أطلقت الصين صاروخاً فجر في الفضاء، قمراً صناعيا صينيا وقد تكشفت هذه العملية عن عدة ابعاد اعتبرت خطيرة، فهي رسالة عسكرية للولايات المتحدة تشكل مفاجأة بالنسبة الى ما وصلته التكنولوجيا الصاروخية الفضائية الصينية، الأمر الذي يعني كل الأقمار الصناعية التي تعتمد عليها امريكا في تحديد اهدافها فوق الاراضي الصينية اصبحت مهددة بضربة واحدة، فمن يملك هذا الصاروخ وبالدقة التي حققها لابد من ان يملك العشرات والمئات وربما الآلاف منه. وتأتي هذه الضربة غير المتوقعة هدية لسياسات إدارة بوش واستراتيجيتها سواء كان في ما يتعلق برفضها عقد اتفاقيات دولية تتعلق باستخدام الفضاء للاغراض العسكرية والمدنية أم بسحب توقيعها من كل الاتفاقيات السابقة المتعلقة بالتجارب النووية أو عسكرة الفضاء، وبالطبع الى جانب الاتفاقيات المتعلقة بالمناخ «اتفاقية كيوتو» أو الألغام الأرضية ضد الأفراد». أما حجتها «نظريات المحافظين الجدد» فهي ان الاتفاقيات الدولية يلتزم به الاخيار ويخرج عليها الاشرار، فلماذا توافق على اتفاقيات تكبل ايدي الاخيار يعني الفوضى هي الخيار الأفضل، لكن الأهم استراتيجيتها التي جعلت أولويتها اقامة «الشرق أوسط الجديد»، وتركت الدول الكبرى الأخرى ترتب امورها بالراحة، كما يقولون، فما دامت الأولوية للعراق ولبنان وفلسطين وايران والسودان فهي بحاجة الى التوافق مع الروسيين والصينيين في مجلس الأمن ولهذا ثمنه الذي يبدأ بغض النظر عن سياساتهم العسكرية والاقتصادية الداخلية حتى الاقليمية من حول حدودهم وينتهي بتلك القفزة الخطيرة في الفضاء والمخفي اعظم عند الروس.
المحللون السياسيون الأمريكيون راحوا يتساءلون عن الكيفية التي سترد بها الادارة الأمريكية كما البنتاجون الغارقان حتى الأذنين في حرب العراق والاعداد للحرب «العدوان» على ايران فاذا جاء الرد في مستوى التحدي اهتز وضع مجلس الأمن في الملف الايراني، واذا جاء متساهلاً فستزيد ازمة ادارة بوش، بل تكون قد راكمت فوق أخطائها خطأ كبيراً آخر.
على ان ما اطلق من تصريحات من قبل المعنيين بالشؤون الاستراتيجية يشير الى ان تغييراً جوهريا في تحديد الأولويات سيطرأ على الاستراتيجية الأمريكية بمجرد الانتهاء من الملف النووي الايراني أو بمجرد انتهاء ولاية بوش.
وجاءت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الى الهند وما حف بها من تكريم فائق ليوجها ضربة أخرى الى وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش قبل ان ينتهي شهر «يناير» بخمسة أيام، ولم يكتف بوتين ببعث رسالة بليغة الدلالة الى ادارة بوش من خلال اعلانه عن تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الدولتين الكبيرتين الصديقتين تقليدياً، بل طالب باقامة محور روسي - هندي - صيني وجدوا له دوراً دوليا لما يتمتع به من قدرة خاصة في حل القضايا الدولية بصورة مقبولة للعالم.
يحق للمتأمل في هذه الدعوة لتشكيل محور دولي بهذه الضخامة من حيث القوة البشرية والامكانات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية ان يستنتج بادئ ذى بدء أن بوتين حظي على مباركة الصين لهذه الخطوة، كما موافقة الهند مما يعني ان المحور في طريقة للتشكيل.
هذا وسوف يتعزز الاستنتاج أعلاه بالاعلان عن لقاء ثلاثي لوزراء خارجية العمالقة الثلاثة. وبالطبع لا تفسير لهذا المحور غير تأكد قادة الدول الثلاث بأن حلف الاطلسي سيتحرك قريباً بتبني سياسة احتواء لكل من روسيا والصين والهند فشهر العسل اذا جاز التعبير، قارب نهايته مع اقتراب نهاية ادارة بوش التي غرقت في حروب فاشلة ضد العرب والمسلمين لحساب المشروع الاسرائيلي، فيما ترك المنافسون الكبار يتطورون في كل اتجاه.
فلاديمير بوتين اعاد بناء الدولة الروسية وضرب الجيوب الامريكية - الصهيونية التي كانت تنخر في روسيا وتذهب بها لتصبح دولة من الدرجة الثالثة، ان لم تعرضها للتمزق والتفسخ، أما الصين والهند فقد حققا خلال الست سنوات الماضية قفزات مشهودة في المجالين الاقتصادي والعسكري وفي التقدم لاحتلال موقعين هامين في الاسواق العالمية. وخلاصة يمكن القول ان مؤشرات عالم متعدد القطبية وربما عالم متعدد المحاور أخذ يضع بصماته على النظام العالمي، فيما نظام القطب الواحد أو مشروع «القرن الأمريكي» أخذ بالتراجع والتقهقر.