هل تتنافر الأخلاق الحميدة مع السياسة؟ هنا في مصر تستطيع بملء الفم أن تجيب على السؤال السابق ب "نعم"، فسحقاً لتلك السياسة التي يتناحر فيها من يطلق عليهم "النخبة السياسية" على حساب دماء شباب أبرياء يدفعون ثمن الصراع السياسي، فيما يظل الذين يؤججون نيران الفتنة سالمين، يذرفون دموع تماسيح مصطنعة بينما تنشغل قلوبهم بشهوة البحث والتشبث بالسلطة. لا أستثني أحدا في تحمل وزر مقتل الشابين جابر صلاح وإسلام مسعود، ومئات الأبرياء الذين دهستهم عجلة السياسة بلا رحمة، شباب في مقتبل العمر شاء قدرهم أن يقودهم ساسة لا يعرفون الشفقة، يجلسون في مقاعدهم الوثيرة، أو يقومون بالمشاركة في مظاهرات أشبه بمسرحيات تمثيلية، تتحول في النهاية إلى واقع أليم، النخبة هم من يحصدون تورتة الثورات، والشعب هو من يدفع الفواتير الملطخة بالدماء. قُتل إسلام مسعود في اشتباكات بين الأهالي وأعضاء الإخوان بميدان الساعة في دمنهور، بعد أن قام المئات من أهالي دمنهور بتنظيم مسيرة بدأت من منطقة شبرا، وهم يحملون الشوم، إلى أن وصلت إلى ميدان الساعة، وتوجهوا إلى مقر الجماعة المطل على الميدان، وحدثت اشتباكات توفي على أثرها الشاب وأصيب 25 آخرون، حيث استقبلت مشرحة مستشفى دمنهور جثة إسلام فتحي مسعود، 15 عامًا، مصابة بجرح في الرأس نتيجة إلقاء الحجارة. وتم الإعلان الرسمي عن مقتل الشاب جابر صلاح الشهير ب "جيكا"، الذي كان قد أصيب بالرصاص الرش فى رأسه ورقبته، وتم نقله إلى مستشفى القصر العيني في الاشتباكات التى وقعت أثناء الاحتفال بذكرى أحداث محمد محمود. الغاية تبرر الوسيلة لماذا تنتهج النخبة المصرية مبدأ الفيلسوف الإيطالي نيكولا مكيافيللي الذي يرى ضرورة الفصل بين الأخلاق والعمل السياسي، ويؤمن بأن السياسة ترتبط باستخدام المكر والخداع، وهو صاحب المقولة الشهيرة الفاسدة "الغاية تبرر الوسيلة"،لماذا تحتذي تلك النخبة بالأفكار المسمومة التي سار عليها الألماني نيتشة والإنجليزي توماس هوبز اللذين نصحا بعدم الاكتراث بالأخلاق إذا تعارضت مع المصالح. غدا الثلاثاء حشد هؤلاء النخب مئات الألوف من الشباب، في التحرير وأمام جامعة القاهرة، وربما تمتد التظاهرات الغاضبة في شتى أرجاء مصرنا الحبيبة التي أنعم الله عليها بالأمان، لكن يأبى هؤلاء الانتهازيون إلا أن تتحول البلاد إلى بركة من الدماء. القرآن والسنة ولا أرى ختاماً أفضل من الاستشهاد ببعض الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحظر سفك الدماء، وتعتبرها أبشع جريمة يمكن أن يقدم عليها إنسان: قال الله تعالى :"من أجْلِ ذلك كتبنا على بني إسرائِيلَ أنَّه من قتلَ نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنَّما قتلَ النَّاس جميعاً ومن أحياها فكأنَّما أحيا النَّاسَ جميعاً ولقد جاءتهُم رسُلُنا بالبيِّناتِ ثمَّ إنَّ كثيراً منهُم بعد ذلك في الأرض لمسرِفون". وقال تعالى :"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً". قال الله تعالى :"والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا". قال الله تعالى :"ولا تقتلوا النَّفسَ الَّتي حرَّمَ الله إلاَّ بالحقِّ ومن قُتِلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليِّه سُلطاناً فلا يُسْرِفْ في القتلِ إنَّه كان منصوراً". قال الله تعالى :"ومن يَقْتُلْ مؤمناً متعمِّداً فجزاؤهُ جهنَّمُ خالداً فيها وغَضِبَ الله عليه ولعنَهُ وأعدَّ له عذاباً عظيماً". عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) رواه البخاري ومسلم قال الشوكاني رحمه الله : ( ففي هذا الحديث تغليظ أمر الدماء وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، وذلك لعظم أمرها وشدة خطره) قال ابن حجر رحمه الله : ( في الحديث عظم أمر الدم. فإن البداءة إنما تكون بالأهم. والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة. وإعدام البنية الإنسانية غاية في ذلك) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يزال المؤمن في فُسْحةٍ من دينه ما لم يُصب دماً حراماً" رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه). وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار». قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتْل مؤمنٍ بغير حق" رواه ابن ماجة وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ( ألا أي شهر تعلمونه أعظم حُرمة ؟ قالوا ألا شهرنا هذا.قال: ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا بلدنا هذا. قال: ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا. قال: فإن الله تبارك وتعالى قد حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرْمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا. ألا هل بلغت ثلاثاً؟ كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. قال: ويحكم، أو ويلكم! لا ترجعنّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) رواه البخاري ومسلم قال أسامة بن زيد ( بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، قال : فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله. فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته. فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي : يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قلت: يا رسول الله ، إنما كان متعوذاً قال : أقتلته بعد ما قال لا إلا الله؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ) رواه البخاري.