عندما خرج الشعب المصرى، فى تظاهرات الخامس والعشرين من يناير، كانت مجمل مطالبهم تتلخص فى بادئ الأمر بوضع آليه وتنفيذ مخططات العدالة الإجتماعية التى ترفع عنهم أعباء المعيشة اليومية، فى ظل الظروف الصعبة التى يعيش فيها الفقراء دون غيرهم من الشعب المصرى. لكن بعد اعتلاء العسكر منصة الحكم بعد الانقلاب على الشرعية، أصبح كل شئ مبدد، وأعلنوا العداء لكل شعارات الثورة التى ضحى شباب الوطن ونسائه بحياتهم من أجلها، وأكدوا أنه لا وجود لعدالة اجتماعية فى بلاد يحكم جنرالات العسكر. فمن غلاء إلى رفع الدعم إلى تعويم الجنيه، لكن كل ذلك غير كاف للجنرالات، حيث تم رفع معدل المعاناة للمواطن بتعديل جديد للتعريفة الجمركية، على العديد من السلع والمنتجات التى يتم استيراداها من الخارج لترتفع أسعارها بنسب مخيفة قد تصل إلى 400 %. فبعد أن ارتفع سعر الدولار بالبنوك الرسمية، أصبح الوضع متأزم للغاية، ومجرد الحلم بحياة اجتماعية بات أمرًا صعبًا، وتقول صحيفة وول ستريت جورنال فى هذا الشأن: "وبالحديث عن العملات الأفريقية، تراجع الجنيه المصري إلى مستوى قياسي جديد بعد التعويم الكامل له، وهناك مشاكل ستواجه مصر، إذ إن التضخم من المحتمل أن يرتفع خلال الأشهر المقبلة، ويمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية (التي تستورد مصر غالبيتها) إلى اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق". وقالت الصحيفة ذلك فى الوقت الذى قام فيه "السيسى" ورجاله، برفع التعريفة الجمركية للمرة الثانية خلال العام الحالى، والتى طالت العديد من السلع البسيطة التى يتم استيرادها من الخارج، والتى بلغ عددها 364 سلعة، وتتراوح الزيادة في التعريفة الجمركية على السلع المستهدفة بالارتفاع ما بين 40 إلى 60 %، بعدما كانت 10 أو 30% في الماضي، ما سيؤدي إلى موجة تضخمية جديدة تزيد أعباء المواطن المصرى الذى أصبح دخله المحدود عاجزا عن مواكبة انفلات الأسعار. في المقابل، يرى محللون وخبراء أن الحماية الجمركية لا تصب فى صالح المستهلك في النهاية، لأن رفع الجمارك يقتل المنافسة بين المنتج المحلى والمستورد، فربما يرتكن الصانع المصري إلى عدم وجود منافسة، ومن ثم لا يسعى لإيجاد مميزات فى سلعته لعدم وجود منافسة، كما أن الارتفاع الحاد في سعر الدولار حاليا يقف حائلا أمام المستوردين، والسلع ذات البدائل المحلية يزيد الإقبال عليها وتزداد رواجا دون حاجة لزيادة الجمارك، إضافة إلى أن بعض الدول التى تزيد التعريفة الجمركية على منتجاتها قد تعامل مصر بالمثل، ومن ثم تتعرض الصادرات المصرية إلى تراجع خلال الفترة المقبلة. من جهتهم، يرى المستوردون أن قرار رفع التعريفة الجمركية يدمر حركة الاستيراد في مصر، إضافة إلى أنه يفتح الباب أمام المحتكرين برفع الأسعار على المستهلكين، وأن 90% من المستوردين أغلقوا شركاتهم وخرجوا من السوق بسبب الخسائر التي تعرضوا لها في الآونة الأخيرة، لهبوط المبيعات للنصف وزيادة مديونياتهم للبنوك. أما المستهلكون فيتوقعون أن تؤثر تلك القرارات بشكل كبير على محدودي الدخل منهم ما يستدعي أن توفر الدولة مزيدا من الحماية الاجتماعية لهم، كما أن زيادة أسعار السلع بعد قانون القيمة المضافة ورفع الدعم عن بعضها خلال الأشهر الأخيرة دفعت المواطنين بمن فيهم الأغنياء لتقليل استهلاكهم وشراء الاحتياجات الضرورية فقط. وفى السياق ذاته يرى البائعون والتجار أن الزيادة التي أقرتها الحكومة ستؤثر على نسب الشراء والبيع وستؤدي إلى عزوف المواطنين عن الشراء، ومثالا على ذلك، فالمستورد الذي كان يستورد سلعة قيمتها 20 دولارا وبعد إضافة الجمارك التي كانت بنسبة 10% والضرائب الأخرى، تصبح قيمتها 22.5 دولار حينما كان سعر الدولار رسميا 8.9 جنيه، وبالتالي فإن قيمة هذه السلعة يكون 200 جنيه تقريبا. أما الآن وبعد تعويم الجنيه ووصول سعر الدولار إلى 18 جنيها، يكون سعر نفس السلعة التي قيمتها عشرون دولارا يساوي 360 جنيها، ومع إضافة جمارك بعد الزيادة الأخيرة بنسبة 60% من قيمتها، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة والضرائب الأخرى يصل سعر السلعة إلى 650 جنيها تقريبا، إذن فالسلعة التي كان سعرها قبل تعويم الجنيه وزيادة الجمارك 200 جنيه أصبح سعرها 650 جنيها، أي زيادة 225% ، وقد تصل إلى 300% بعد إضافة ربح التاجر.