هل سيرد أوباما الفضل للعراق ومقاومته؟ د. عادل البياتي لعل فرحة العراقيين بفوز باراك أوباما واندحار حزب بوش ومرشحه، هي فرحة حقيقية لا تعادلها فرحة اخرى بين جميع أمم الارض بمن فيهم القوميات ذات البشرة السوداء التي عدت انتصار اوباما انتصارا لحقوق السود وهزيمة للتمييز العنصري، وبمن فيهم فرحة انصار الحزب الديمقراطي الذي يمثله باراك، فقد نقلت لنا الاخبار عن احتفالات عفوية وتظاهرات فرح غمرت الشارع العراقي، وتبادل الناس التهاني عبر هواتف الجوال. حيث صيغت الاشعار الشعبية ورسائل مخصصة لهذه المناسبة، ونقل مراسل صحفي من مدينة الفلوجة، التي لن تنسى وأهلها ولقرون قادمة، مافعله بوش بها من دمار وقتل واجرام يندى له جبين الانسانية، أهالي المدينة قاموا بتوزيع الاطعمة والمشروبات والحلوى ابتهاجا باندحار حزب بوش، واندفع ذوو شهداء معارك الفلوجة في تظاهرات فرحٍ بانهيار ما أسموه أسوأ نظام استبدادي دموي في العالم، كما نقلت الانباء عن احتفالات مماثلة في مدن عراقية كثيرة خصوصا تلك التي تعرضت لهجمات جيش بوش كالموصل والضلوعية والاعظمية وبعقوبة والكرخ والعامرية وغيرها. وبالرغم من ان جورج بوش كفرد لم يخسر الانتخابات لكنه خسرها معنويا بخسران حزبه لمقاعد كثيرة في الكونغرس، فضلا عن خسارة مرشح الحزب جون ماكين بكل ماتعنيه الكلمة من اندحار لمنهج بوش العدواني وسياساته التي عانى منها العراقيون ودفعوا بسببها انهارا من الدماء، وست سنوات عجاف من الالم والضياع وسفك الدماء وتخريب العراق. ورغم اقتناعنا بان امريكا دولة مؤسسات وليست مؤسسة فرد، إلا أنه لا احد يمكن ان يلوم العراقيين على فرحتهم باندحار منهج وافكار وسياسات وحزب بوش. بالتأكيد فإن انتخابات الرئاسة الامريكية لعام 2008 ستدخل التاريخ في انها أهم وأخطر انتخابات شهدتها أمريكا منذ العام 1963 الذي شهد اغتيال الرئيس الديمقراطي جون كندي الى يومنا الحالي، فالانتخابات الحالية جرت في ظل وضع جديد مؤدّاه ان موقع الولاياتالمتحدة في صدارة القوى العظمى العالمية الاولى امر تنتابه الكثير من الشكوك والتساؤلات والتحديات المصيرية الخطرة على اكثر من صعيد واتجاه، وأن الرئيس القادم جمهورياً كان ام ديمقراطياً سيجد نفسه غاطساً حتى أذنيه في بحار من الاخطار والتحديات الداخلية والخارجية التي تركها جورج دبليو بوش بسبب الاخطاء والانعطافات الكارثية الكبرى لهذا الرئيس عبر ثماني سنوات متواصلة من حكمه الفوضوي الضائع. وهذه حقيقة بدأ يعترف بها كبار المحللين والمنظرّين والسياسيين الامريكان أمثال: كولن باول، مادلين اولبرايت، بريجنسكي، ديفيد وولكر وغيرهم. ويكفي ان نشير إلى ماكتبه المفكر الامريكي ((فرانسز فوكوياما)) صاحب نظرية نهاية التاريخ الذي وصف مجموعة اليمين الامريكي الحاكم من كونهم "أطاحوا بقوة امريكا وهيبتها وأضاعوا النصر الكبير الذي حققناه طيلة قرن من الزمان على الشيوعية والنازية"... فالرئيس جورج بوش يعلم جيداً الان ان امريكا لم تعد تصدر الاوامر لينفذها الآخرون، ويعلم ايضاً ان روسيا والصين والهند واوروبا الموحدة لم تعد تنتظر هي الاخرى الموافقة الامريكية المسبقة حينما تحاول احدى هذه الدول ان تتخذ قراراً ستراتيجياً مهماً داخلياً ام خارجياً. ربما هناك عوامل كثيرة، داخلية وخارجية، ساعدت باراك اوباما على تحقيق الفوز، ليس لبشرته السوداء، ولا لمميزاته الذاتية وقابلياته الشخصية، بل لانه البديل الاوحد لأوحش سياسة امريكية خارجية، تبناها بوش وحزبه، ويقف في المقدمة من عوامل انتصار اوباما والديمقراطيين، سياسات بوش في العراق، وكانت قضية العراق هي التي قصمت ظهر (الفيل) الجمهوري الأهوج، فقد ادت سياسات بوش العدوانية النازية الى فقدان الولاياتالمتحدة للمليارات من الدولارات وللآلاف من الجنود الامريكيين، بفعل المقاومة العراقية التي اذاقت جيش بوش مرّ العلقم، ومرغت انوفهم في الوحل، فقد كان بوش يراهن على تحقيق نصر ساحق في العراق، يعزز به من "الروح الوطنية الامريكية!" ويرفع معنويات جنوده، خاصة وانه بشَّرَ الامريكيين بالامان والسلام والقضاء المبرم على الارهاب، والانتقام لشهداء 11 سبتمبر!!، وتحقيق النصر واعداً إياهم بان العراقيين سوف يستقبلون الجيش الامريكي بالورود وبالاحضان والقبل، لانه حررهم وسيقيم في بغداد أروع نظام ديمقراطي في العالم والمنطقة يكون درسا وعبرة لكل الشعوب المتطلعة الى الحرية، هكذا!!. لكن ما لاقاه ويتلقاه جنود بوش يوميا على يد العراقيين افقد الامريكيين كل ثقتهم في بوش ونظامه وحزبه، وكانت مراهنة اوباما على قضية العراق، التي تعني الكثير للناخب الامريكي الذي يطالب بحفظ وجه امريكا وحقن دماء ابنائها وسحبهم من ساحات معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وبعد ان كابر بوش وكذب على الشعب الامريكي مدعيا انتصارات زائفة ومكاسب لا وجود لها بالواقع، لذا فان وعود اوباما بسحب الجيش الامريكي من العراق، وفك الاشتباك، قد ناغت احلام الامريكيين وتطلعاتهم في الخلاص من المستنقع الذي اوقعت مغامرات بوش جيشهم فيه . صحيح ان هناك ازمات اخرى عصفت ببوش وحزبه وبخاصة على المستوى الداخلي، والازمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الامريكي وعرضته للخطر، وهي كلها نتاج سياسات الجمهوريين الهوجاء، إلا ان القضية الابرز التي كسب بها اوباما رهان معركة الانتخابات هي قضية العراق، وقضية سحب الجيش الامريكي من العراق. لو قدر لبوش عام 2003 ان ينتصر، ويقيم النظام الذي يريد في العراق دون معارضة او مقاومة، لو سارت الأمور بالطريقة التي أرادها المحافظون الجدد في العراق وافغانستان، أي استقرار سياسي وازدهار اقتصادي، وخنوع كامل من مواطني البلدين المستهدفين من قبل المشروع الأمريكي، ولو اتيحت الفرصة السانحة لبوش للتوسع في مشروعه، وسارت الأمور بالطريقة التي أرادها، وخطط لها هو والمحافظون الجدد، لاصبح وضعه ووضع حزبه في اعلى المراتب، و لما فاز أوباما ولما اتيحت له فرصة ولوج البيت الأبيض، لكن المقاومة العراقية التي فاجأت بوش ومرغت جيشه بالوحل، وافقدته سيطرته، وادت الى تخبط سياساته، وجعلت العالم ينظر للغطرسة الامريكية بمنظار الاستنكار والاستهجان، وشجعت اطرافا وقوى عديدة في العالم كي تنهض وتقف في وجه غطرسة بوش. إن المقاومة العراقية هي السبب الذى قاد امريكا نحو الافلاس الاخلاقي والمادى وجعل الشعب الامريكى يتوق الى التغيير. فالخسائر البشرية والمادية التي منيت بها امريكا من جراء غزوها العراق لا يمكن للشعب الامريكي ان يتحملها لسنوات اخرى، في ظل الازمة الاقتصادية العالمية التي كانت سياسات بوش الرعناء احد اسبابها، فالركود الاقتصادى والبطالة والانهيار المالي العالمي الحاصل حاليا كان الدافع القوي للشعب الامريكي لطلب التغيير واوباما هو الشخص المناسب لذلك، لان ماكين سيكون امتدادا لبوش سبب النكبات والمصائب التي حلت بالعالم اجمع. وفي الشأن العراقي أصبحت واشنطن تدرك حقيقة انها غير قادرة مطلقاً على تمرير اي اتفاقية مع الجانب العراقي ب ((مواصفات امريكية خالصة)) بل ان الاتفاقية الامنية المنتظرة في حالة تمريرها عراقياً سوف تكون ضعيفة ومهلهلة ومثقوبة من عدة جهات ستحتفل بها امريكيا كجزء من خطة حفظ ماء الوجه على أحسن تقدير فأمريكا باتت تدرك الان اكثر من اي وقت مضى بأن الملف العراقي برمته أصبح خارج نطاق السيطرة الامريكية. إن أوباما مدين للعراق، وللمقاومة العراقية بما تحقق له من فوز، وإن أمام اوباما التزام اخلاقي تجاه نفسه وحزبه وتجاه الشعب الامريكي والعالم في ان يفي بوعوده بشان العراق، وليعلم ان المقاومة التي ارغمت بوش على الاقرار بالهزيمة في العراق قادرة على الاستمرار والتواصل، وليس له الا انقاذ كرامة الامة الامريكية وسمعته الشخصية بتأمين انسحاب سريع من العراق، وترك العراق للعراقيين. ان اوباما والجماهير الامريكية التي انتخبته امام امتحان اخلاقي تأريخي، يتمثل باقرار حقيقة هزيمة مشروع الاحتلال الامريكي للعراق، ووجوب الاعتراف بحق الشعب العراقي في الحياة الحرة السعيدة، وتعويض العراق وطنا وشعبا عن مجمل الخسائر المادية والمعنوية والانسانية التي ألمت به نتيجة وحشية سياسة بوش. كما انها لحظة تاريخية تحمّل العراقيين كافة مسؤولية التقاطها عبر اقامة اوسع تحالف وطني عراقي مناهض للاحتلال والطغيان، ينبثق عنه مجلس انقاذ وطني قادر على ادارة البلاد في المرحلة الانتقالية بين انجاز الانسحاب والاعداد لانتخابات حرة باشراف الاممالمتحدة وجامعة الدول العربية، وخلال فترة لاتتجاوز العام الواحد، واملنا ان يكون العراقيون في مستوى التحدي والفرصة السانحة امامهم لتوحيد الصف وانقاذ البلد وقطف ثمار ستة اعوام من المقاومة والتصدي للمشروع الاحتلالي الاستعماري الذي اندحر وخاب بفعل ضربات المقاومة والرفض العراقي العام للاحتلال ومشاريعه ومنتجاته. عن صحيفة الراية القطرية 9/11/2008