لم تتوقف تحذيرات المسؤولين الأمريكيين التي صدعت أهل المشرق، من أن استخدام بشار الأسد للسلاح الكيماوي "خط أحمر" لا يمكن تجاوزه بأي حال. وقد تواترت الأدلة على استخدام الكيماوي في حلب وحمص وحماه؛ لكن الولاياتالمتحدة تعاملت معها بأسلوب التشكيك، رغم تأكيدات قادة جيش الاحتلال الصهيوني وتعاملت واشنطن بحذر مع تصريحات زعماء الدولة العبرية حول استخدام قوات بشار الاسد الاسلحة الكيماوية في حلب الشهر الماضي، وتساءلت عن الطريقة الغامضة التي توصلت بها تل أبيب إلى هذه الاستنتاجات. وقال رئيس البحث في الاستخبارات الصهيونية الجنرال ايتاي برون :"إن إسرائيل لديها الادلة الكافية عن استخدام أسلحة كيماوية، ومنها غاز السارين على الأقل؛ الأمر الذي أحرج إدارة أوباما وخطها الأحمر، فقام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالإيعاز إلى حلف الناتو بالاستعداد للتدخل حالة ثبوت استخدام الأسد لذلك السلاح". الأدلة الثابتة تم تهريب عينة تراب في عملية سرية من سوريا إلى بريطانيا، وتمت معاملتها في معهد بورتون داون في ويلتشاير حيث توصل الباحثون فيه إلى أن نوعا من الأسلحة الكيماوية تم استخدامه دون تحديد نوعيته. وقال مسؤول صهيوني إن فرنسا توصلت لنفس النتيجة وكذا مخابرات الدول المحيطة بسوريا. كشفت صحيفة "تايمز" البريطانية يوم الجمعة 26-4-2013 عن تسجيل مصور يمثل دليلا واضحا على أن قوات الأسد استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وتحديداً غاز "السارين" الذي ظهرت أعراضه لأول مرة على ضحايا تعرضت مناطقهم للقصف. وذكرت الصحيفة أن الضحايا الذين ظهروا في الفيديو هم عائلة ياسر يونس البالغ من العمر 27 عاماً، والذي يعمل ميكانيكي سيارات، ويسكن في مدينة حلب، حيث توفيت العائلة متأثرة بأعراض لا تظهر إلا على الذين استنشقوا غاز السارين السام والقاتل، بينما نجا هو من الموت. ويظهر في الفيديو نساء وأطفال وقد قضوا اختناقاً بعد استنشاقهم الغاز السام، ومن ثم ظهرت "رغوة" على أفواههم وأنوفهم، وهي أعراض تدل على أنهم توفوا متأثرين بالغاز اختناقاً، فيما لا يبدو على أجساد أي منهم أية آثار للرصاص، كما لا تبدو أية معالم عسكرية على الشاب ولا على عائلته. وبحسب الصحيفة التي انفردت بنشر الفيديو على موقعها الإلكتروني، واطلعت عليه "العربية.نت" بشكل كامل، فإن الأعراض التي ظهرت على الضحايا هي الشعور بوخزات في كافة أنحاء الجسم، ثم الهلوسة، ثم الاختناق، ومن ثم انتهى بهم الأمر إلى الوفاة. وتقول الصحيفة البريطانية إن النظام السوري استخدم هذا النوع من الأسلحة الكيماوية على نطاق ضيق حتى الآن وذلك من أجل اختبار "الخطوط الحمراء" التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما العام الماضي، ومن أجل اختبار ردود الفعل الدولية المفترضة على ذلك. في تقرير لصحيفة ديلي تلجراف قالت فيه إن طبيبا سوريا عالج ضحايا هجوم كيماوي على منطقة الشيخ مسعود في حلب حيث قال انهم عانوا من مشاكل في التنفس ومن حالات من التقيؤ وخرجت رغوة من افواه الضحايا. وقالت إن نيازي حبش قام بحقن المصابين بحقن من ‘الأتروبين' المضاد للغازات السامة، وبالاضافة للقتلى فقد أصاب الهجوم في 13 أبريل 2013 ما يزيد على 15 شخصا. وقال شهود إن الضحايا ظهرت عليهم أعراض الهجوم بعد أن ألقت طائرات الأسد حاويات انفجرت وغطت بقاياها مساحة واسعة في منطقة الشيخ زيد. ومع ان نيازي قام بإعطاء المصابين الحقن إلا أن غالبيتهم قضى نحبه بعد معاناة في التنفس، وأكدت الصحيفة أن هذا هو التقرير الرابع عن استخدام الأسلحة الكيماوية، فبعد دراسة شريط الفيديو الذي وضعه نيازي على صفحته في فيسبوك توصل الخبراء إلى أنه يشبه ما حدث في خان العسل في حلب قبل شهر. أكد هاميش دي بريتون جوردون وهو عسكري بريطاني متقاعد ومدير لمركز استشارات بيولوجية أن التفسير الوحيد للصور الملتقطة التي تظهر الضحايا وقد ظهرت الرغوة حول أنوفهم وأفواههم أن هناك نوع من الغازات السامة استخدم، وربما يكون غاز السارين على الأرجح. اعترافات نظام الأسد اعترف النظام للمرة الأولى بامتلاكه أسلحة كيمياوية وبيولوجية في يوليو 2012، عندما وقال إنه يمكن أن يلجأ لاستخدامه عندما يواجه هجوما خارجيا. وقد عاد لنفي مرة أخرى ليقول إنه لن يستخدم هذه الأسلحة لا ضد الشعب ولا حتى ضد الكيان الصهيوني. ويعتقد أن سوريا قامت منذ الثمانينيات بجهود لامتلاك أسلحة كيمياوية، خاصة بعد هزائمها المتكررة من قبل إسرائيل التي يعتقد أنها طورت أسلحة نووية. وحسب منظمة السلامة الدولية التي تجمع التقارير الاستخبارية المنشورة والمعلومات، فإن سوريا تمتلك أربعة مواقع يعتقد أن فيها أسلحة كيمياوية أحدها قريب من دمشق شمالها والثاني قرب المدينة الصناعية بحمص والثالث بحماة، ويعتقد أنه ينتج غاز الأعصاب (في إكس) بالإضافة إلى السارين والتابون، وموقع رابع قرب ميناء اللاذقية. ما هو غاز السارين القاتل؟ بعرف اختصارا ب (جي بي) وهو أحد غازات الأعصاب الصناعية، وقد استعمل هذا الغاز منذ 1938 في ألمانيا لقتل الحشرات. وهو مشابه لمجموعة من مضادات الحشرات المعروفة بالعضوية الفوسفاتية، تم تطويره أثناء الحرب العالمية الثانية، واكتسب اسمه من اسم العالم الألماني الذي طوره. ومن نفس المجموعة تابون وسومان وسيكلوسارين. وتعد هذه المجموعة من الغازات الطيارة التي تتحول إلى سائل في درجة حرارة غرفة طبيعية، غير أن غاز السارين هو أخفها. لونه ومواصفاته السارين الصافي عندما يكون سائلا يكون عديم اللون والطعم والرائحة، وهو خليط من أربعة عناصر كيمياوية هي دميثيل مثيلفوسفات وفوسفوروس تركلوريد وفلوريد سوديوم والكحول. ويكون تأثيره عادة عند ملامسة السائل للجلد أو عندما يطلق على شكل بخار. أين سبق استخدامه؟ يعتقد أن غازات الأعصاب عموما استخدمت في الحرب أثناء الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات، وقد استعملت السارين خاصة طائفة أوم شنركيو اليابانية في هجومين، أولهما عام 1994 وقتل فيه ثمانية أشخاص وقتل 12 في الثاني عام 1995. كيف يفتك السارين بالضحايا؟ يؤثر السارين في البداية عندما يتداخل مع المحول العصبي الذي يشكل وصلة الربط بين الغدد والعضلات، إذ يعطل هذا المحول فتصبح العضلات تحت تنبيه فوق العادة. وتخضع نسبة التسمم لمقدار الغاز الذي يتعرض له الشخص ولمدة تعرضه له. ويمكن أن يظهر تأثير بخار السارين بعد ثوان، في حين لا يظهر تأثير السارين السائل إلا بعد عدة دقائق، بل إنه قد لا يظهر إلا بعد ساعات قد تصل إلى 18 ساعة. ويمكن لجرعة كبيرة من السارين أن تؤدي إلى فقدان الوعي والتشنج والشلل والعجز عن التنفس فالوفاة، أما الجرعة الخفيفة فيمكن أن تؤدي إلى مجموعة من الأعراض تتدرج من سيلان الأنف والدموع إلى الهذيان والتعرق الزائد إلى الدوار والتقيؤ. ويعد السارين تهديدا خطيرا ولكن قصير الأجل لأنه سريع التبخر، ولهذا السبب أيضا فهو صعب التتبع، ولكنه يترك آثارا تبقى في المكان الذي أطلق فيه، حسب سين كوفمان من مركز الصحة العمومية بجامعة إموري. صعوبة إثبات السارين ويقول المحققون إن إثبات استخدام السارين أمر صعب، لأنه يتطلب وجود عينات من التربة أو الشعر أو الدماء من مكان الهجوم أو المصابين فيه.