معا كمواطنين متساويين في الحقوق والوجبات. وتشير الاستطلاعات الأخيرة التي تم إجراؤها في هذا الخصوص، إلى أن ربع عدد الفلسطينيين على الأقل يفضلون حل الدولة العلمانية الواحدة، وهو رقم عال، ويدعو للدهشة إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن هذا الحل لم يتم الدعوة إليه من أي قيادة فلسطينية كبيرة. \r\n \r\n ودعم حل الدولة الواحدة، لا يعد تطورا راديكاليا كما قد يعتقد البعض للوهلة الأولى. فالحقيقة هي أن هذا الحل ليس إلا اعترافا بالحقيقة غير المريحة بالنسبة لإسرائيل، وهي أن أراضيها والأراضي العربية المحتلة تعملان معا كدولة واحدة. فهما تتقاسمان منابع المياه نفسها، وشبكة الطرق الدولية نفسها، وشبكات الكهرباء نفسها، والحدود الدولية نفسها. فليس هناك على سبيل المثال لافتة مكتوب عليها (مرحبا بكم في الأراضي المحتلة) عندما يقوم المرء بقيادة سيارته في القدسالشرقية. وبعض الخرائط الإسرائيلية لا تقوم برسم خطوط بين المناطق المحتلة وبين حدود إسرائيل التي كانت قائمة قبل حرب 1967. والمستوطنون في الضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية، مبعثرين وسط المدن الفلسطينية ويشكلون في الوقت الراهن خمس عدد سكان تلك المناطق. إن الوضع هناك كما يقول فلاح فلسطيني \"أصبح مثل البيضة المخفوقة التي أصبح من المتعذر إعادتها إلى حالتها الأولى\". \r\n \r\n ولكن هذه الدولة الموجودة بحكم الواقع فيها ثلاثة ملايين ونصف فلسطيني مسلم ومسيحي، محرومين من الحقوق المدنية التي يتمتع بها اليهود. \r\n \r\n فهؤلاء الفلسطينيون يجب أن يقوموا بقيادة سياراتهم على أراض منفصلة بشرط أن تكون تلك السيارات ذاتها مزودة بلوحات قيادة غير إسرائيلية، وأن تتبع في مسارها خطوطا محددة سلفا، ويحظر على أي فلسطيني أن يقود سيارة تحمل أرقاما إسرائيلية. وهؤلاء الفلسطينيون وعلى العكس من اليهود الآخرين الذين يعيشون على الأراضي نفسها ليس من حقهم التقدم لنيل الجنسية الإسرائيلية، كما أنه ليس من حقهم التصويت في الانتخابات الإسرائيلية. \r\n \r\n ومعظم الإسرائيليين يخشون من فكرة منح الفلسطينيين حقوقا متساوية خوفا من أن يتحول هؤلاء الفلسطينيين إلى أغلبية، ويقومون بمعاملة اليهود بالطريقة نفسها التي عاملهم الآخرون بها. كما يخشون أن يؤدي ذلك في النهاية إلى فناء الدولة اليهودية. بيد أن حل الدولة الواحدة لا يؤدي إلى تدمير الشخصية اليهودية- كما يخشى الإسرائيليون- كما أنه لا ينفي الحقوق الدينية والتاريخية اليهودية، ولكنه سيؤدي – على العكس من ذلك- إلى تأكيد حقيقة أن الأراضي المقدسة مثلما لها طابع يهودي فإن لها طابعا إسلاميا ومسيحيا أيضا. \r\n \r\n بيد أنه يجب أن يكون معروفا أن نضال الفلسطينيين من أجل نيل حقوق متساوية لن يكون سهلا بأي حال من الأحوال. فهؤلاء الذين يمسكون بمقاليد القوة لا يقومون من تلقاء أنفسهم بجعل الآخرين يشاركونهم في ذلك. \r\n \r\n ومطلوب من الفلسطينيين كي يقوموا بتحقيق ذلك أن يأسروا أولا خيال العالم ويقوموا بتنظيم مجتمعهم الداخلي، ويرفضوا أن يتم إغراؤهم بالتفاوض من أجل التنازل عن حقوقهم. \r\n \r\n وتجربة جنوب أفريقيا تثبت أن الفلسطينيين يمكن أن يكسبوا معركتهم في نهاية المطاف. ولكن السؤال هنا هو ما هو الوقت المطلوب، وما هو حجم المعاناة التي ستعانيها كافة الأطراف قبل أن يصبح اليهود مستعدين للنظر إلى المسيحيين والمسلمين الفلسطينيين، ليس كتهديد ديموغرافي، ولكن كشركاء في المواطنة. \r\n \r\n \r\n ميشيل ترزي \r\n \r\n المستشار القانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"