من مخيم اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد الي المسجد الاحمر في اسلام آباد
تقول وسائل الاعلام ان الجيش الباكستاني سيطر في 11 تموز (يوليو) الجاري، بعد عمليات حربية تميزت بضراوتها وبدمويتها، علي المسجد الاحمر في اسلام اباد العاصمة، وان السلطات الباكستانية تحاول التاكد من هوية الجثث التي وجدت تحت الانقاض لمعرفة ما اذا كان من بينها جثث لعناصر اجنبية. وان الرئيس الباكستاني اعلن عقب انتهاء المعارك، عن تصميمه علي تطهير بلاده من التطرف والارهاب ، لا سيما المناطق القبلية المحاذية لافغانستان. وكانه بذلك اراد اضافة دليل جديد علي انخراطه في المشروع الامريكي من افغانستان الي تطبيع العلاقات مع دولة المستعمِرين الاسرائيليين. ولكن يبدو ان انجازات هذا الرئيس ما زالت دون المستوي المطلوب. فقد افادت صحيفة Le Monde الفرنسية في عددها الصادر في 14 تموز الجاري (ص 4)، نقلا عن وكالات الانباء، بان نوابا جمهوريين في الولاياتالمتحدة شكّكوا في قدراته علي مقاومة الارهاب دون تعريض الديمقراطية للخطر، فهو في نظرهم لا يستحق الدعم المطلق الذي يلقاه من ادارة بوش. هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فان الصحيفة الفرنسية ذاتها اوردت ايضاً (ص 4) خبراً عن تجدد القتال واحتدامه في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد. وهو تطور يشكل، كما جاء علي لسان ضابط في الجيش اللبناني خطوة اولي نحو المعركة النهائية ضد الجماعة الارهابية التي يرفض اعضاؤها الاستسلام للجيش . من الطبيعي هنا ان يتنازع المرء َ، ميلٌ الي المقارنة بين الواقعتين. اذ لا مفرّ من التساؤل عن طبيعة هذه الحروب التي تنشبُ في داخل المدن، بين الجيش الوطني من جهة وبين جماعة يطلق عليها اسماء تزيد المشهد ضبابية وتوقع الناس في ريبة من امرهم. فتارة هي ارهابية وتارة اخري هي دينية متشددة الخ... اما عناصرها، فانهم في معظم الحالات يكونون من الغرباء الذين لا يدري احدُ من اين جاؤوا. فهذه الحرب ليست حربا اهلية. بمعني انها ليست اقتتالا فيما بين طوائف الشعب او بين احزابه او بين طبقاته الاجتماعية. وقد تكون نتيجة لانحلال هذه الاطراف جميعها، بحيث صارت لا تقوي لا علي الصراع ولا علي الاندماج والوحدة في كيان وطني. كما انه من الصعب القبول بتوصيفها حربا دفاعية ضد عدو خارجي. اذ كيف يستطيع عدوٌ اجتياز الحدود بعديده وعتاده، ثم التحصّن في حي من احياء المدينة، او في مسجد من مساجدها، الي حد الاقتدار علي مواجهة جيش نظامي طوال مدة تزيد عن الشهر، وذلك دون ان تلحظه مواقع الجيش الساهرة علي منافذ البلاد، ودون ان تتنبّه له اجهزة المخابرات. وهذه لا يُعرف عنها عادة، لُطف المعاملة، ولا احترام الحريات ولا التعفُف عن انتهاك الحرمات. المرجح اذاً ان ادخال السلاح والذخائر، الي بعض الاماكن يتم بعلم السلطة. وقد تكون هناك ذارئع ظاهرة واخري باطنة، فالامور الي تبدل، والاحكام تتغيّر بتغيّر الزمان وبمقتضي الظروف. لقد اتضح، استنادا الي معظم المصادر والي مداورة الروايات، ان الامريكيين سهّلوا برضي السلطة الفلسطينية وبتعاونها، ارسال السلاح والمعدات العسكرية الي قطاع غزّة، املاً بحدوث انفجار. وهذا ما جري فعلا. وان كانت النتائج جاءت علي عكس ما كانوا ينتظرون، فان الفلسطينيين هم الذين دفعوا الثمن دما، وجوعا، وفرقة وتخبطا سياسيا. فهل يُعقل اذا ُ ان السلطة في لبنان كانت علي غير دراية، بان برميل البارود في مخيم نهر البارد امتلأ الي المستوي اللازم، فحان وقت اشعال الفتيل لتدمير بيوت ثلاثين الفا من اللاجئين؟ ان المشاهد المنقولة من مخيم نهر البارد لا ُتظهر الا كريات من اللهب تتدحرج علي اكوام الركام. وبينما ُتنبّئ البلاغات الرسمية عن سقوط العشرات من الجنود، يبقي عدد القتلي من المدنيين الفلسطينيين مجهولا. اما السكان الذين ابعدوا عن المخيم فالظاهر ان اوضاعهم لا تحظي باهتمام عربي او دولي. وهي بلا شك مشابهة لتلك التي عاني منها اللبنانيون ابان عدوان المستعمرين الاسرائيليين في صيف 2006. كلما نظر اللاجئ النازح الي اوجه اطفاله والي ثيابهم قََََرصتْه اسئلة ٌ عن الذهاب الي اين؟.. وعن العودة كيف ومتي؟ وعن الحياة وعن الموت وعن الوطن. وجملة القول ان كلفة عملية هدم مخيم نهر البارد، يتحملها المساكين، من جنود الجيش ومن اللاجئين الفلسطينيين، وان الولاياتالمتحدة سارعت منذ اليوم الاول الي تشجيع السلطة في لبنان علي القيام بها، ومنحتها الدعم المعنوي والسياسي علي الصعيد الدولي، وقدمت لها في وضح النهار، الذخائر والاسلحة من اجل اكمالها. ان حفظ الامن الداخلي هو عمل رسالي صيانة للحياة وحماية للممتلكات، اشاعة للطمانينة في المجتمع. وبناء عليه فان معالجات التجاوزات والتعديات والاذيات، لا تكون بالانتقام بل تتوسل الحكمة والمحاصرة والحجر احتواء لها وابطالا لفعلها ومنعا لتاثيرها. وبالتالي فان ذلك لا يتطلب ولا يبرر حرف ادوات القتل والدمار عن مواضع استخداماتها. والحرب اذا ما اندلعت في داخل الوطن تجعله حطاماً وخراباً. وهذه بُغية المستعمِر، ينالها حيناًً بواسطة الغزو والعدوان، ويقدمها له حينا آخر عن قصد او عن غير قصد، فرقاء يتهارشون علي بعضهم حتي الموت وقد اعمي الحقد بصائرهم واقحلت قلوبهم فاسترخصوا آلام اللاجئين الفلسطينيين ودموعهم وارواحهم. كيف القضاء بالعدل وكيف ُتسترجع الحقوق، عندما تجتاح زمر السَوْقَة بيوت المساكين، فتخرجهم منها ثم تضرم النار فيها. المفارقة هنا، هي ان الحكومات الغربية التي تحيط برعايتها السلطة في لبنان والتي تقدم لها السلاح والذخائر، لا تستطيع القيام بما تقوم به في بلادها. وكأن الديمقراطية والقانون يجيزان قتل الابرياء وهدم المنازل في اماكن ويحرمانها في اخري. انه الكيل بمكيالين.