سعر الدولار أمام الجنيه في تعاملات الجمعة 25-10-2024    بوتين: إنشاء منصة استثمارية جديدة ضمن بريكس سيساعد أفريقيا على التطور    استشهاد 3 صحفيين في الغارة الإسرائيلية على بلدة حاصبيا جنوبي لبنان    تحذير عاجل من أمريكا لرعاياها في الخارج، ماذا يحدث اليوم    150 شهيدا وجريحا في غارة إسرائيلية على مربع سكني بجباليا شمالي غزة    الأردن يدعو المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات رادعة تلجم العدوانية الإسرائيلية    اعتقاد خاطئ حول إدراك ثواب الجمعة مع الإمام في التشهد الأخير    طريقة عمل الكيكة السريعة، لفطار مميز وبأقل التكاليف    اليوم، إطلاق 5 قوافل طبية قافلة طبية ضمن مبادرة رئيس الجمهورية    مائل للحرارة والعظمى في القاهرة 27.. حالة الطقس اليوم    أحمد درويش: هناك معوقات للاستثمار الأجنبي وهذه روشتة العلاج    "وقولوا للناس حُسنًا".. موضوع خطبة الجمعة اليوم    فارس عوض: «وشي حلو على الأهلي والزمالك والجمهور بيورطني أحيانًا» (فيديو)    ترتيب هدافي الدوري الفرنسي قبل مباراة اليوم    اليوم، تعامد القمر على الكعبة المشرفة، وهذه طريقة تحديد القبلة أثناء الظاهرة    حملات تفتيشية مكثفة على الأنشطة التجارية بالشرقية    لو مسافر.. الأسعار المحدثة لتذاكر قطارات السكك الحديدية    بدون الالتزام بمحل الاقامة.. أين توجد وحدات المرور المميزة؟    قبل انطلاقها الليلة، كل ما تريد معرفته عن احتفالية "ليلة عيد الوهاب" بالسعودية    إقبال كبير من المواطنين على معرض دمياط للأثاث بالزقازيق    الأوقاف تفتتح 23 مسجدًا بالمحافظات اليوم الجمعة    الدكتور محمد صلاح، السيرة الذاتية لوكيل تعليم المنوفية الجديد    توزيع الطعام وزيارة المقام في الليلة الختامية لمولد الدسوقي بكفر الشيخ    فريق طبي بالمستشفى الجامعي بطنطا ينجح في استئصال ورم سرطاني بالمريء    مستشار وزير الصحة ينصح الآباء: الختان جريمة ولا علاقة له بالدين والشرف    «مستواه لا يليق».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا لاذعًا على نجم الزمالك    رسالة صلاح عبدالله للاعبي الزمالك بعد خسارة كأس السوبر المصري.. ماذا قال؟    قائد الحرس الثوري الإيراني: إسرائيل تحفر قبرها تدريجيًّا وتهيئ نفسها للانتحار    السولية يفاجئ كهربا بعد تتويج الأهلي بالسوبر المصري    محمد صلاح: الزمالك قدم مباراة قوية رغم الظروف.. وجوميز أخطأ في التشكيل منذ البداية    كولر أم محمد رمضان ؟.. رضا عبد العال يكشف سر فوز الأهلي بالسوبر المصري    محافظ البحيرة تتفقد محطة الزهراء لإنتاج البيض والمزرعة السمكية    حبس موظف لقيامة بقتل زوجته بالمطرية    أمطار غزيرة لمدة 96 ساعة.. موعد أول نوة شتوية 2024 تضرب البلاد (استعدوا للتقلبات الجوية)    وكيل الصحة يزور قسم الأطفال بحميات العباسية لتطبيق النموذج الناجح داخل سوهاج    إم جي 2024.. مزيج من الأناقة والتكنولوجيا بأسعار تنافسية في السوق المصري    جوتيريش: الوضع الإنساني في شمال غزة هو "الأسوأ منذ بدء الكابوس"    ارقصوا على قبري.. سعاد صالح توجه رسالة نارية لفنان شهير    نشرة التوك شو| تكليفات رئاسية بتوطين علاجات الأورام وأصداء تصريحات مديرة صندوق النقد    أشرف داري: فخور باللعب للأهلي.. وأتمنى وضع بصمتي في البطولات القادمة    أصل الحكاية| «جامع القائد إبراهيم» أيقونة إسلامية في قلب الإسكندرية    أحمد الغندور «الدحيح» يفتتح الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي    يسرا اللوزي من مهرجان الجونة: "فرصة الناس تتقابل ونشوف مشاريع جديدة"    نسرين طافش: "كفايا عليا أحضر مهرجان الجونة عشان أشوف أحلى الأفلام"    بهاء سلطان يطرح أغنية «أنا من غيرك» من فيلم «الهوى سلطان» (فيديو)    ارتفاع مفاجئ بجميع الأعيرة.. سعر الذهب اليوم الجمعة بالصاغة وعيار 21 يسجل رقمًا جديدًا    مصرع سائق وإصابة شقيقه فى حادث إنقلاب سيارة بالمراغة شمال سوهاج    تأخير الساعة 60 دقيقة.. موعد تفعيل التوقيت الشتوي 2024    مصدر مسؤول: مصر أكدت للوفد الاسرائيلي رفضها للعملية العسكرية الجارية بشمال غزة    بالصور.. الاتحاد العام لشباب العمال بالأقصر ينظم ندوة تثقيفية حول "الشمول المالي"    تجديد الثقة فى المهندس ناصر حسن وكيلًا لتعليم الغربية    أكرم توفيق: طلع عينينا لنفوز بالسوبر أمام الزمالك    مي فاورق تختتم ليالى مهرجان الموسيقى العربية بروائع الأغانى التراثية    عمرو الفقي يعلن التعاقد مع متسابقي برنامج "كاستنج" للمشاركة في أعمال درامية    أخبار × 24 ساعة.. وزير الصحة: عدد سكان مصر يصل 107 ملايين نسمة خلال أيام    أمين الفتوى: "حط إيدك على المصحف واحلف" تعتبر يمين منعقدة    ضخ دماء جديدة.. ننشر حركة التغييرات الموسعة لوكلاء وزارة التعليم بالمحافظات    رئيس جامعة الأزهر: نحرص على تذليل الصعاب لاستكمال بناء فرع دمياط الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدي أحمد حسين يكتب: لا.. بل هناك شروط لصندوق النقد وتتجهون للموافقة عليها
نشر في الشعب يوم 08 - 09 - 2012

النهضة المستقلة قرار حرب يجب تجييش الشعب من أجل الانتصار فيها
كيف تحدى غاندى الإمبراطورية البريطانية ب"مغزل يدوى وجلابية ومعزة" وانتصر عليها
والآن الهند فى نادى الدول العظمى والنووية والفضائية
دعوكم من إلهام شاهين والعكش والحامض وتعالوا نقيم وادى السيلكون!
أواصل ما بدأته فى المقال السابق. لقد وصلنا إلى مفارق طرق حاسمة، وصلنا بعد الانتهاء من ازدواجية السلطة والخلاص من حكم العسكر إلى مرحلة جديدة: وهى مرحلة الانعتاق من العبودية للحلف الصهيونى الأمريكى. والاستقلال من حالة العبودية هذه لا يحتاج إلى إعلان الحرب بالمعنى العسكرى أو إعلان إلغاء كامب ديفيد، أو إصدار بيانات ساخنة. إنه يحتاج إلى العمل الجاد الصابر الدءوب فى تحقيق تنمية اقتصادية مستقلة، دون استئذان أحد أو التشاور مع أحد من الخارج. إنما نعمل ما تمليه علينا مصالحنا الوطنية وفقا لرؤيتنا. وبالتالى فإن معركتنا من أجل الاستقلال هى على المحور الاقتصادى أو بالأحرى على محور التنمية بمعناها الشامل المركب، والحلف الصهيونى الأمريكى يعلم ذلك فالهدف معلن، ليس فى برنامج مرسى فحسب (النهضة) بل فى ضمير الثورة وشعاراتها، وفى طموحات كل المصريين. ولأنهم يعرفون هدفنا فإنهم يسعون لضربنا فى هذه الجبهة تحديدا. ومن هنا تأتى أهمية قرض صندوق النقد، ليس لأنه كارثة كبرى فى حد ذاته، بل لأنه مؤشر على طريقة تفكير أهلنا الجدد فى الحكم، التى نخشى أن تسير على منوال النظام القديم فى هذه الجبهة تحديدا، لأنهم يركزون على انتشار الفساد فى الأداء الاقتصادى السابق بأكثر من الحديث عن ضرورة إقرارا سياسات جديدة. وقصة مشروع قرض الصندوق -وبالمناسبة فهو لا يزال مشروعا لم يوقع عليه الطرفان بعد- قصة هذا القرض طريفة جدا. فنحن نرى أمريكا على لسان أكبر مسئول فيها، ثم نرى الغرب على لسان حكام الثمانية الكبار يطاردون مصر من أجل إعطائها الأموال الطائلة فى صورة منح أو قروض، ووصل المزاد إلى حد الحديث عن 45 مليار دولار تعطى لدول الربيع العربى الثلاث: مصر وتونس وليبيا. ويفهم من ذلك أن مصر كان سينوبها قرابة 30 مليار دولار فى هذه الهيصة. ثم بدأ الحديث عن قرض الصندوق، وقمنا مع كل الوطنيين فى ذلك الوقت بحملة إعلامية ضد هذا القرض فى ظل حكومة شرف، وفوجئنا بموقف مشرف من المجلس العسكرى (وسأظل أذكر الحقيقة مهما كان الخلاف مع المجلس العسكرى السابق) برفض الاستدانة، وتم إيقاف التفاوض حول القرض. ثم عاد الموضوع ليطرح فى ظل حكومة الجنزورى، وللجنزورى علاقات تاريخية مع الصندوق، وفى هذه المرة صمت المجلس العسكرى ورفض الإخوان القرض أو عرقلوه. ولكن موضوع القرض يظهر من جديد كعفريت العلبة فى عهد مرسى، ويطرح نفسه وكأنه الحل الوحيد لأزمتنا الاقتصادية أو للعجز فى الموازنة. وتتجه الحكومة للموافقة عليه.
الملاحظة المهمة فى هذا الصدد أن الممول وهو أمريكا والغرب هم الذين يطاردون مصر كى تأخذ بعض المليارات. الممول (المقرض) هو الذى يطارد المقترض ويستجديه ويسد عليه المنافذ لكى يقبل، ويقسم عليه بالأيمان المغلظة: والله يا شيخ تأخذ كم مليار على ما قُسم!! خلاص المليارات خرجت ولن ترجع!!. هل قابلت مثل هذا الشخص فى حياتك ؟! وقد ذكرتنى هذه المطاردة وهذا الإلحاح باعترافات القرصان الاقتصادى جون بيركنز الذى أشرت إليه فى العدد الماضى، وعثرت على نسخة من كتابه أخيرا؛ فهو يؤكد أن مقياس نجاح الخبير(فى المنظمات الدولية) يتناسب طرديا مع حجم القرض، بحيث يجبر المدين على التعثر بعد بضع سنوات. ويقول المتحدثون باسم الرئاسة والحكومة إن القرض لا شروط له وإن فائدته 1 % فقط، وظهر من الفقهاء ومن العاملين فى حقل السياسة من يقول إن هذه النسبة هى لتغطية المصروفات وليست من قبيل الربا والعياذ بالله. والحقيقة فإن المعارضة الجادة للقرض لم تثر حكاية الربا لأن موضوع المعاملات الربوية لم يفتح بعد، وهو يحتاج لإعادة نظر شاملة فى العلاقات والمعاملات المصرفية، ونحسب أن هذا غير مطروح فى هذه المرحلة على الأقل، وإن إثارة قضية كبرى كالربا والفوائد البنكية لا يجوز أن تطرح أو تناقش عرضا بخصوص قرض واحد، بينما كل المنظومة المصرفية لبلادنا نفسها مختلطة بالربوية. وكذلك كل علاقاتنا المصرفية الإقليمية والدولية. أما فيما يتعلق بانعدام الشروط فهذه نغمة لا يجوز أن تطرح بعد الثورة. فقائل هذا الكلام إما أنه خادع أو مخدوع. ونحن لا نحب ذلك لحكامنا الجدد. لا توجد قروض غربية ومن الصندوق الدولى بدون شروط سياسية واقتصادية. بعض المتحدثين باسم الحكومة اعترفوا ضمنا بالحقيقة حين قالوا إن هناك برنامجا إصلاحيا للحكومة فى كل الأحوال. ويفهم من ذلك أن شروط الصندوق لا تتعارض مع خطة الحكومة وهذا خطر أكبر، وسمعناه فى بعض التصريحات كرفع الدعم عن المشتقات البترولية، وكذلك التفكير فى رفع الدعم عن الرغيف، ولا شك أن الاتجاه لإنتاج رغيف العشرة قروش خطوة فى هذا الطريق. ورفع الدعم هى الأغنية الرديئة التى صدعنا بها نظام المخلوع والمجموعة الاقتصادية لابنه جمال، وقد رفعوا بالفعل أسعار مشتقات البترول بصور مباشرة وغير مباشرة، وكأن هذه هى مشكلة مصر الأولى.
وحول قضية الدعم قلنا فى الرؤية الإسلامية لحزب العمل والذى صدر فى الأيام الأخيرة للعهد البائد ما يلى:
الدعم أحد أدوات الدولة فى التدخل فى العملية الاقتصادية للصالح العام، وبالتالى فإن سياسة الدعم تختلف من مرحلة لأخرى ومن بلد لآخر، ومن قطاع لآخر، وما يكون صالحا لمصر فى عام 2000 قد لا يكون مناسبا لعام 2010 وهكذا. ولكننا نتناول القضية من زاوية اللغط الذى تثيره الحكومة المصرية بين آن وآخر حول مسألة رفع الدعم؛ لأن حجمه المالى فى ازدياد مستمر، فقد وصل مؤخرا لقرابة مائة مليار جنيه سنويا، وهو ما يؤدى من الناحية الظاهرية إلى عجز فى الموازنة العامة. ورفع الدعم أحد محاور روشتة صندوق النقد الدولى فى إطار التخفيف المستمر لدور الدولة فى الاقتصاد. وقد أدت الضغوط فى هذا المجال على مدار العقدين الماضيين إلى رفع مستمر وتدريجى للدعم، وهو ما أدى إلى ارتفاع مستمر فى أسعار السلع والخدمات الضرورية، وهذا هو السبب وراء ارتفاع أسعار المياه والكهرباء والنقل العام بما لا يتوازى مع دخول المواطنين، كما أدى إلى الارتفاع المستمر فى أسعار الخبز والوقود والدواء والخدمات التى من المفترض أن تكون مجانية وفقا للدستور (التعليم والصحة).
ويبدو رقم الدعم كبيرا بسبب النمو السلحفائى للاقتصاد، فالمشكلة الكبرى فى الحجم الكلى المتدنى للاقتصاد، وليس فى حجم الدعم. وأيضا المشكلة فى انعكاس فشل التنمية الاقتصادية مع عدم العدالة فى التوزيع، على انخفاض دخول معظم المصريين بما لا يسمح بالاستغناء عن الدعم.
ومسألة الدعم مؤشر بالغ الأهمية على الازدواجية المعيبة التى يتبعها الغرب معنا، نحن وكل دول الجنوب، كما فى مسألة الخصخصة، فهو يدفعنا لرفع الدعم حتى تكون الأسعار متوافقة مع واقع التكلفة الاقتصادية، بينما سياسة الدعم مطبقة فى بلاد الغرب على نطاق واسع، سواء فى السلع أو الخدمات ومختلف أشكال الإنفاق الاجتماعى، بل إن البلاد الغربية تقدم دعما بعشرات المليارات للمزارعين، للحفاظ على ازدهار القطاع الزراعى وخفضا لأسعار التصدير، كما يظهر الدعم الحكومى فى قطاعات التعليم والصحة. إذن لا توجد سياسة رشيدة اسمها إلغاء الدعم، فالدعم الحكومى للسلع والخدمات سيظل أحد أدوات التدخل الحكومى لضمان العدالة الاجتماعية وحد أدنى من الرفاه للشعب. ولكن الدعم يختلف حجمه ونطاقه -كما ذكرنا- من دولة لأخرى ومن زمن لآخر، وهذا المبدأ من القواعد المستقرة فى الاقتصاد الإسلامى الذى يستهدف تحقيق حد الكفاية (لا الكفاف) للجميع.
وتقدم الحكومة مفاهيم مغلوطة فى هذا الموضوع، فتتحدث عن تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى، وهذا تلاعب بالألفاظ، فكيف ستحدد الشخص المستحق لهذا الدعم النقدى، والأهم من ذلك أن الدعم النقدى يعنى إطلاق السوق من عقاله، فهل كلما ارتفع سعر الخبز سيرتفع مبلغ الدعم النقدى؟! إذن نحن أمام إلغاء مستتر للدعم. كذلك عندما تحسب الحكومة الدعم للمواد البترولية فإنها تحسب ذلك بالأسعار العالمية، وهذه مغالطة كبرى، لأن هذه المواد منتجة فى مصر بأسعار أقل بكثير من الأسعار العالمية، وهذه الأخيرة ليست مقدسة، ولا أهمية لها إلا فى مجال التجارة الدولية، ومن المفترض ألا تكون معيارا بين الحكومة والشعب فى مواد تنتج وطنيا!! فالأصل أن البترول ينتج من أجل النهضة الوطنية، أما التصدير فيكون فى حالة الفائض، بل والفائض الكبير لأننا نتحدث عن سلعة إستراتيجية معرضة للنضوب. عندما تحسب الحكومة دعم المواد البترولية بالأسعار العالمية يبدو الرقم كبيرا جدا، ولذلك فهى تعلن أنها تتجه لإلغاء الدعم نهائيا على المواد البترولية!!
وكما ذكرنا فإن أحوال مصر الراهنة فى ظل انخفاض الدخول فى مقابل الأسعار فإن الأوضاع لا تحتمل رفع الدعم عن السلع والخدمات الضرورية، فوفقا لآخر تقرير صادر من البنك الدولى 2010 فإن قيمة الحد الأدنى للأجور فى مصر هى الأقل فى المنطقة العربية بأكملها)!
هذا ما صدر عن الحزب فى أواخر عام 2010 ولا يزال صحيحا حتى الآن من وجهة نظرنا، بل ونضيف ما هو أخطر إذ إن السعر المغالى فيه للدعم فى مجال البترول يرجع إلى الاتفاقات الجائرة التى تعطى 100% من بترولنا للشريك الأجنبى ثم نشترى منه ما نريد بالأسعار العالمية. وهذه الاتفاقيات هى التى يجب أن تراجع.
وهكذا نجد أن حكومة قنديل تتجه نفس اتجاهات الحكومات السابقة وأنها تخضع لشروط الصندوق تحت شعار: إننا نستهدف فى إصلاحنا الاقتصادى نفس أهداف الصندوق على أساس أن ذلك من محاسن الصدف!!. وقلت وأقول مرارا إن الخطورة ليست فى قرض تافه بمعايير الاقتصاد الدولى الآن فى حد ذاته، بل الخطورة كل الخطورة فى منهج التفكير فى الأمور الاقتصادية التى لا تدرك مخاطر التبعية، مع افتراضنا الدائم لحسن النية فى حكم مرسى، ولكن حسن النوايا ليس العاصم للبلاد وحده من المخاطر. فلا بد أن يتضافر حسن النية مع حسن التدبير.
التنمية المستقلة.. حرب حقيقية
أول مفاتيح مشروع التنمية المستقلة وجود قيادة وطنية سياسية حازمة تعلن خوض الحرب ضد التبعية والتخلف والفقر والمرض والجهل، وهى حرب حقيقية لأن هناك قوى داخلية وخارجية ستعمل على إحباط المشروع. داخليا فإن كل القوى المنتفعة بالنظام البائد والتى حققت مكاسب كبيرة من خلاله من مصلحتها أن تستمر نفس سياسات التبعية: سياسات الاستيراد والتوكيلات الأجنبية والسمسرة والعمولات والمتاجرة فى الأراضى والمضاربات العقارية ومضاربات البورصة، وكل ما يحقق الأرباح الطائلة السريعة بدون عمل أو مجهود حقيقى وبدون مخاطرة. والقوى الخارجية ستحارب مشروع التنمية المستقلة لأنه يخطف منها السوق الوطنى الذى احتكرته وسيطرت عليه، وأيضا لأهمية مصر الإستراتيجية التى أشرنا وسنشير إليها مرارا وتكرارا حتى لا ينسى الناس، ففى علاقات أمريكا والغرب مع مصر لا تتحكم الأرقام الاقتصادية فى القرارات فى المحل الأول، بل المهم أولا تحقيق إحكام السيطرة لهذا المارد المؤهل لقيادة الأمة العربية الإسلامية.
إنها حرب حقيقية وإن لم تكن بالدبابات والطائرات فهى ليست أخف وطأة بأى حال من الأحوال، ولكن بأساليب اقتصادية وباختراقات أمنية لإحداث الفوضى والفتن الطائفية، بما يكفل تعطيل مسيرة أى بلد. (علمت مؤخرا معلومات خاصة حول اكتشاف مجاهدى سيناء لعميلين إسرائيليين من أهل سيناء لهما صلة بالأحداث الأخيرة فى سيناء، وكانت إسرائيل قد قتلت مصريا بطائرة بدون طيار فى إطار محاولات إخفاء حقائق حول الدور الإسرائيلى فى مذبحة رفح). ولأنها حرب حقيقية فهى تستلزم حشد قوى الأمة من أجل المنازلة فى هذا الجهاد الأكبر: العمل الشاق.. الاعتماد على الذات.. القبول ببعض التقشف ولكن يشمل الجميع.. الحكام قبل المحكومين. لا أدرى هل تابع السيد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب الشرعى (ولا أقول المنحل!) زعماء الهند وهم يستخدمون السيارة الهندية المحلية التى لا تتسم بالجمال أو الفخامة، رغم أن الهند أصبحت دولة عظمى وتحتل المرتبة الرابعة عالميا فى الاقتصاد، وهى قوة نووية سلمية وحربية، ولديها مشروع فضائى متسارع. إنهم لا يركبون ال"بى إم دبليو". هذه المظاهر مهمة جدا، وهى أكثر من رمزية لأنها تشحذ همم الأمة لتوفير كل مليم عن طيب خاطر، وأيضا تثير الروح الوطنية فى التمسك بالإنتاج الوطنى وإن كان أقل جودة مؤقتا. والآن فإن الهند تتقن صنع كثير من الأشياء فى مجال العلم والتكنولوجيا بنفس جودة دول الغرب.
وقد خاضت الهند معركة التنمية المستقلة والاعتماد على الذات أولا بمغزل غاندى المرسوم على علم الهند حتى الآن والناس لا تعرف ما هذه الدائرة؟ ولكن الشعب الهندى يعرف: المغزل اليدوى للاستغناء عن القماش الإنجليزى، وارتداء غاندى لإنتاج هذا المغزل من قطعة قماش بيضاء، وارتداء خف بسيط، ومعزة لشرب اللبن. وعندما ذهب غاندى لمفاوضة الإنجليز ذهب بهذا الزى البسيط إلى لندن بل وأخذ معه المعزة!! ولم يخش أن يتهم بأنه متخلف أو أبله، بل استقبل هناك بمنتهى الاحترام من الحكام ومن المواطنين الإنجليز.
وأتحدث الآن بمنتهى الثقة عن هذا النموذج لأن أحدا لن يستطيع أن يسخر منّى، فالهند الان اجترحت المعجزات فى مجال التنمية فى زمن قياسى رغم الفقر الذى اعتصر مئات الملايين. وسأكتب كثيرا حول ذلك وغيره من خبرات الشعوب الناجحة، ولكننى أتحدث الآن عن روح التحدى وإعلان الحرب وحشد قوى الأمة.
المطلوب الآن إعلان مجلس أعلى للتنمية الاقتصادية يتحول إلى مجلس حرب بمعنى الجدية وحالة الانعقاد الدائم والمتابعة الدقيقة لمفاصل تطبيق خطة التنمية، ولتكن خطة خمسية كما حدث فى مصر (1959 – 1964)، وكما حدث فى ماليزيا والهند وكوريا الجنوبية وغيرهم. وقد كان شعار حرب التنمية فى الهند (بناء الهند بأيدى الهنود). وكان لسائر الأمم شعارات إيثارية مماثلة (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) وهكذا. ويكون افتتاح مصنع جديد أشبه بتحرير جزء من الأرض المحتلة، وجزء من إعلاء شأن الوطن. ويواكب ذلك إعلام زكى فعال يغذى بالمعلومات الصحيحة التى تفيد فى هذه المعركة (محطات تلفزيونية فى الهند تخصصت فى إرشاد المزارعين والصيادين مثلا) وفن يرفع المعنويات ويربط شباب الوطن بالوطن الذى يستعيد بهاءه حتى يهرب الهندى من وادى السيلكون فى أمريكا (وادى التكنولوجيا الفائقة خاصة الإلكترونية) ليعود إلى وطنه الذى كان منذ سنوات قليلة مرتعا لكل صور البؤس والفقر والفاقة. ولينافس وادى بنجالور الهندى وادى السيلكون الأمريكى ولتسبق السينما الهندية سينما هوليوود الأمريكية من الناحية التجارية دون أن تنافسها فى العرى واستخدام الجنس. ما زلنا بعد عام ونصف العام من الثورة نجد الشباب ينتحر فى البحر المتوسط. ولا نلوم الحكومة الراهنة ولا الرئيس مرسى على ذلك، ولكن نقول إن هذا الحدث المستمر يدق ناقوس الخطر لا باعتبار أن المشكلات المتراكمة ستحل فى شهور، ولكن لا بد أن يشعر الناس بروح جديدة حتى يستعيدوا الأمل، ثم يشاركوا فى صنعه. وبدلا من إثارة المعارك مع هذه الممثلة وتلك المغنية، أو الدخول فى مماحكات بين الإسلاميين والعلمانيين وأيهما يلجأ للتمويل الخارجى أكثر من الآخر، وبدلا من حوار الأخونة وعدم الأخونة، واستنزاف طاقة الأمة وتركيزها فى الاتجاه الخاطئ، وفى المعارك الجانبية. وبدلا من محاولة حشد الأمة بمشروعات غير ملهمة (كجمع القمامة) لو دعونا للمشاركة فى بناء مصنع واحد لتدوير القمامة لأثار الموضوع هِمم الناس واهتمامهم. والعجيب أن شبابا على فيس بوك يدشنون مشروعا للفصل فى صناديق القمامة بين المواد الصلبة وغير الصلبة، دون ربط ذلك بأى مشروع للتدوير، وهذا نوع من العبث. وكأن تصنيف الزبالة يحتاج إلى تدريب!! (بالمناسبة لاحظت فى بيروت منذ سنوات وجود هذا التصنيف للقمامة).
لا بد من عدة مشروعات ملهمة تبدأ فورا بشكل مترابط يخدم بعضها بعضا بحيث يساعد ذلك على انتقال البلاد إلى نقطة أعلى خلال فترة وجيزة. أدعو مثلا لوادى سيلكون مصرى. وقد أعلن النظام البائد عن هذا المشروع مرارا دون أى جدية فى التنفيذ: مشروع بجوار الإسماعيلية، والقرية الذكية المزعومة، وأخيرا سطو زويل على جامعة وادى النيل. وليس هذا هو وادى السيلكون المصرى الذى يجب أن ينشأ تحت شعار (بناء مصر بأيدى المصريين). فالمقصود بوادى السيلكون تخصيص مساحة كافية من الأرض فى موقع مناسب لتوطين الصناعات الفائقة التكنولوجية خاصة فى مجال الإلكترونيات والاتصالات، وتشير كلمة السيلكون إلى المادة التى تصنع منها الرقائق الالكترونية وهى بالمناسبة متوفرة فى مصر. وقد بدأت هذه التجربة فى كاليفورنيا بأمريكا وانتقلت إلى الهند فى بنجالور، ثم انتقلت كالعدوى الايجابية السريعة فى عدد من الأمم التى ترغب أن تبقى على سطح الحياة. ايرلندا التى أعيتها الحيل لتنافس الاقتصادات الأوروبية المتطورة عنها دون جدوى، اهتدت إلى هذه العصا السحرية. فتم تشجيع الشعب فى كل القطاعات على تعلم استعمال الكومبيوتر (لاحظ أن ذلك متحقق فى مصر الآن ولكن الكمبيوتر يستخدم غالبا فى الهلس!) كما تم تعزيز البنية التحتية للاتصالات ثم تحولت أيرلندا إلى محور أوروبا الالكترونى. وقصص وديان السيلكون تثير الخيال وتُلهبه، حين ترى مصر لا تزال مشغولة بالقمامة والرغيف وأنبوبة البوتاجاز. سيكون لنا حديث عن وديان السيلكون فى ماليزيا وفنلندا حتى غارت منها بلدان مثل روسيا والبرازيل، الكل يتدافع إلى الماراثون الإلكترونى.
هذا الحديث يتعلق بمشروع أو مشروعات تحقق القفزة الكبرى التنموية فى زمن قياسى أو كما يقولون بالإنجليزية In no time)).. أحيانا قليلة أشعر أن التعبير الإنجليزى أكثر دقة فى التعبير عن المقصود. فعندما ينطلق اقتصاد بلد خلال 5 سنوات أو 8 سنوات من التخلف إلى التقدم، فهذا لا يعد زمنا على الإطلاق فى حياة الشعوب. وهذا موضوعنا العدد القادم إن شاء الله.
[email protected]

الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.