\r\n ولكننا اذا كنا جادين بشأن حل المشاكل بدلاً من اضافة المزيد، فإن التعبير عن الغضب ليس كافياً وينبغي لنا معالجة الأوضاع المؤدية الى اليأس والتي ينتج عنها الكثير من اعمال العنف، وهي اوضاع تتجاهلها وسائل الاعلام لدينا في كثير من الأحيان. والكارثة المرعبة التي وقعت في بيسلان لم تأت من فراغ بكل تأكيد بل توجد جذورها في حروب الشيشان الوحشية. \r\n ولا يعلم معظم مشاهدي التلفزيون الذين روّعتهم صور مذبحة بيسلان ان الجيش الروسي غزا جمهورية الشيشان في الفترة بين 1994 و1996 وقتل ما بين 60-100 الف شيشاني واصاب مئات الآلاف منهم بجروح. وقد استخدمت القوات الروسية المدفعية والقذائف الصاروخية لتدمير القرى والبلدات الشيشانية وتعمدت استهداف المدنيين وهدم اجزاء كبيرة من العاصمة جروزني. \r\n وطبقاً للسجين السياسي السوفييني السابق فلاديمير بوكوفسكي، يتمثل الدافع وراء الغزو الروسي في كسب التأييد الشعبي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كزعيم ذي قبضة حديدية. ويقول بوكوفسكي في مقالة له ان حرب الشيشان تستغل لأهداف سياسية وان هذه الحرب سمحت لبوتين وجهاز الاستخبارات (كيه جي بي) بالعودة الى السلطة. \r\n وتقول تقارير منظمة «هيومان رايتس واتش» ان جروزني عوملت من تشرين الثاني 1999 الى شباط 2000 كهدف عسكري ضخم حيث عملت الالة العسكرية الروسية على ازالة المدينة الأمر الذي ادى الى مصرع الآلاف وتجاهل وجود آلاف المدنيين من السكان المدنيين الذين منعهم المرض والفقر من الفرار من المدينة. \r\n وفي آذار 2000 اوردت صحيفة «ذا اوبزيرفر» البريطانية مصرع 363 مدنيا شيشانياً في قرية «كاتيريورت». وذكر شاهد عيان وهو طبيب ان القوات الروسية وعدت مدنيين بتوفير ممر آمن لهم قبل ان تبيدهم باطلاق النار عليهم. وقال الطبيب ان القوات الروسية قصفت القرية في البداية ثم منحت المدنيين «ممراً آمناً» ومن ثم اطلقت عليهم النار. \r\n وفي أواخر عام 2002 اصبحت جروزني غير ملائمة صحياً بشكل تام بعد ان توقفت غالبية المستشفيات والعيادات عن العمل جراء الدمار الذي لحق بها او بسبب اجراء اعمال الترميم فيها علما بأن المدينة تفتقر الى المياه والكهرباء. \r\n وفي نيسان 2004 سجلت منظمة «هيومان رايتس واتش» ومنظمة العفو الدولية انتهاكات كثيرة لحقوق الانسان شملت الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري والاعدامات من دون محاكمة عادلة في انحاء كثيرة من الشيشان. \r\n ولكن لا شيء مما ذكرنا آنفا يبرر ما حدث في بيسلان، غير ان هذه الحقائق تشير الى الكارثة الخفية التي تشهدها الشيشان والتي نتجت عنها مأساة بيسلان. والنقطة الأساسية هنا ان التغطية التلفزيونية لدينا لا تخصص ساعات للحديث عن تدمير الشيشان. وعلى العكس، فإن رد الفعل الغربي ازاء ازمة الشيشان تمثل في اللامبالاة. وفي آذار 2002 قال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عن الحكومة الروسية: «حسناً، لقد ظلوا يقومون باجراءاتهم للأسباب التي اوضحوها وبسبب الارهاب الذي نشره الشيشان. وقد ظللنا نطالب بضبط النفس في ما يتعلق بالاجراءات الروسية، ولكن هذا قتال مستمر، وهي حرب اهلية داخل روسيا». \r\n وروسيا بالطبع حليف رئيسي في حرب الغرب على الارهاب، وبوتين «واحد منا». وكالعادة، يتبع الاعلام الموقف الرسمي ويتعمد غض الطرف عن جرائم حلفائنا. وفي كتابه «السلطة والارهاب»، يقول المفكر الامريكي الشهير نعوم تشومسكي: «اذا عدّ المرء الجرائم، سيجد السجل مريعاً. ولكن هذا سجل جرائم اعدائنا فقط.. واما سجلنا والذي ربما كان اسوأ بكثير من سجل اعدائنا فهو لا يقع ضمن مجال رؤيتنا». \r\n العراق استخدام لفظة «إبادة» \r\n من المفيد ان نقارن ردة فعل سيمون تيسدال المتقدة حول احداث بيسلان بردة فعله إزاء قتل أوسع نطاقاً لأطفال العراق نتيجة للعقوبات الغربية. وفي مقالة نشرها في آب 2000 أشار تيسدال الى انه يعرف بعض الحقائق على الأقل. «فقد ذكر تقرير لليونيسيف نشر العام الماضي ان معدلات الوفيات وسط الاطفال الذين تقل اعمارهم عن خمس سنوات تضاعفت اكثر من مرة في مناطق كثيرة من العراق منذ عام 1990. ويقول العراق ذاته ان 5ر1 مليون عراقي منهم الشباب وكبار السن ماتوا نتيجة للعقوبات». \r\n وفي ايار 2000، اجريت مقابلة مع دينيس هاليداي منسق الأممالمتحدة السابق في العراق الذي بدأ برنامج النفط مقابل الغذاء والذي استقال عام 1998 بعد ان وصف سياسة العقوبات الغربية بأنها «إبادية» وفي ما يلي ما قاله لي: \r\n «لقد ظللت استخدم لفظة «إبادة» لأن هذه سياسة متعمدة للقضاء على شعب العراق. ولا أجد نفسي قادراً على اختيار وصف آخر في هذه المرحلة». \r\n وبالنسبة لخليفة هاليداي، هانز فون سبونيك، فقد استقال ايضاً من المنصب احتجاجاً وهو يتساءل: «حتى متى يتعين لسكان العراق المدنيين البقاء عرضة لتلك العقوبة عن جرم لم يرتكبوه قط؟». \r\n وقد قال لي هاليداي ان الاستقالات الاحتجاجية على هذا المستوى الرفيع في الأممالمتحدة لم تحدث من قبل. \r\n وفي مقالة خلال شهر شباط 2001 كتب تيسدال يقول: «ان العراق هو الضحية الأبرز للعقوبات التأديبية الشاملة التي تتزعم الولاياتالمتحدة تطبيقها (على الرغم من تخفيف العقوبات نسبياً خلال السنوات القليلة الماضية)». \r\n ولم تكن هناك اي اشارة في مقالته عن وفاة 000ر500 طفل تقل اعمارهم عن خمس سنوات والتي تتحمل حكومة تيسدال جزءاً كبيراً من المسؤولية فيها. وعلاوة على ذلك، فإن الحديث عن «تخفيف العقوبات خلال السنوات القليلة الماضية» تناقض بشدة مع التقرير الذي سبق له ان كتبه قبل ستة أشهر. \r\n وفي وقت لاحق من الشهر ذاته أورد تيسدال العقوبات في خطاب ساخر الى جورج بوش قال فيه: «ان تشهير الولاياتالمتحدة بصدام يثير استياء العرب الذين يعتقدون انك صديقهم الحميم الجديد». \r\n ومرة اخرى، لا ترد اشارة لموت المواليد الجماعي. واورد تيسدال اشارة عابرة اخرى للموضوع في تشرين الأول حين قال: «أدى انقضاء عشر سنوات من الاجراءات العسكرية المتقطعة والعقوبات الى فاقة ومعاناة هائلتين بالنسبة للعراقيين». ولكنه لم يورد اي تفاصيل. ولم يكن في مقالته أي انفعال او غضب او شجب للوحشية المريعة التي تنطوي عليها العقوبات. \r\n وبين 2002 و2004 اوردت صحيفة تيسدال، «الجارديان» التي تعد اكبر صحيفة يومية «ليبرالية» في بريطانيا، العراق في 996ر21 مقالة، ولكن لم يرد ذكر دينيس هاليداي سوى في 3 مقالات وهانز فون سبونيك في 13 مقالة من تلك المقالات. \r\n واذا كان قتل مئات الاطفال في بيسلان «خزياً وعاراً دولياً» فما الذي يمكن ان نقوله عن قتل مئات الآلاف من الاطفال العراقيين بالعقوبات؟ وما من شك في ان جواب الاعلام الرئيسي البريطاني هو: لا يمكن قول الكثير. \r\n واذا كان لنا ان نجد حلولاً، وان نتفادى حدود مذابح اخرى مماثلة لمذبحة بيسلان، يجب ان نجد اجابات تستند الى التعاطف مع الجميع. واما ان نحزن فقط على معاناتنا ونتناسى معاناة الاخرين على اساس انها ليست ذات صلة فهي ضمانة بأن نكون جميعاً عرضة للفجيعة. \r\n ميديا لينس \r\n