\r\n جون كيري الذي حقق بعد انعقاد حزبه الديمقراطي في نهاية شهر تموز الماضي قفزة كبيرة لصالحه في استفتاءات الرأي, اخفق على ما يبدو في المحافظة على هذا الزخم, بعد ان فقد او تخلى عنه اثنان من ابرز العاملين في حملته وهما جويل جونسون وجوي لوكهارت اللذين لعبا دوراً جوهرياً في ايصال الرئيس الامريكي الديمقراطي السابق بيل كلينتون الى كرسي الرئاسة في البيت الابيض. \r\n \r\n ولم يبق الى جانب كيري الان سوى صديقه وحليفه الموثوق به جون ساسو لكي يرافقه في رحلاته وسفراته الانتخابية القليلة المتبقية. \r\n \r\n والان وبعدما انتهت المؤتمرات السياسية, فان لدى الناخبين بعض الاسس لكي يحكموا من خلالها كيف يمكن للمرشحين المتنافسين ان يعالجوا القضايا والمشاكل الداخلية والخارجية الملحة وبخاصة ما يتعلق بالمسألة العراقية. غير ان ما تم سماعه حتى الان يؤكد بشكل قوي بأنه لم يعد هناك اي امل في ان تتحسن سياسات الولاياتالمتحدة الحافلة بالاخطاء. \r\n \r\n الرئيس بوش من جهته يتحمل المسؤولية الكبرى في ان يتحدث بشكل صريح وواضح ومباشر عن توجهات وسياسات ادارته تجاه العراق, باعتباره المسؤول الرئيسي عن التورط الامريكي في العراق, والمسؤول كذلك عن الاشهر القليلة المتبقية على موعد بدء انتخابات الرئاسة الامريكية. \r\n \r\n لقد قام بوش بربط حرب وغزو واحتلال العراق بهجمات الحادي عشر من ايلول وبالتهديدات المزعومة بأن يقوم صدام حسين بإعطاء اسلحة دمار شامل الى اولئك الذين قاموا بشن تلك الهجمات على نيويورك وواشنطن اي الى اعضاء في تنظيم القاعدة. ومرة اخرى اعاد بوش الى الاذهان الى ان احتمال وجود علاقة بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة, كان من وجهة نظره مبرراً كافياً للقيام بغزو العراق. وحيث تبين فيما بعد وعلى نطاق واسع عدم وجود اي نوع من العلاقة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة, وعدم توفر اي دليل على وجود اسلحة دمار شامل بحوزة ذلك النظام, فإن الشعب والرأي العام الامريكي لم يدركا المبرر الحقيقي لحرب العراق. ولكن حتى لو تم تجاهل الاسباب الحقيقية التي دفعت ادارة بوش الى الذهاب الى العراق فان ما هو مطلوب من الولاياتالمتحدة هو البحث عن روابط جديدة يمكن ان تكون قد تطورت بين العراق والارهاب منذ الحرب الامريكية على العراق. والى ان تستقر الاوضاع في العراق الجديد, فان تلك الروابط يمكن ان تزداد خطورة اذا ما استمر الوضع الامني والسياسي المتأزم على ما هو عليه الان. \r\n \r\n لقد كانت اقتراحات الرئيس بوش بجعل العراق اكثر امناً من خلال تشكيل جيش عراقي جديد يساعد العراقيين على تنظيم انتخابات عامة في عام 2005 وتحقيق الديمقراطية باسرع وقت ممكن. وقال بوش في هذا الصدد ان القوات الامريكية ستعود الى وطنها بعد استكمال المهمة التي جاءت من اجلها. \r\n \r\n والسؤال المثير للجدل والنقاش هو ما هو الشكل الذي ستكون عليه السياسة الخارجية للرئيس بوش اذا ما حقق الفوز بفترة رئاسية ثانية بعد ثلاث سنوات من الانتصارات الاولية التي حققتها ادارته في الحرب على الارهاب وغزوها العسكري الطويل الامد لكل من افغانستان والعراق, وبخاصة بعد ان اثارت الرغبة الدراماتيكية لدى المحافظين الجدد في البيت الابيض والبنتاغون والكونغرس في استخدام القوة العسكرية الكثير من الجدل. ولكن ومع الوضع السيىء في العراق بعد الحرب, هل يمكن القول ان الحماس قد بدأ يقل لدى الرئيس بوش وصقور ادارته ام ان فوزه بفترة رئاسية ثانية سيكون بمثابة تفويض له بالاستمرار?. \r\n \r\n بعض المراقبين والمحللين يرون انه مع استمرار سيطرة العنف الدامي في العراق على عناوين الصحف الامريكية وعلى شاشات التلفزة الامريكية, فان عناصر المحافظين الجدد في ادارة بوش وتفضيلهم لانتهاج سياسة خارجية هجومية باتوا يعانون من مواقف حرجة للغاية, ويقولون في هذا الخصوص ان بوش سيحوّل اهتماماته اذا ما فاز بفترة رئاسية ثانية الى اصلاح الضرر في علاقات بلاده الخارجية والتركيز على التواصل الدبلوماسي مع المجتمع الدولي. \r\n \r\n لكن اخرين, ينتمون الى مؤسسات امريكية محافظة, يشيرون الى ان شيئاً لم يتغير والى ان الغالبية العظمى من المحافظين الجدد ما زالوا في مناصبهم بالرغم من تراجع نشاطاتهم, وهذا ما يؤكده ايضاً البروفيسور, جون هولتسمان من مؤسسة التراث الامريكية للدراسات الاستراتيجية حيث يقول »ان هؤلاء المحافظين لا يمتلكون المال الكافي لفعل هذه الاشياء, ولهذا فربما يفوزون ويظلون مسيطرين, لكن هذه السيطرة تتركز على واقع يجعل من المستحيل عليهم ان يفعلوا ويحققوا كل ما يرغبون فعله«. \r\n \r\n ويضيف قائلاً, لكن هذا قد يكون محبطاً بالنسبة للكثير من المؤيدين للمحافظين الجدد الذين يرون ان هناك الكثير الذي ينبغي عليهم القيام به ويعتقدون في الوقت نفسه بأن ايران وكوريا الشمالية يمثلان على الارجح اكبر تهديدات للمصالح الامريكية في العالم. \r\n \r\n ويرى الخبير والباحث الامريكي غاري شميت الذي يتبنى وجهة نظر المحافظين الجدد بأن هناك ضرورة ملحة لاحراز تقدم ملحوظ وسريع على الصعيد الامني في العراق, ويعتقد بأنه اذا لم يطرأ اي تحسن للاوضاع الامنية العراقية فان الولاياتالمتحدة ستجد نفسها مضطرة للانسحاب من المستنقع العراقي وسيكون الامر مشابهاً الى حد كبير لما حدث في فيتنام وستكون تداعيات كبيرة على المستوى العالمي, الامر الذي يتطلب بالتالي حدوث نجاح في العراق من اجل استقرار الساحة العالمية, خاصة وان هدف نشر الحرية وارساء قواعد الديمقراطية في العراق في المقام الاول وفي منطقة الشرق الاوسط بشكل عام كان دائماً الحجة الرئيسية التي لجأ اليها بوش دائماً, واعتبار ما حصل في العراق نموذجاً ومثالاً بارزاً على ذلك. لكن كل هذه الطروحات والمبادرات لقيت استقبالاً فاتراً ومخيباً للآمال من جانب حلفاء واصدقاء الولاياتالمتحدة في المنطقة وبخاصة في الدول الرئيسية مثل السعودية ومصر. فمعظم هؤلاء الحلفاء والاصدقاء رأوا ان هذه الطروحات والمبادرات تشكل تدخلاً امريكياً سافراً ومباشراً وخطيراً في شؤونهم الداخلية وتزيد من نفوذ الجماعات المتشددة والمتطرفة وتصعد من ضغوطها على الانظمة الحاكمة في هذه الدول. \r\n \r\n ان مثل هذه السياسات الزائفة التي تحاول ادارة بوش فرضها بالقوة العسكرية على دول الشرق الاوسط ومن ضمنها العراق, هي التي اوقعت صقور ادارة بوش في بحر من المتاعب في العراق في المقام الاول. ولهذا فإنه اذا لم يتصرف بوش بصدق وبسرعة بشكل ايجابي وصادق ازاء العراق, فإن القوات الامريكية المرابطة في هذا البلد سيكون مصيرها في نهاية المطاف اما القتل او الطرد او الهروب او الاصابة بامراض عقلية ونفسية مزمنة, وهو ما عانى منه الجنود الامريكيون طويلاً ولا يزالون يعانون من مخلفات الحرب الفيتنامية. وسواء فاز بوش او كيري في الانتخابات الرئاسية القادمة, فان الخروج السريع من المستنقع العراقي يظل افضل الخيارات والحلول. \r\n \r\n »دير شبيغل« الالمانية