فوجئت بأحد الأصدقاء الصحفيين يخبرني بأن الأمن هاجم بيت ممدوح إسماعيل المحامي في الفجر الساعة الثالثة صباح يوم الخميس ، وأن الأمن اقتحم البيت بطريقة فيها قدر من الرعونة والهمجية وأثار الذعر والخوف بين أهالي المعتقل ، وأنه فتش مكتبته وصادر الكمبيوتر الخاص به ، وصادر بعض قصاصات الصحف ، واقتاد زوار الفجر ممدوح إلي مكتبه حيث تم تفتيشه ومصادرة بعض الأوراق فيه ، وتعيين حراسة عليه كما نشرت جريدة المصري اليوم ، كما اقتاد الأمن الرجل في عز الفجرية إلي منزل والدته حيث تم تفتيشه هو الآخر ، ثم تمت مصادرة عربته . وبدا لنا ما جري من سلوك الأمن العنيف وكأنه رسالة عصبية غاضبة تسعي للاقتصاص والثأر وربما التأديب ، وبقدر ما حزنت من أجل ذلك فإنني لم أكف عن السؤال حول القصة لماذا هذا السلوك العدواني العنيف تجاه مواطن يمارس العمل العام والحقوقي وكان لا بد من سلوك مختلف معه ، ولكننا وبقراءة سلوك الأمن المصري نؤكد أن هناك مساحة عبر فيها ممدوح إسماعيل عن رأيه في بعض القضايا العامة في الأغلب متصلة بأحد من يدافع عنه ، وتكلم بصراحة أحرجت أجهزة الأمن أمام أجهزة أخري نافذة عالمية ومن هنا وجب اقتحام بيته وتأديبه ، وصرنا إزاء علاقة غاب فيها القانون وغابت فيها كرامة الإنسان وحريته وحقه في التعبير . اللافت أن السلوك الثأري لأجهزة الأمن من معارضي النظام بدا واضحاً في الفترة الأخيرة وبقوة ، فما حدث مع أيمن نور كان نوعاً من التأديب والسلوك الثأري وما حدث مع خيرت الشاطر كان نفس المسلك ، والسلوك العقابي والثأري الذي تنهجه أجهزة الأمن في الواقع هو قراءة للعقلية السياسية بل هو تنفيذ لما تريده هذه العقلية التي لم تعتد علي المعارضة بحرية وعلي أن يعبر الناس عن آرائهم بدون مواربة . فما حدث هو زيادة عند الحد وجب تأديب من قاموا به ، ولعلنا نتذكر أحداث سبتمبر 1981 والتي تم فيها اعتقال 1536 معارض من كافة الاتجاهات السياسية في حملات ليلية أعادت للأذهان زوار الفجر في عهد عبد الناصر ، كان هذا نوعا من التأديب والعقاب لهؤلاء المعارضين الذين وجهوا أمام أجهزة التحقيق باتهامات هي تعبير عن الرأي والمعارضة العادية ، فالنظام الذي يقول نحن أمام فكر جديدة وأمام ربيع جديد للتغيير والحرية يدعو المواطنين للتعبير عما يكن في نفوسهم وحين يعلنون عن ذلك فإنه يعتبر ذلك اتهامات توجه إليهم ويعاقبون بسببها وكأن النظام يغرر بمواطنيه وينصب فخاخاً لهم حين يدعوهم للتعبير عن آرائهم ومعارضة النظام ثم يعاقبهم علي ذلك ويقبض عليهم ويلقي بهم في السجن . زوار الفجر تعبير سئ السمعة عرفته مصر في الفترة الناصرية مع تجاوزات صلاح نصر وأثار الرعب والخوف في نفوس المصريين ، ورغم الحديث عن الديموقراطية وخفوت في عهد السادات لكن ا لظاهرة لم تتوقف ، وعادت هذه الظاهرة بقوة في التسعينيات إبان الصراع الدامي بين الأمن والجماعات الإسلامية ، واختفت الظاهرة لتعود من جديد مع نهاية ربيع التغيير في مصر عقب الانتخابات البرلمانية في نهاية عام 2005 ، وتأتي التعديلات الدستورية الأخيرة لتعطي هذه الظاهرة صكا دستوريا غير قابل للطعن عليه في المحكمة الدستورية العليا ، واعتقال ممدوح إسماعيل وهو إسلامي قانوني يدافع عن المعتقلين ويكتب في الصحف ويعبر عن رأيه في العلن وكأنه رسالة إلي قطاعات من الإسلاميين بشكل خاص أنهم ليسوا بعيداً الآن بعد التعديلا ت الدستورية عن يد الأمن وأن ظاهرة زوار الفجر في سبيلها للاتساع في الفترة القادمة . إنني أدعو كل القوي الوطنية والإسلامية والسياسية إلي التكاتف من أجل الدفاع عن حرية ممدوح إسماعيل وكل المعتقلين السياسيين من كافة التيارات ، وفي نفس الوقت فإن عودة زوار الفجر لن تهز قناعة كل مصري بحقه في أن يدافع عن حريته وكرامته وحرية وطنه وكرامته . زوار الفجر عنوان لعودة الدولة البوليسية ، وعلو قامة ا لعسكر علي حساب هامات المواطنين وهو إيذان بأننا مقدمون علي نهاية فصل من تاريخ هذا الوطن .