"إننا اليوم وقد صارت أمورنا بأيدينا، فقد وجب علينا أن نلقى أضواء على الحبشة.. وأن نوثق علاقات الإخاء والمودة بيننا وبين الشعب الذي تربطنا به أوثق الصلات منذ أبعد أعماق التاريخ".. هكذا قال - وهكذا كان يعتقد - الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في مقدمة كتاب "أضواء على الحبشة". لكن ، ربما حولت إثيوبيا مجرى "الصلات التاريخية" التي ذكرها عبد الناصر وبوصلتها من القاهرة إلى تل أبيب، لتصبح الدولة المزعومة أقرب إلى أديس أبابا في ظل غياب التواجد المصري. الحكومة الإثيوبية بدأت، بشكل مفاجئ، الثلاثاء، تحويل مجرى النيل الأزرق في إشارة لبداية العملية الفعلية لبناء سد النهضة .. وهو الأمر الذي لا تخفى فيه الأيادي الصهيونية. القرار الإثيوبي هو الأمر الذي دفع السفير عمر عامر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية إلى التأكيد على أن هناك لجنة ثلاثية تقوم بدراسة ما قدمته أثيوبيا من دراسات متعلقة ببناء سد النهضة، موضحًا أن اللجنة بصدد إصدار تقرير, وأن مؤسسة الرئاسة تنتظر الإنتهاء من التقرير للنظر في الخطوة القادمة التي سيتم إتخاذها. مع عبد الناصر بعد تولي الرئيس جمال عبد الناصر حكم مصر طالبت حركة تحرير إريتريا الاستقلال عن إثيوبيا، فقرر عبد الناصر التريث، ولم يقدم أي نوع من المساعدات العسكرية لثوار إريتريا، وكان موقفه ينبع من احترام وتأييد قرار الأممالمتحدة الصادر في ديسمبر 1950 والخاص بضم إريتريا إلى إثيوبيا في اتحاد فيدرالي وحرصًا على العلاقات مع إثيوبيا التي كانت في أوج قوتها في عهد الإمبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي. واستغل عبد الناصر التركيز على الجانب الديني في التعامل مع إثيوبيا، حيث كانت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، بل وكانت الكنيسة الأم في مصر ترسل القساوسة من مصر للعمل في الكنائس الإثيوبية، فضلاً على التركيز على الدعم التجاري والثقافي، وانتقال الخبراء المصريين في مختلف المجالات إلى إثيوبيا، وقد عبر عبد الناصر عن علاقات الود القائمة بين مصر والحبشة، بحيث لا يكون مثله بين الأخوين الشقيقين كما قال في مقدمة كتاب "أضواء على الحبشة". السادات وبداية الأزمة في عهد السادات ظهر التوتر في العلاقات المصرية الإثيوبية بسبب إريتريا بعد دعم الخرطوم لحركة تحرير إريتريا، ومساندة إثيوبيا لحركة جنوب السودان (أنيانا)، مما كان له التأثير السلبي على العلاقات المصرية الإثيوبية بعد إعلان الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقوفه إلى جانب السودان، وتوقيعه لمعاهدة الدفاع المشترك مع الخرطوم عام 1976، الأمر الذي أدى لتدهور العلاقات بين القاهرةوأديس أبابا، وازداد الأمر سوءًا عندما رفض السادات الحوار مع الوفد الإثيوبي الذي زار مصر في فبراير 1976، مؤكدًا ضرورة استقلال الشعب الإرتيري. وتصاعدت الأمور بتهديد الرئيس الإثيوبي "منجستو" بإمكان تحويل مجرى نهر النيل، في الوقت الذي وجه فيه السادات خطابًا حادًا إلى إثيوبيا، وأعلن أن مياه النيل خط أحمر مرتبط بالأمن القومي المصري، وأن المساس به يدفع مصر إلى التفكير في استخدام القوة المسلحة لضمان حقوقها. مبارك والقطيعة مع بداية عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك، بدأت مرحلة جديدة من العلاقات المصرية – الإثيوبية، وخفت حدة الخطاب السياسي بين البلدين، إلا أن محاولة اغتيال مبارك الفاشلة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995 كان سببًا في تحول العلاقة بين البلدين، فتوقفت أعمال المجلس المصري - الإثيوبي 17 عاماً كاملة، وتدهورت العلاقات بين مصر وإثيوبيا وهو ما تجلى في الخلاف بين دول المنبع ودول المصب لحوض نهر النيل، إذ قادت إثيوبيا وشجعت توجه دول المنبع إلى التوقيع منفردة على اتفاق لإعادة تقسيم مياه النيل، رغم اعتراض مصر والسودان، في اتفاق سمى باتفاق عنتيبي في 4 مايو 2010. حتى اتهم رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوى في عام 2010 مصر باحتمال لجوئها إلى العمل العسكري ضد بلاده بسبب الخلاف على مياه النيل، وإن مصر لا يمكنها أن تكسب حرباً مع إثيوبيا على مياه نهر النيل، وإنها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار البلاد، وهو الأمر الذي أثار دهشة القاهرة التي اعتبرت تلك الاتهامات عارية عن الصحة. وفق أهوائها .. دولة الاحتلال تكتب التاريخ تعود العلاقة بين إثيوبيا وإسرائيل كما تقول الأساطير الإفريقية - التي رسخها الكيان الصهيوني - منذ عهد النبي سليمان عليه السلام أي القرن الثالث قبل الميلاد، وحسب تلك الأساطير فإن للنبي سليمان ابنا من الملكة سبأ التي يسميها الأحباش "ماكدا" وهو جد الأحباش كما أنه هو مؤسس الإمبراطورية الحبشية، واسمه منليك الأول هو ابن ملكة سبأ والملك سليمان الذي هاجر من القدس إلى الهضبة الحبشية انتقل من يهوديته إلى المسيحية إلا أنه احتفظ بالكثير من الأيقونات والتمائم الثمينة، ولعل أهمها وعلى رأسها جميعاً التابوت الذي يعود إلى سيدنا موسى عليه السلام. تشير الأساطير الحبشية إلى أن الوصايا العشر مخبأة في جبال الحبشة وهذا ما أكده الكاتب البريطاني "غيرهام غرين"، إلى احتمال وجودها في أثيوبيا وعليه تخرج جميع كنائس الحبشة التابوب المزيف ويطاف به حول المدن الرئيسية وهي طقوس تمارس حتى اليوم. عند انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل في سويسرا لإنشاء وطن قومي يجمع شتات اليهود من جميع أنحاء العالم، فكر زعماء الصهيونية في مشروعات كثيرة لتحقيق هذا الحلم منها: استعمار أوغندا، وعندما انعقد المؤتمر الصهيوني الرابع عام 1903 في لندن قدم جوزيف شمبرلن وزير المستعمرات البريطاني مشروع تهويد أوغندا وقد أيد ذلك ثيودور هيرتسل زعيم الصهيونية آنذاك بالقول :"يجب أن تكون قاعدتنا فلسطين أو بالقرب منها، وسنستعمر أوغندا فيما بعد". الكيان الصهيوني يُعلن "الحرب المائية" كان رواد المشروع الصهيوني متيقظين منذ البداية إلى أهمية المياه في نجاح مشروعهم الاستيطاني في فلسطين واستمراره وشعارهم المعروف (حدودك يا إسرائيل من النيل إلي الفرات) يعني أن البعد المائي كان حاضراً في تكوين الأبعاد الجغرافية للمشروع باعتباره البعد الذي يتوقف نجاح المشروع واستمراره وازدهاره عليه ولذلك وضعت الحركة الصهيونية دائماً التحكم بمصادر المياه في أولوياتها إلى درجة عسكرة المياه وبعد أن نجح اليهود في تحقق هدفهم الأول وهو إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين شرعوا في السعي إلى تحقيق هدفهم الثاني وهو تعيين وترسيم حدود سياسية وقانونية لدولتهم تحوي ضمنها المناطق الغنية بموارد المياه. تعتبر إسرائيل علاقاتها حيوية مع الدول الإفريقية، ولن تفرط فيها وهي تعمل على تقويتها بتقديم المساعدات الفنية والعسكرية وتدريب الباحثين والخبراء من هذه الدول داخل إسرائيل خاصة في مجال الزراعة، وكذلك من خلال إرسال الخبراء الإسرائيليين إلى القارة الإفريقية مع توسع نطاق عمل رجال الأعمال الإسرائيليين. وكما ذكرنا أعلاه فإن إسرائيل ترمي من التغلغل في إفريقيا إلى تحقيق ما يلي : محاصرة الدول العربية وتأمين البحر الأحمر لصالحها والسيطرة على منابع النيل . الهجرة اليهودية، وربط الجاليات اليهودية في دول إفريقيا بإسرائيل وتأمين تلبية احتياجاتها من المواد الإستراتيجية وتوفير الأسواق للعمالة والخبرة والمنتج الإسرائيلي وتحقيق عمق استراتيجي للسياسة الدفاعية على الاتجاه الجنوبي. اختراق القيادات الإفريقية وذلك عن طريق خلق كوادر عسكرية تدين بالولاء لإسرائيل وتعمل في نفس الوقت على تحجيم النشاط العربي على هذا الاتجاه مع توفير مناخ يساهم في تشتيت الجهود العربية في مواجهة التحديات في الشرق الأوسط، مثل إثارة قضايا أمنية، ومشكلة المياه، والجزر بجنوب البحر الأحمر. محاولة الحصول على تسهيلات عسكرية في دول القارة الإفريقية كاستخدام القواعد الجوية والبحرية وقواعد التجسس. تطويق الدول العربية بحزام من الدول الإفريقية المناهضة مع التقليل من أي نفوذ عربي داخل القارة مستغلة في ذلك تعميق الخلافات العربية مع بعض دول إفريقيا.