خلت معظم شوارع العاصمة السودانية "الخرطوم" من السيارات والمارة ، منذ أمس الأحد ، منذ أن تم الإعلان عن بدء العصيان المدني الشامل ، حيث أغلقت الكثير من المحال التجارية أبوابها استجابة لدعوة العصيان المدني التي اطلقها ناشطون وانضمنت لها أحزاب المعارضة احتجاجًا على زيادات الاسعار وتدهور الاقتصاد. وتأثر قطاع التعليم بشكل واسع ، حيث أغلقت بعض المدارس أبوابها ، سيما المدارس الخاصة ، كما منحت بعض المدارس طلابها عطلة لمدة ثلاثة أيام استجابة لدعوة العصيان. كما سادت حالة من الهدوء على شوارع الخرطوم في أول أيام العصيان المدني، الذي بدأ صباح أمس الأحد ، ويستمر حتى الثلاثاء المقبل. وكانت أحزاب سياسية معارضة وحركات مسلحة قد أعلنت انضمامها لحملة العصيان المدني في السودان، التي أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ، ضد الغلاء وإجراءات الحكومة الأخيرة التي أدت إلى ارتفاع أسعار المحروقات والسلع والأدوية. بعد إقرار ارتفاع أسعار الدواء ، اعترف وزير الصحة في يوم 25 نوفمبر الجاري ، بوجود خطأ في تسعيرة الدواء الجديدة بالصيدليات ، وأعلن عن إعادة تصحيحها خلال الثلاثة أيام المقبلة ، كما تم إقالة الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم بسبب تلك الأخطاء التي نجم عنها غضب شعبي واسع. وتم التراجع عن رفع الدعم عن أدوية الأمراض المزمنة ، ووعد الوزير بزيادة في دعم العلاج المجاني للمرضى والعمل على تساوي أسعار الأدوية بكافة أنحاء السودان، كما تنبأ بفشل دعوى العصيان المدني معللًا ذلك بتفهم الشعب السوداني لما تمر به البلاد من أوضاع اقتصادية قاسية، واضطرار الحكومة لأخذ مثل هذه القرارات. مما يوضح مدى تخوف الحكومة من انتشار دعوة العصيان المدني بهذه السرعة وسعيها لوأدها قبل ولادتها ، كما أن الشرطة السودانية قامت بفض التظاهرات التي خرجت يوم 24 نوفمبر رفضًا لرفع الدعم عن الدواء ، فيما زاد من شرارة الغضب وانتظار يوم العصيان أملًا في التخلص الحكومة أو الغلاء. كما توجه الرئيس السوداني عمر البشير إلى الإمارات ، يوم السبت الماضي ، في زيارة لبحث إمكانيات التعاون بين البلدين لعدة أيام مصطحبًا معه وزراء الرئاسة والخارجية والكهرباء ، وهو ما دعى إلى استغراب الكثيرين واعتبروه شكلًا من أشكال الهروب ، حيث تواجه البلاد دعوات للعصيان وتشهد حالة من الغضب، ولكن البشير في حالة من عدم الاكتراث. إسقاط النظام.. واجب يعتبر نشطاء سودانيون أن العصيان المدني يعد الخطوة الأولى في محاولة إسقاط النظام ، حيث يعتبر العصيان المدني واحدًا من أهم أدوات المعارضة السودانية ؛ فقد سبق أن نجح في الإطاحة بالرئيس الأسبق جعفر نميري ، الذي حكم ما بين عامي 1969 - 1985. كما لعب العصيان دورًا محوريًا في المقاومة الشعبية التي أسقطت حكومة الرئيس الأسبق إبراهيم عبود ، الذي حكم ما بين 1958 – 1964. وقد أصدر تحالف قوى الإجماع المعارض بيانًا ، دعا فيه جموع السودانيين وقواهم الديمقراطية المتحفزة لإسقاط النظام ، للالتفاف حول شعار برامج قوى الإجماع الوطني الرامية لإسقاط النظام. وأكد حزب المؤتمر السوداني أن الدعوات التي أطلقها ناشطون ومواطنون للعصيان ، تتناغم مع دعوة الحزب وعمله من أجل إسقاط النظام ، وتتفق معه تمام الاتفاق. واعتبر الحزب أن الدعوة للعصيان المدني ، سلوك نضالي رفيع لشعب عرفته التجارب ومنحته ثورات أكتوبر وأبريل خبرات في مقاومة الأنظمة ، وشعب يستند على تراكم أكثر من ربع قرن من مقاومة النظام. وطالب حزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي ، بضرورة إسقاط النظام، متهمًا إياه بالطغيان والجبروت وارتكاب الجرائم بحق المواطن والوطن. وأكدت الأمينة العامة للحزب ، أن الحزب قرر تصعيد وتيرة الفعل الجماهيري في الشارع العام ، وصولاً للإضراب العام والعصيان المدني الهادف إلى تغيير النظام وتأسيس نظام جديد بديل يقوم على الحرية والكرامة والعيش الكريم. فيما دعت حركة تحرير السودان الشعب للاصطفاف من أجل اقتلاع نظام الإنقاذ ، لأنه فقد مبررات بقائه ، وشددت في بيان، على ضرورة إسقاط النظام "بالوسائل السلمية التي تتمثل في الانتفاضة الشعبية والاعتصام أو بالوسائل العسكرية". فيما حيّت حركة العدل والمساواة ، الشعب السوداني وهو يخطو خطوات واثقة للخلاص عبر العصيان المدني ، مؤكدة أن قواعد حركة العدل والمساواة ستكون مع الشعب في انتفاضته السلمية لتخليص البلاد من المنعطف الخطير الذي تمر به. كما أعلنت الجبهة الثورية السودانية دعمها اللامحدود للصعود الجماهيري الرافض لسياسات النظام وقراراته الاقتصادية الأخيرة، التي هدفت إلى تحميل المواطن أعباء إضافية بتحرير سعر العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، والتي أدت إلى زيادة في أسعار المحروقات وكل السلع الضرورية من الغذاء والدواء. وطالبت في بيان لها، القوات النظامية بألا تضع نفسها في مواجهة الشعب السوداني، مضيفة: "من واجبكم الحفاظ على سلامة وأمن المواطنين، لا قهرهم باستخدام العنف المفرط ضدهم؛ إرضاءً لحاكم ظالم مستبد".