سنودس النيل الإنجيلي يستقبل مطران الكنيسة اللوثرية بالأردن والأراضي المقدسة    رئيس جامعة سوهاج يشهد حفل تخرج الدفعة الثالثة من الفريق البحثي لطلاب كلية العلوم    تثبيت أم تخفيض سعر الفائدة؟ خبير يكشف اتجاه البنك المركزي (فيديو)    إيطاليا تحتفل بيوم الغذاء العالمي    واشنطن تطالب إسرائيل بإثبات عدم اتباع سياسة التجويع في غزة    بتكلفة 190 مليون جنيه، أشرف صبحي يشهد التشغيل التجريبي ل مركز شباب الجزيرة 2    نبروه يقيل جهازه الفني عقب جولتين فقط من دوري القسم الثاني ب    البنك الأهلى يفوز على طلائع الجيش وديا استعدادًا للموسم الجديد (صور)    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الخميس 17-10-2024    مصرع طفلين وإصابة 4 آخرين فى حادث تصادم بالشرقية    آية سماحة تتهم كلية طب بيطرى جامعة القاهرة بتعذيب الحيوانات    قبة الغوري تستضيف فرقة "الحضرة المصرية" الجمعة    أكثر الثعابين سمية في العالم، هندي يذهب للمستشفى حاملا أفعى سامة لدغته    أسباب تكرار الرشح عند الأطفال وعدم شفائه    يعاني مشاكل كبيرة بالفك، فيتو تحصل على التقرير الطبي للحالة الصحية ل أحمد سعد (مستند)    محافظ الدقهلية: معاينة مواقع تنفيذ 15 مشروعا لخدمة الإنتاج الزراعي والداجني    رئيس جامعة بنها يكرم الطلاب الفائزين والمتميزين في الألعاب الرياضية    نائب محافظ قنا يتفقد أنشطة مبادرة "بداية جديدة" بقرية أبودياب    اتفاقيات تعاون تمهيدا لتشغيل خط الرورو بميناء دمياط    «الري» و«إدارة المياه» يبحثان دعم «التكيف مع التغيرات المناخية»    4 ظواهر جوية تضرب البلاد خلال ال72 ساعة المقبلة.. اعرف حالة الطقس    «يونيفيل»: ليس لدينا أي نية للانسحاب من الجنوب اللبناني    السيسي يشهد أداء حسن محمود رشاد اليمين القانونية رئيسا للمخابرات العامة    الرقابة المالية: نعمل على تطوير حلول تأمينية تناسب احتياجات المزارعين    مصطفى مدبولي: المتحف المصري الكبير هدية للعالم ويسهم في جذب السياح    «الأسد» يستمتع بدبي.. إلى أي مدينة تسافر حسب برجك؟    محطة قطارات الصعيد الجديدة.. هل تكون نواة لمشروعات جديدة مستقبلًا | خاص    وزير الشباب الرياضة يشهد توقيع بروتوكول تعاون بين مركز التنمية الشبابية و ادفانسد أكاديمي (صور)    حملات تفتيشية مكثفة تضبط 7 آلاف قضية سرقة كهرباء و435 قضية ضرائب    دوري أبطال إفريقيا - هوبير فيلود مدربا جديدا للجيش الملكي    فيلم بنسيون دلال يحقق مليون و243 ألف جنيه في أول أسبوع عرض    زيلينسكي: "خطة النصر" الأوكرانية تتضمن الانضمام للناتو    ماس كهربائي وراء نشوب حريق ورشة بمنطقة بولاق الدكرور    كل أشكال المخدرات.. تطورات جديدة ضد 3 عناصر إجرامية في السلام    توتر وإحراج.. قصة رفض نيكول كيدمان التقاط صورة مع سلمى حايك    عاجل.. الأهلي يقرر تجديد عقود 3 لاعبين    الوطني الفلسطيني: تصريحات وزيرة خارجية ألمانيا خروج عن القيم الإنسانية وشرعنة للإبادة الجماعية    تعليم الأقصر يشارك في المبادرة الرئاسية «بداية»    طب أسيوط تنظم المؤتمر السنوي الرابع لقسم الأمراض الباطنة والكُلى    قبل الشتاء.. كيفية حماية طفلك من الأمراض المعدية    وزيرة التضامن تقرر تشكيل لجنة لتطوير الوحدات الاجتماعية بالجمهورية    إعدام 15 طن أسمدة مغشوشة وضبط 5 أطنان فول صويا يشتبه فى صلاحيتها بالغربية    برغم القانون الحلقة 24.. تقرير الطب الشرعي يثبت عدم نسب الأبناء لأكرم    حكم إخراج الزكاة على ذهب المرأة المستعمل للزينة.. الإفتاء تجيب    الأزهر للفتوى محذرا من تطبيقات المراهنات الإلكترونية: قمار محرم    يويفا يكشف موعد قرعة تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم 2026    نائب وزير الإسكان يبحث مع شركة عالمية توطين صناعة المهمات الكهروميكانيكية    عاجل - الحكومة توافق على تعديل تنظيم هيئة الطرق والكباري لتعزيز تنفيذ المشروعات القومية    علي ماهر يطمئن على خالد صبحي بعد إصابته مع المنتخب في مواجهة موريتانيا    المستشار الألماني: لن نقبل بأن تهاجم إيران إسرائيل بالصواريخ وطهران تلعب بالنار    عضو لجنة الفتوى بالأزهر يوضح صيغة دعاء نهى النبي عنها.. احذر ترديدها    الولايات المتحدة لا تزال أكبر سوق تصدير للاقتصاد الألماني    تهديد الأمن الإقليمى    دقيقة حداد بمدرسة صلاح نسيم في السويس على أرواح ضحايا حادث الجلالة    أبرزها تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية.. نتائج زيارة ولي عهد السعودية لمصر    «نعمة الماء» من خلال ندوات برنامج المنبر الثابت بمساجد سيناء    البرازيل تسحق بيرو برباعية وتقترب من التأهل إلى مونديال 2026    الإفتاء: الأمن فى القرآن ذكر فى الجنة والحرم ومصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهيد القائد ميسرة أبو حمدية
نشر في الشعب يوم 06 - 04 - 2013

قليلون أولئك القادة الميدانيون الذين تُعرَف أعمالهم وإنجازاتهم أو صفاتهم القيادية في حياتهم، فيُعرَفون بعد استشهادهم، وإذا بقلوب الشعب تُفتح لهم، ويصبحون قدوة للأجيال الصاعدة.
ولكن حتى بعد استشهادهم لا تُكشَف كل إنجازاتهم ومآثرهم وذلك لتستمرّ بعدهم كأنهم باقون في إخوانهم الذين يواصلون الدرب. فتأثير الشهيد في شعبه وإخوانه وفي الشباب يخفف من الخسارة والفقدان، ويعزي النفوس ويضمن استمرار القضية التي سقطوا شهداء من أجلها.
ميسرة أبو حمدية أبو سنينة «أبو طارق» من القادة الميدانيين الذين عملوا بتفانٍ ونكرانٍ للذات ولاذوا بالصمت، ولم يشعر بعظمتهم إلاّ من كانوا يعملون معهم. وهؤلاء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وهم الآن يملؤهم الحزن والأسى لفقدان أبي طارق، وقد زادوا تصميماً على مواصلة الدرب.
عندما كان ميسرة في ريعان الشباب كان الذكاء يشعّ من عينيه، ويقفز من أسئلته، ويتجلى في ما يطرح من آراء؛ فالعين ما كانت لتخطئ وهي تنظر إليه بأنها أمام قائد واعد ومناضل صلب، ومنظِّم مؤثِّر، وقدوة مُلهِمة.
بعد أن أُبْعِدَ ميسرة عام 1978 إثر مرحلة قضاها في العمل السري، ونجح في امتحان الصمود تحت التعذيب وفي الانفرادية ووراء القضبان، انضم في العمل مع أبي حسن وحمدي، وراح في لقاءاته مع إخوانه في الخارج يناقش حول القضايا الفكرية والنظرية والسياسية وتقديرات الموقف. فقد كان مهتماً بهذه القضايا حتى تحسبه مثقفاً أو باحثاً لا علاقة له بالعمل الميداني، وأيّ عملٍ ميداني، وأن هذه السمة تكون نادرة بين المنشغلين بالعمل السرّي والتنظيمي والتدريبي وإعداد الكوادر، ولكنها كانت سمة بارزة عند ميسرة، وقد عزّزتها علاقاته بأبي حسن محمد محمد بحيص وحمدي (باسم التميمي) وثلة من إخوانهم الذين استشهدوا من قبلهم أو من بعدهم. وها هو ذا ميسرة «أبو طارق» يلحق بهم شهيداً بعد أن كان شريكاً فذاً في العمل في الأرض المحتلة، مع أبي حسن وحمدي، وقد أسهم في الربط بين المبدأ والسياسة والفكر والعمل الميداني، كما فعل الشهيد سعد جرادات قائد السريّة الطلابية.
كان لميسرة «أبو طارق» دورٌ هام في المرحلة التي عمل فيها هو وأبو حسن وحمدي يداً بيد في تأجيج المقاومة في الأرض المحتلة، وفي بث الروح الجهادية الإسلامية إلى جانب الروح القتالية الفتحاوية في مرحلة الثمانينيات، بعد أن كانت ظروف خروج م.ت.ف من بيروت قد أحدثت نكسة في عمل فصائلها داخل الأرض المحتلة، فكان من المؤسّسين للمقاومة التي أطلقتها سرايا الجهاد الإسلامي.
على أن استشهاد أبي حسن وحمدي ومروان كيالي في ليماسول في قبرص عام 1988 أشعر ميسرة بمسؤولية أكبر لمواصلة الدرب مع ثلة من إخوانه، الذين عكس ذلك الاستشهاد في أنفسهم شعوراً بعظم المسؤولية، وبضرورة دفع الانتفاضة الأولى إلى أمام، كما تطوير المقاومة المستجدة لا سيما بعد اتفاقية أوسلو الذي أعلنت فصائل م.ت.ف إلقاء السلاح بناءً على بعض شروطها، فضلاً عن انتقالها إلى استراتيجية تتناقض كلياً مع منطلقات فتح.
لقد عمد ميسرة إلى توثيق العلاقات بحركة حماس منذ 1989، مدرباً وناقلاً لتجارب المقاومة، وسعى لتوسيع جبهة المقاومة مع الاحتفاظ بروح المقاومة على مستوى فصائل المقاومة على مستوى م.ت.ف. وحافظ على هذا النهج بعد اتفاق أوسلو الذي رفضه، واعتبره ضربة قاسية نزلت بفتح وبالقضية الفلسطينية. ولكنه بعد فترة ارتأى أن يستغل إمكان الدخول إلى الأرض المحتلة، وفي ذهنه أن يصبح أقرب للعمل المقاوم لا أن يضع نفسه في ركاب اتفاق أوسلو وتداعياته السياسية.
وهذا الرأي أخذ به أَخَوان آخران له هما: جهاد العمارين، ومروان زلوم. ولكن هذا الرأي كان مدعاة لخلافية داخلية بين أبناء التيار الذي أسّسه أبو حسن قاسم وحمدي وسعد، والخلافية كانت حول مدى إمكان أن تواصِل المقاومة في ظل اتفاق أوسلو والسياسات الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادة فتح، وذلك حين يُصار إلى الانخراط في أجهزة السلطة التي ستتشكل لقمع المقاومة المسلحة.
كثيرون من أبناء فتح الذين عادوا من الخارج إلى الأرض المحتلة تحت مظلة أوسلو، راحوا يسوّغون ذلك ليس من خلال قناعة بالاتفاق وإنما من أجل المقاومة من الداخل، ومن وراء ظهر السلطة. لكن الأغلبية أصبحت أسيرة أجهزة السلطة السياسية والعسكرية، ولم يشذ إلاّ قلّة كان في مقدّمهم جهاد العمارين ومروان زلوم وميسرة أبو حمدية الذين أسّسوا بدايات انطلاق كتائب شهداء الأقصى؛ إذ حافظوا على عهدهم مع أنفسهم بأن يواصلوا طريق المقاومة، فكانت لكل منهم قصته ومأثرته التي حوّلته إلى منارة مقاومة راحت تضيء الظلام الذي أرساه اتفاق أوسلو مشوِّهاً تاريخ فتح في إطلاق الكفاح المسلح، وتثبيت هدف تحرير كامل التراب الفلسطيني.
أما قصة ميسرة فكانت دوره السرّي في التدريب وتصنيع المتفجرات وتهيئة كوادر المقاومة من أبناء فتح الذين انضموا إلى كتائب شهداء الأقصى ومن أبناء حركة حماس. فأبو طارق كان من أوائل الذين أدركوا أهمية دعم حركة حماس وحركة الجهاد، إلى جانب العمل لاستعادة أبناء من فتح لدورهم المقاوم. ولهذا عندما اعتقل عام 2002 وعُذِّب وصدر ضده حكم بالسجن 25 عاماً، ثم حُوِّل إلى مؤبد، كان من بين التهم تدريبه مقاومين من حركة حماس.
عند هذا الحدّ يجب أن يُذكَر للحقيقة التاريخية أن ولادة كتائب شهداء الأقصى المتناقضة 180 درجة مع اتفاق أوسلو، ما كانت لتحصل لولا الدعم الخفي الذي قدّمه الرئيس ياسر عرفات، والذي أوصل إلى حصاره والتحريض ضده داخل فتح وم.ت.ف ثم اغتياله ليسقط شهيداً على يد حكومة شارون.
هذا التحوّل جاء بسبب تهاوي الكثير من الأوهام التي سوّغت اتفاق أوسلو كما بسبب استمرار المقاومة من خلال حركتي حماس والجهاد، وقد تعرضتا للقمع والتنكيل من قبل أجهزة السلطة كما للقتل من قبل العدو الصهيوني. ولكن جاء اندلاع الانتفاضة الشعبية الثانية ليُعطي زخماً أكبر لتصعيد المقاومة وسقوط اتفاق أوسلو عملياً، وهو ما يُسجَّل لعرفات قبل استشهاده.
فهذه الظروف هي التي أفاد منها الشهداء الثلاثة مروان زلوم وجهاد العمارين وميسرة أبو حمدية، وهي التي لم تكن في حسابات اتفاق أوسلو؛ بدليل معارضة محمود عباس وعدد من قيادات وكوادر فتح وم.ت.ف ياسر عرفات، واستمساكهم باستراتيجية التسوية والمفاوضات وتوقيعهم الاتفاق الأمني، وتسليم دايتون بناء أجهزة أمنية على قياس أمريكي- صهيوني، ودعمهم حكومة سلام فياض التي وُجِدَت لتنفيذ الاتفاق الأمني وقمع المقاومة، أو أية محاولة لانتفاضة ثالثة.
وإذا كان جهاد العمارين ومروان زلوم قد استشهدا في ميدان القتال، فإن ميسرة الذي أُسِرَ أكمل الطريق نفسه في رفع معنويات الأسرى وتوحيد صفوفهم، والسعي في السنة الأخيرة لنقل قضيتهم إلى قضية انتفاضة شعبية ثالثة؛ باعتبارها الأسلوب الثاني إلى جانب أسر أفراد من جيش العدو يسمح بإطلاق سراحهم، وحتى فرض تبييض السجون ودحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات.
هذه الرسالة الأخيرة هي التي تركها ميسرة للشعب الفلسطيني، وفي أعناق فصائل المقاومة جميعاً. وقد سعى داخل السجن أن يوحّد موقف الأسرى من فتح والجهاد وحماس، ليتحدّوا ويجعلوا قضية الأسرى تتجاوز ما عُرِفَ بحقوق السجين، أو لتلبية مطالب الأبطال الذين خاضوا معركة الإمعاء الخاوية على الرغم من عدالة القضيتين.
نعم، يجب أن توضع قضية تحرير الأسرى من خلال انتفاضة شعبية جنباً إلى جنب مع قضايا دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات، واستنقاذ القدس من التهويد. وهي الرسالة نفسها التي تركها استشهاد عرفات جرادات تحت التعذيب، ويحملها الأبطال الذين خاضوا معركة الإضراب الأسطوري عن الطعام بأمعاء خاوية وأجساد متداعية.
أسلوبان أو طريقان لا ثالث لهما يمكن أن يُطلقا الأسرى: الأول مجرّب وهو التبادل بأسرى للعدو. والثاني جاء أوانه مع ما حدث من تغيير في ميزان القوى والظروف الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية في غير مصلحة الكيان الصهيوني، وذلك بإطلاق انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية لا تستطيع احتمالها حكومة نتنياهو وإدارة أوباما. ولهذا جاء أوباما ليضغط ويُغري بدفع الرواتب، مقابل أن تقف سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية في وجه اندلاع الانتفاضة الثالثة.
وبكلمة.. لا نصرة حقيقية للأسير ووفاء للشهداء في هذه المرحلة غير الانتفاضة، ولا دحر للاحتلال، ولا تفكيك للمستوطنات، ولا إنقاذ للقدس والمسجد الأقصى إلاّ بالانتفاضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.