أصيبت معظم مدراس التعليم الابتدائي في تونس بالشلل بسبب إضراب عن العمل ليوم واحد نظمه ما يقرب من 50 ألف مدرس في هذه المرحلة للمطالبة بتحسين أوضاعهم المهنية والاهتمام بالمناهج الدراسية، بحسب مصدر نقابي. وقال أمين عام نقابة التعليم الأساسي السيد محمد حليم: "إن وزارة التربية لم تلتزم بالاتفاقات المبرمة بينها وبين رجال التربية حول مجمل المطالب، وخاصة ما تعلق منها بكيفية تسيير المؤسسات التربوية". وأضاف حليم في ندوة صحفية عقدت على هامش الإضراب: إنه لأول مرة يشهد القطاع "هذا الكم الهائل من الإضرابات التي بلغت 9 إضرابات في أقل من 3 سنوات، وهو رقم لم تشهده البلاد منذ الاستقلال إلى الآن". وأرجع السبب في ذلك إلى "التفاف الوزارة على مكتسبات الموظفين وممارسة الإقصاء والارتجال والاختيارات العشوائية للمناهج التربوية إضافة إلى التهجم على المعلمين ونقابتهم". وبحسب مصادر من نقابة التعليم الأساسي فقد بلغت نسبة المضربين من المعلمين اليوم الثلاثاء حوالي 85%، أي نحو 51 ألف معلم من إجمالي 60 ألفًا، فيما قالت السلطات: إن نسبة المضربين لم تتعدّ 18%. تحسين الظروف ومن جهته قال الزاهي أمين مساعد عام النقابة: إن إضراب المدرسين، وهو الثاني خلال السنة الدراسية الحالية جرى بهدف "تحسين ظروف المعلمين وضبط حركة نقل المعلمين من مدينة إلى أخرى بصفة شفافة وعادلة وفي حضور الطرف النقابي". ويطالب المعلمون ب"منحة العودة المدرسية" وهي منحة تنفق سنويًّا في بداية العام الدراسي، وتساوي أجر شهر عمل أي في حدود 600 دينار تونسي (462 دولارًا). ويعلل المربون مطالبتهم بهذه المنحة بالأعباء المادية الكبيرة التي يتحملونها من أجل توفير لوازم الدراسة، إضافة إلى ضرورة أن يظهر المعلم بهندام محترم ومظهر لائق حتى يكون فعلاً قدوة حسنة. لكن الحكومة التونسية أقرت المنحة بمقدار ب180 دينارًا تونسيًّا (150 دولارًا)، وهو ما اعتبره المعلمون أقل بكثير من المطلوب. ويطالب المعلمون أيضًا بتحديد ساعات العمل ب20 ساعة عمل (تدريس فقط) أسبوعيًّا، وهو ما كان معمولاً به قبل أن تتخذ الوزارة قرارات رفعت بموجبها ساعات العمل إلى 25 وأحيانًا 30 ساعة عمل (تدريس) أسبوعيًّا، وحسب النقابة العامة للتعليم الأساسي فإن رفع ساعات التدريس يخفض من إنتاجية المعلم ويؤثر بالتالي على مستوى التلاميذ. حصار العمل النقابي كما طالبوا باحترام الحق في النشاط النقابي وتقنينه، حيث يرون أن هناك قيودًا على العمل النقابي، ولا تزال الوزارة تنظر بعين الريبة إلى كل نشاط نقابي. وقال بعض المعلمين - لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم - ل"إسلام أون لاين.نت": "إن الوزارة تريد أن تحكم قبضتها على كل المجالات التي تخص الحياة التربوية؛ لذلك فهي تعتبر أي تمثيل نقابي أو مطالبة بالمشاركة في اتخاذ القرار نوعًا من الازدواجية في تسيير المؤسسات التربوية". وتقول مصادر من نقابة التعليم الأساسي: إن الإضراب الأخير للمعلمين يعبر عن درجة الاحتقان الكبيرة التي أصبحت عليها العلاقة بين رجال التربية والتعليم بمختلف مستوياته من جهة، ووزارة التربية من جهة أخرى. وكانت 5 قطاعات للتربية قد دخلت في إضراب موحد عن العمل في إبريل الماضي، شارك فيه كل من أساتذة التعليم الثانوي، ومعلمي التعليم الأساسي، والإرشاد التربوي، إلى جانب أساتذة التعليم العالي والبحث العلمي. اللغة والهوية وبحسب نقيب المعلمين لم يقتصر الغضب من سياسيات الوزارة على رجال التربية والتعليم فحسب، بل تعداه إلى جميع شرائح المجتمع التونسي الذين استنكروا التغييرات العشوائية لبرامج التعليم التي اقترحها وزير التربية في شهر فبراير الماضي، وذلك بإقرار اللغتين الفرنسية والإنجليزية في السنة الأولى بالتعليم الابتدائي، مما يؤثر على الطفل في تعلمه للغته العربية؟!!. وفي السنة الماضية، طالب المعلمون في مختلف القطاعات بإشراكهم في وضع السياسات التربوية العامة بالبلاد، وذلك بعدما راج عن نية وزارة التربية في إلغاء مادة "التفكير الإسلامي" من منهج السنة النهائية في الثانوية العامة، وإدراج قصيدة للمفكر الصهيوني "أندري سبير" في امتحانات مادة الفرنسية، الأمر الذي أثار حينها ردة فعل غاضبة من طرف الأساتذة وآباء التلاميذ وعموم المواطنين؟!!. ويتذمر المعلمون بصفة عامة من إصرار وزارة التعليم على وضع برامج تعليمية تغيّب عناصر الهوية العربية والإسلامية وتدخل البلبلة في ذهن التلميذ، وذلك بالحط من قيمة اللغة العربية وهي التي يستعملها التلميذ في حياته اليومية، مقابل الرفع من مكانة اللغتين الفرنسية والإنجليزية؟!!. الجدير بالذكر ان معظم المواد العلمية تدرس باللغة الفرنسية، حتى تحولت هذه اللغة إلى مفتاح النجاح بالنسبة للتلميذ، وهو ما يفسر حسب بعض الدارسين ارتفاع نسب الانقطاع المبكر عن الدراسة. ويبلغ عدد المعلمين بالمدارس الابتدائية نحو 60 ألفًا يقومون بالتدريس لنحو مليوني تلميذ، وهو ما يعطي الإضراب الأخير أهمية خاصة في حالة الحراك الاجتماعي التي تشهدها البلاد من وقت لآخر بحسب المراقبين. وينتظر أن تجرى امتحانات نهاية العام لتلاميذ المرحلة الابتدائية في غضون أسبوعين.