\r\n لم يكن بريمر، 63 عاما، معروفا في مايو (ايار) 2003 عندما اختاره الرئيس بوش لأهم منصب تولاه أميركي في الخارج منذ سنوات ما بعد الحرب التي قضاها الجنرال دوغلاس ماك آرثر في اليابان. وقد تغيرت طريقته الهادئة في ديسمبر (كانون الاول) عندما دخل الى المركز الصحافي الأميركي وفاجأ العالم بكلماته «سيداتي، سادتي، لقد أمسكنا به !»، معلنا اعتقال صدام حسين. \r\n وأول من أمس بدا بريمر، الأنيق على الدوام الذي ما يزال يوائم بدلته مع حذائه العسكري وهو ما بات يميزه، باسما بينما كان يسلم المسؤولين العراقيين الملف الأزرق الذي يحتوي على الوثائق القانونية التي تؤكد نقل السيادة، وقال «انه من دواعي سروري البالغ أن أكون هنا في هذا اليوم لأسلم رسميا السيادة نيابة عن التحالف». وبعد ان انتهى من ذلك صعد الى طائرة هليكوبتر من طراز بلاك هوك ليبدأ رحلته الى خارج العراق، وفي نهاية المطاف الى بيته في فيرمونت، ليمارس هوايته المفضلة الا وهي تقديم دروس في الطبخ وتأليف كتاب عن تجربته في العراق. ويبدو ان على الاميركيين الذين يريدون معرفة خفايا الاحتلال الاميركي للعراق انتظار هذا الكتاب. وفي المقابلات التي أجريت معه، وبينها اثنتان مع «نيويورك تايمز» أواخر الأسبوع الماضي، بدا بريمر منكبا على تعزيز الثقة المتزايدة لكثيرين في العراق وفي الولاياتالمتحدة بأن المشروع الأميركي يمكن أن يتجاوز المقاومة ويؤدي الى اقامة عراق ديمقراطي مستقر. وظل هذا شعاره خلال الأشهر التي اشتدت فيها الحرب وواجه فيها الأميركيون المصاعب. \r\n ولكن على الرغم من تعبيره عن الاعتقاد بأن الأوضاع ستتحسن بعد أن بدأ العراقيون يحكمون بلادهم بأنفسهم، فان شيئا من القلق والحذر تجلى في نقاط عديدة في مقابلته، فقد قال «من الطبيعي أنه من الصعب معرفة المستقبل». \r\n ومن باب المفارقة فأنه عند الأخذ بالحسبان النقد الذي وجه الى بريمر على قراره الذي اتخذه في مايو (ايار) الماضي بحل جيش صدام حسين الذي كان يضم 400 ألف رجل، فانه عاد مرارا وتكرارا الى حاجة العراق الحاسمة لبناء قواته المسلحة. وهذا أمر ملح يدلل عليه السعي السريع الى بناء افواج الجيش الجديد وقوات الشرطة والدفاع المدني في مواجهة التحديات التي شهدتها الفلوجة ومدن أخرى في جنوب العراق. \r\n وقال بريمر «أعتقد اننا سننتصر في الحرب وسنحقق ذلك عندما يكون هناك عدد متزايد من العراقيين ممن يقاتلون، وعندما نتقدم باتجاه اقامة حكومة عراقية». ولكن عندما سئل عما اذا كان الالتزام العسكري الأميركي هنا يمكن أن ينتهي بانسحاب شبيه بالانسحاب من فيتنام أجاب «يمكنك بالتأكيد أن ترسم أي سيناريو تريد، أعتقد أن كل شيء سيعتمد على ما يحدث بشأن الأمن». \r\n والشيء المؤكد هو ان المؤرخين سيتحدثون بشكل ايجابي عن خدمة بريمر. كما انه غادر العراق حاملا معه احتراما كبيرا بين العراقيين العاديين، وهو أمر ليس قليلا اذا ما اخذنا بالحسبان ان استطلاعا أجرته صحيفة عراقية أخيرا اظهر ان ما يزيد على 80 في المائة من العراقيين ادانوا الاحتلال. فقد كان هناك اعجاب بشجاعته في المجازفة بالخروج من مقرات الاحتلال في المنطقة الخضراء ببغداد مواجها خطر الاغتيال الدائم. \r\n وقالت انعام عبد الواحد التي كانت تتناول الطعام مع ابنة أخيها في مطعم ببغداد «أشعر بالانزعاج حقا» عندما علمت أن بريمر غادر باستعجال حرمه حتى من توديع الناس عبر التلفزيون، وأضافت «لقد اصبح صديقا لنا، انه انسان لطيف حقا ووسيم. ونحن لا ننظر اليه كما ننظر الى المسؤولين العراقيين». \r\n وفي البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية التي عمل فيها كدبلوماسي لمدة 23 عاما وفي وزارة الدفاع حيث عينه وزير الدفاع من دونالد رامسفيلد حاكما اداريا للعراق، وكذلك بين القادة الميدانيين الأميركيين الذين أحبطهم حل الجيش العراقي وكانوا مستاءين مما اعتبروه تدخل بريمر في ادارة الحرب، فقد بريمر شعبيته تدريجيا بمرور الوقت. وعندما سئل بريمر في المقابلة عما اذا كان هناك أي شيء كان للولايات المتحدة أن تقوم به على نحو أفضل التف حول الموضوع ولكن بطريقة أشارت الى أن الانجاز الأميركي بأسره هنا قد اعتمد على افتراضات ساذجة حول حجم التحدي في فترة ما بعد الحرب أو على الأقل الفشل في الاستعداد لمواجهته على النحو المطلوب، وقال ان «الناس قالوا ان التخطيط لفترة ما بعد الحرب لم يكن ناجحا. أنا لا أعرف ذلك. كنت رجل أعمال حتى الى عشرة أيام قبل مجيئي الى هنا». \r\n وعندما ينظر الى الماضي يرغب بريمر في أن يذكر نقاده بما ورثه عندما وصل في أعقاب سلفه الذي عمل لفترة قصيرة جدا وهو الجنرال جاي غارنر الذي اقاله رامسفيلد بعد أقل من شهر في منصبه. وقال ملخصا تقدم الاحتلال في مارس (آذار) الماضي بعد عام من الغزو «كانت بغداد تحت النيران فعلا عندما كنت أخرج من المطار. لم تكن هناك اشارات مرور في الشوارع ولم تكن هناك كهرباء في أي مكان ولا انتاج للنفط ولا نشاط اقتصادي، ولم يكن هناك شرطي واحد في الواجب في أي مكان». واشار ايضا الى الانجازات : 100 ألف شرطي عادوا الى الخدمة، وتدفق الكهرباء، وفي بعض الأيام على أعلى المستويات التي عرفها العراق، وعودة انتاج النفط الى مستوياته في فترة ما قبل الحرب، وانخفاض مستوى البطالة الى ما يقرب من 20 في المائة حسب تقديرات سلطة الاحتلال، بالمقارنة مع 60 في المائة في اعقاب الغزو. \r\n \r\n * خدمة «نيويورك تايمز» خاص ب«الشرق الأوسط»