الحكومة للنواب: نحرص على سرعة إصدار قانون مزاولة الصيدلة لصالح الطلاب    بالأسماء.. حركة تغييرات وتجديدات بين قيادات الصحة في كفر الشيخ    حياة كريمة تطرح اللحوم بأسعار مخفضة فى شبرامنت والطالبية بالجيزة.. فيديو    محافظ كفر الشيخ: وضع 99 عمود إنارة على طريق «إبشان - أبو بدوي» بمليوني جنيه    وزير الإسكان يستقبل السفير العراقى بالقاهرة لبحث تعزيز سبل التعاون المشترك ونقل التجربة العمرانية المصرية    وزير الرياضة يلتقي «شباب قادرون» لاختيار مشروعات مؤتمر الاستثمار العربي    المستقلة للانتخابات بتونس: 28.8% نسبة الإقبال العامة على التصويت    ماكرون: نسعى لتحقيق هدنة وإطلاق سراح الفرنسيين المحتجزين في غزة    ديشامب يكشف سبب استبعاد مبابي من قائمة فرنسا رغم عودته من الإصابة    الخطيب يطير إلى اليونان غدًا    توتو سبورت: إصابة زاباتا بقطع في الرباط الصليبي.. وبالوتيلي أحد المرشحين لتعويضه    بالأسماء.. 11 مصابًا في انقلاب سيارة ميكروباص في بني سويف    مصدر: حريق داخل محطة مترو المرج الجديدة    طلاق الفنانة إلهام عبد البديع من الملحن وليد سامي    3 أبراج فلكية الأكثر تعاسة في أكتوبر.. هل أنت منها؟    «الثقافة» تشارك في أسبوع التراث بمعهد الفنون التطبيقية    بالفيديو.. أحدث ظهور ل جوري بكر مع ابنها في بورسعيد    هل يوجد إثم في تبادل الذهب بمثله؟.. أمين الفتوى يجيب    «التنسيقية»: نتابع خطط وزارة الصحة لتحسين الخدمات وتفعيل التأمين الصحي الشامل    طريقة عمل الكوكيز، باحترافية زي الجاهز وبأقل التكاليف    خارجية أمريكا: نريد رؤية تطبيق قرار 1701 على الحدود الإسرائيلية اللبنانية    "العكاري" عن تأخر رد الاحتلال على إيران: "أول مرة يواجه دولة ذات سيادة"    حقيقة «المرأة التي هدمت إمبراطورية صبحي كابر».. أول رد من «أم محمد» (فيديو)    هل ارتداء «البراندات» إسراف؟ واعظة ب«الأوقاف» تجيب    قدمت ابنتها لراغبي المتعة.. جنايات القاهرة تودع حيثيات حكمها المشدد على شريكة سفاح التجمع    نقيب المعلمين يفتتح الدورة التدريبية 104 «أزمات وتفاوض» لمعلمي الفيوم    مدير صحة القليوبية يتابع العمل بالوحدات الصحية: إحالة المقصرين للتحقيق    بايدن يؤكد لإسرائيل التزامه ب"حقها بالوجود"    روبير الفارس يكشف: إلغاء منهج تعليمى عن حرب أكتوبر.. كتاب من خمسة فصول للمؤلف السيد الشوربجى يتضمن أسرار الحرب والانتصار ويبث روح الوطنية فى الطلاب    "فرحتوني".. محمد ثروت يوجه رسالة إلى أصدقائه في عيد ميلاده    وزير الصحة: انخفاض معدل الإنجاب فى 2021 من 2.8 ل2.5 مليون    بالزي الفرعوني.. استقبال مميز للطلبة في كلية الآثار بجامعة دمياط    ميكالي يناقش إقامة معسكر منفصل للاعبين المحترفين    وزارة الشباب تطلق معسكرات رياضية لمتطوعي "حياة كريمة"    باصطفاف يحيي الذكرى.. معهد فتيات أولاد نجم يحتفل ب 51 عامًا على انتصارات أكتوبر في قنا    وزير الصحة أمام مجلس النواب: تكليف من الرئيس السيسى بالتوسع في المدن الطبية المتكاملة    ما الفرق بين شبكات الجيل الرابع 4G والخامس 5G للاتصالات؟    غدا.. الجنايات تستكمل محاكمة متهمي تهكير مواقع التواصل الاجتماعي    وزارة الزراعة تنفى إغلاق حديقة الزهرية بالزمالك وتؤكد: مفتوحة أمام الجمهور    الأزهر للفتوى: الإنفاق في الخير لا يشمل المال بل النية والعاطفة    القوات الأوكرانية: وقوع إصابات بجانب المطار العسكري في ستاروكونستانتينوف    «النواب» يوافق على زيادة حصة مصر في صندوق النقد الدولي    صحة لبنان: استشهاد 2083 شخصًا منذ بدء العدوان الإسرائيلي    مؤاسل «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تستعد لتنفيذ عملية برية جديدة في لبنان    افتتاح معرض «إرادة شعب» في متحف الحضارة لتخليد ذكرى انتصارات أكتوبر    منها توطين 23 صناعة جديدة.. أهم إنجازات "ابدأ"    «الرعاية الصحية» تعلن نجاح جراحتين لزراعة القوقعة في مجمع الإسماعيلية الطبي    رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة شغل وظائف معلم مساعد 2024    مرشح "الأوقاف" في مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم يُبهر المشاركين والمحكمين    انتشال جثة طفل غرق في ترعة النوبارية بالبحيرة    سيد معوض: الكرة المصرية تعاني من أزمة في الظهير الأيسر    عام على غزة.. 10 آلاف مريض سرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج بعد تدمير المستشفى الوحيد    باكستان: مقتل 3 أجانب وإصابة آخرين بانفجار قرب مطار كراتشي    "هو انت تستحق؟".. الغندور يفجر مفاجأة اعتراف إمام عاشور ل كولر    الحالة المرورية اليوم بشوارع وميادين القاهرة الكبري الإثنين 7 أكتوبر    مانويل جوزيه: أحاول التواصل مع أبو تريكة..«لا يرد على اتصالاتي»    بمستهل تعاملات الأسبوع.. سعر الذهب فى مصر يتراجع 5 جنيهات    الدكتور حسام موافي ينتقد الإسراف في حفلات الزفاف: "ستُسألون عن النعيم"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عماد عقل".. البطل "الحرباء" الذي أرهق العدو الصهيوني حيًا وميتًا
"الشعب" تحيي الذكرى ال23 لاستشهاد البطل القسامي "عماد عقل"
نشر في الشعب يوم 26 - 11 - 2016

منذ أن قام قادة الصهيوينة بإعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948 ، والأرض الفلسطينية لم تبخل مطلقًا ، بإخراج بقادة وزعماء حملوا على عاتقهم هم مقاومة الاحتلال ومحاولة إعادة الحق المغتصب سواء بالسلاح أو بالسياسة.
فهناك العشرات من قادة المقاومة ، قد مروا على الأرض الفلسطينية في سلسلة لا تنقطع من النضال والكفاح من أجل تحرير فلسطين ، وكانوا على يقين بنهايتهم ، وإن لم يحذرهم أحد ، فقد كان استشهاد البطال الأوائل أمثال عبد القادر الحسيني ، وعز الدين القسام ، وغيرهم الكثير ، حافزًا لهم لمواصلة طريق الكفاح والنضال ، لتحقيق إحدى الحسنيين ، إما النصر أو الشهادة.
وكان من بين هؤلاء الأبطال ، الكثير من أصحاب االعقول الفذه ، التى نجحت فى تطوير المقاومة واسلحتها وطرق مهاجمة العدو وردعه بأقل وأبسط الأمكانيات ، وكان ضمنهم ، البطل "عماد عقل".
"عماد عقل" هو الاسم الذي أرعب اليهود ، وقذف في قلوبهم الرعب ، وهو كثيرًا ما قهرهم بجرأته وقوة قلبه ، وفاجأهم حين كان يباغتهم في عملياته العسكرية النوعية ، ف"عماد" هو جنرال كتائب الشهيد عز الدين القسام ، الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية "حماس" في الضفة والقطاع، ذلك الشاب الذي خرج من تحت الركام والأنقاض، ليحول حياة اليهود إلى جهنم حقيقة على أرض فلسطين.
وقد تحدث عنه القادة والجنرالات الصهاينة، وتحدث عنه المجرم الهالك ، رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق "إسحاق رابين" نفسه، ووصفه بالأسطورة.
وبالتزامن مع الذكري ال(23) لاستشهاد القاائد االبطل "عماد عقل" ، صدنا لكم هذا التقرير ، لنذكر متابعينا الأعزاء ، بمثل هؤلاء الأبطال الذين قدموا كل غالى ونفيس فى سبيل النصر والتحرير.
من هو "عماد عقل" ؟
هو "عماد حسن إبراهيم عقل" ، ولد فى مخيم جاليا في قطاع غزة في 19يونيو عام 1971 ، ووالده كان مؤذنًا لمسجد الشهداء في مخيم جباليا ، قد اختار لابنه الذي جاء ثالثًا بين الذكور هذا الاسم "عماد" تيمناً بالقائد المسلم "عماد الدين زنكي" الذي قارع الصليبيين حتى حان أجله.
نشأ "عماد" وتربى في بيت المتدين وفخور بعقيدته ، وبدا واضحًا منذ نعومة أظافره تمتعه بالذكاء والعبقرية ، ولهذا صمم والده على أن يواصل مسيرته التعليمية حيث تفوقه بحصوله على مرتبة متقدمة بين الأوائل ، وكما كان متوقعًا أحرز الترتيب الأول على مستوى المدرسة وبيت حانون والمخيم ، في شهادة الثانوية العامة ، بعد ذلك تقدم بأوراقه وشهاداته إلى معهد الأمل في مدينة غزة لدراسة الصيدلة ، إلا أنه ما إن أتم إجراءات التسجيل ودفع الرسوم المقررة حتى وجد جنود الاحتلال يعتقلونه في أواخر سبتمبر عام 1988 ويقدمونه إلى المحكمة بتهمة الانتماء لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" والمشاركة في فعاليات الانتفاضة.
"عقل" القائد الصغير
واكبت حركة "عماد" ونشاطه وقوة حبه للجهاد وقتال اليهود اشتعال الانتفاضة الفلسطينية ، وتصاعد وتيرتها وامتدادها على طول رقعة الوطن المحتل ، وما أن أطلقت "حماس" في قطاع غزة لشبابها وأنصارها العنان لقيادة المظاهرات وتوجيه الجماهير منذ الثامن من ديسمبر من عام 1987 حتى تقدم الشهيد الصفوف مشكلاً المجموعات من الشباب في المخيم لملاحقة جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين الذين كانوا يعيثون فسادًا وتخريبًا.
كما شارك الشهيد رحمه الله في كتابة الشعارات الجدارية ضد العدو الصهيوني ، وعرف عنه ولعه الشديد بالمظاهرات والمسيرات الاحتجاجية ، فشارك في الكثير من فعاليات الانتفاضة ضمن مجموعات السواعد الرامية التي تكونت في المخيم بعد انبثاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الاعتقال..
وباعتقال مجموعة كبيرة من الكوادر الشبابية في ما يسمى ب"ضربة أغسطس" عام 1988، تعرض "عماد" وشقيقه "عادل" للاعتقال في الثالث والعشرين من سبتمبر من ذلك العام ، حيث أودع السجن ثمانية عشر شهراً ، إثر صدور الحكم عليه من محكمة عسكرية ظالمة بتهمة الانتماء لحركة "حماس" ، والمشاركة في فعالياتها ، وتكوين مجموعات مناهضه للصهيونية ، وإلقاء زجاجات حارقة.
وما أن خرج الشهيد رحمه الله من المعتقل في مارس من عام 1990 ، حتى عاد إليه مرة أخرى إذ وجهت إليه سلطات الاحتلال تهمة تجنيد أحد الشباب في تنظيم "حماس" ، فقضى الشهيد في المعتقل هذه المرة شهرًا آخر بعد أن تيقنت أجهزة المخابرات الصهيونية أنه اعترف في المرة السابقة بالتهمة التي وجهت إليه .
وخرج من المعتقل بعزم وتصميم لا يلين على مواصلة طريق الجهاد ونيل الشهادة في سبيل الله حيث كان دائم الحديث عن جهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن الشهادة والشهداء وبطولات قادة الفتح الأوائل مثل "خالد بن الوليد" و"أبو عبيدة بن الجراح" و"صلاح الدين الأيوبي" و"سيف الدين قطز" وغيرهم من القادة العظام.
عماد.. "عقل" المقاومة النابض
ولذلك لم يرق لشهيدنا البطل أن يظل مقتصرًا في جهاده على الحجر والمقلاع ، بل راح يبحث عن درجة أعلى من ذلك ، وعما يزيد من إلحاق الخسائر في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين والعملاء وتجار المخدرات ، فبدأ اتصالاته وتحركاته فور خروجه من المعتقل للالتحاق بالجهاز العسكري لحركة "حماس" المعروف باسم "كتائب الشهيد عز الدين القسام" الذي يلبي رغباته وطموحاته العسكرية ، فكان له ما أراد إذ تم الحاقه في مجموعة "الشهداء" ، وهي من المجموعات الأساسية الأولى التي بدأت العمل في المنطقة الشمالية من القطاع بملاحقة العملاء الخطرين وتصفية بعضهم ، ثم اندمج تلقائيًا في كتائب القسام وبدأ بممارسة مهامه الجهادية على أفضل ما يكون .
وعلى الرغم من وجود من هو أكبر منه سنًا وأقدم منه في المرتبة التنظيمية ، إلا أن ما يتمتع به الشهيد "عماد عقل" من ذكاء وفطنة وخفة حركة إلى جانب حذره واستعداده الدائم جعلت قيادة الكتائب ومجاهدي المجموعة يختارونه ضابط اتصال لهم ينقل التعليمات والأوامر والخطط وكل ما يتعلق بشأن المجموعة من وإلى القيادة .
راحوا يصوبون سكاكينهم وخناجرهم إلى صدور المجرمين الساقطين في شباك العمالة والخيانة بتخطيط متقن وعمليات نوعية جريئة أثارت جنون اليهود ورفعت لواء فلسطين في عزة وإباء، فقد كانت المجموعة تخطف العميل وتحقق معه مستفيدة مما لديه من معلومات ومسجلة اعترافاته على أشرطة تسجيل كوثائق للإدانة وأدلة لا يمكن إنكارها.
وكان لهذه العمليات الناجحة وقع بالغ عند الجماهير لما لها من أثر واضح في تطهير المجتمع من العناصر الفاسدة التي سممتها المخابرات الصهيونية ، وظل الناس يتابعون في شغف عمليات الكتائب التطهيرية في غزة وجباليا والشيخ رضوان ومخيم الشاطىء ، وكم كان استغرابهم عندما يسارعون إلى مكان الاختطاف أو إعدام العميل إن كان من الخطرين أو المعروفين بشكل جلي لا لبس فيه ، فلا يجدون المجاهدين وكأنهم تبخروا في الجو .
"عماد" في الضفة الغربية
بعد أن تم رصده ومطاردته وأصدقائه من قبل قوات الاحتلال ، وحفاظًا على الإخوة المطاردين وتوفيرًا للجهد المضني في توفير الملجأ ، وتسهيل الحركة لهذه الأعداد تم التخطيط لخروج مطاردي "مجموعة الشهداء" من قطاع غزة والانتقال إلى الضفة الغربية.
وكذلك جاء اختيار مجموعة الشهداء الانتقال إلى الضفة الغربية اختيارًا موفقًا ، فقد خفف الانتقال العبء عن قطاع غزة من جانب وأعطى دفعة قوة للضفة الغربية بتكوين الخلايا المسلحة لمقاومة االاحتلال من جهة أخرى.
وقبل الانتقال مع مجموعة الشهداء إلى الضفة الغربية ، لابد من الوقوف مع الحدث البارز في سجل عماد عقل في تلك الفترة ، ألا وهو أول عملية عسكرية له ضد جنود الاحتلال.
ففي الرابع من مايو عام 1992، أطلق عماد عقل رصاصته مستخدمًا بندقية "كارلو غوستاف" ضد قائد الشرطة في قطاع غزة الجنرال "يوسيف آفنيبغد" أن أوقعته المجموعة في كمين نصبته له عند مفترق ، غير أن العملية لم تسفر إلا عن إصابة سيارة "الشاباك" المرافقة له.
وانتقل الشهيد "عماد عقل" عن طريق حاجز إيرز وهو المعبر الوحيد الذي يربط قطاع غزة بفلسطين المختلة عام 1948 إلى الضفة الغربية في الثاني والعشرين من مايو عام 1992 ، واستقر في مدينة القدس وما هي إلا أيام قليلة حتى تبع الشهيد إلى القدس وبنفس الطريقة بقية أفراد المجموعة حيث تم استئجار شقتين آخريين في رام الله.
قائد مجموعات الخليل
شكل موضوع تزايد أعداد المعتقلين من كتائب الشهيد عز الدين القسام إلى جانب الأعداد الكبيرة من معتقلي حركة المقاومة الإسلامية حماس وأجهزتها الأمنية والعسكرية وعلى رأسهم شيخ الإنتفاضة المجاهد "أحمد ياسين" ، وما يعانونه من تعذيب وظروف صحية واجتماعية ونفسية صعبة داخل المعتقلات والسجون الصهيونية هاجسًا سيطر على تفكير الشهيد منذ أن تولى مسئولية العمليات في منطقة الخليل.
ولهذا الغرض شرع القائد "عماد عقل" بالتخطيط لأسر جندي من جيش الاحتلال الصهيوني او أكثر واستخدام هؤلاء الأسرى كرهائن من أجل مبادلتهم بأبطال حماس وكتائب عز الدين القسام المعتقلين ، فطلب من مساعديه في وقت لاحق إيجاد مغارة كبيرة مناسبة في التلال المجاورة لمدينة الخليل تصلح أن تكون مكاناً آمناً حتى يمكن إخفاء الجنود الأسرى فيها.
وعندما تم ترتيب أمر المغارة ، تم تدريب الشباب الذين تم فرزهم من بين صفوف نشطاء الحركة على السلاح وتنظيمهم في إطار كتائب الشهيد عز الدين القسام باسم مجموعة شهداء الأقصى ، وبهذه المجموعة المجاهدة ، مضى الشهيد القائد في ثبات وتفاعل رغم كثرة التبعات وجسامة التحديات ولسان حاله يصرخ لن أترك أحفاد القردة والخنازير أمنين يعبثون ويفسدون.
وإذا كان "عماد" قد تولى مسؤولية قيادة كتائب القسام في مدينة الخليل وما يتبع هذه المسؤولية من إشراف على تجنيد المجاهدين وتدريبهم على استخدام الوسائل القتالية وإعدادهم للقيام بعمليات ضد قوات الاحتلال ، إلا أن ذلك لم يحل دون مشاركته في العمليات العسكرية الجريئة التي نفذتها مجموعة شهداء الأقصى تخطيطاً وتنفيذاً.
ففي الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1992 ، هاجمت مجموعة الشهيد القائد بالأسلحة الأوتوماتيكية سيارة "رينو 5" عسكرية كانت تسير على طريق الظاهرية باتجاه مدينة الخليل حيث قامت السيارة التي أقلت "عماد" وإخوانه بتتبعها ومن ثم إطلاق النار من البنادق الرشاشة على السيارة بعد الاقتراب منها مما أدى إلى إصابة جميع ركابها بإصابات مختلفة.
وبعد أربعة أيام من هذه العملية البطولية نفذ الشهيد القائد رحمه الله بالاشتراك مع اثنين من إخوانه عمليته العسكرية الثانية في منطقة الخليل والتي وصفها أحد ضباط القيادة في جيش الاحتلال بأنها من "أجرأ العمليات التي استهدفت المواقع العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية" ، إذ اقترب "عماد" من معسكر جيش الاحتلال القريب من الحرم الإبراهيمي الشريف ، وعلى بُعد ثلاثين متراً من الجنديين الذين كانا يتوليان الحراسة بدأ البطلان بإطلاق النار من أسلحتهما الرشاشة دون أن يتمكن جنود الاحتلال من الرد عليهما أو تعقبهما عند انسحابهما في السيارة التي كانت تنتظرهما ، وقد اعترف الناطق العسكري الصهيوني في وقت لاحق بمقتل ضابط صف لم تنقذه واقية الرصاص التي كان يرتيديها في حين أصيب الجندي الثاني بجروح خطيرة .
في ضوء هذا النشاط الملحوظ الذي طرأ في الضفة الغربية ومنطقة الخليل بالذات في أعقاب سلسلة العمليات العسكرية الناجحة ، نشطت فرق جهاز المخابرات الصهيوني وعملائه في تحركاتهم السرية في محاولة لكشف سر المجموعة التي نفذت هذه العمليات التي وجهت بشكل خاص ضد جنود ودوريات الجيش وجعلت قيادة الاحتلال تعيد النظر في تقليص حجم القوات الصهيونية المنتشرة هناك.
ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل ، وذهبت جهود ضباط الشاباك الذين نشروا عملاءهم بين الجماهير لعلها تأتي بخيط يقود إلى مجموعة "شهداء الأقصى" سدى ، واستمر الشهيد القائد رحمه الله ماضياً في جهاده المبارك ينظم ويدرب ويخطط في همة وحيوية وتفاعل ممتشقاً سلاحه ومنتعلاً حذاءه الرياضي باستمرار ومتابعة تحركات العدو ودورياته أولاً بأول وفيما هو كذلك جاء قضاء الله وقدره بأن يبدأ العد التنازلي لإقامة الشهيد القائد في مدنية الخليل.
وقد أسفرت التحقيقات التي أجراها جهاز الشاباك بالتعاون مع جيش الاحتلال عن الكشف عن علاقة القائد عماد عقل بمجموعات الخليل ودوره ضمن البناء الهيكلي والتنظيمي للجهاز العسكري في حركة حماس بالضفة الغربية مما جعل إقامته صعبة للغاية.
من خليل الرحمن إلى غزة هاشم
غادر شهيدنا البطل مدينة خليل الرحمن في الثالث والعشرين من نوفمبر عام 1992م ، متجهًا إلى قطاع العز والكرامة حيث استطاع اجتياز كافة الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش التي أقامها جيش الاحتلال ودخل عبر بوابة حاجز إيرز الذي يربط القطاع بالمناطق المحتلة عام 1948 متخفيًا في زي مستوطن يهودي ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جرأة وشجاعة منقطعة النظير ناهيك عن مقدرة فائقة على التأقلم وسرعة البديهة.
لم يكن الوضع في قطاع غزة بأخف وطأة على الشهيد القائد وإخوانه المطاردين ، فقد اشتدت الإجراءات الصهيونية وازدادت قساوة في مختلف مدن وقرى ومخيمات القطاع مع التصعيد الجهادي المتميز لكتائب الشهيد عز الدين القسام .
"رابين" يساوم.. وعماد يؤكد: لن تمنعني من الموت !
بعد أن فشلت أجهزة المخابرات الصهيونية في الوصول إلى جنرال "حماس" وتصفيته لجأت إلى أسلوب آخر وهو المساومة حيث أن رئيس الوزراء الصهيوني "اسحاق رابين" أتصل بأهله وعرض عليهم أن يخرج عماد إلى مصر أو الأردن بسلام على أن يعود بعد ثلاثة سنوات دون أن يقدم إلى المحاكمة فرد البطل بقولته: "أن رابين لا يستطيع أن يمنع شابًا قرر أن يموت".
وهكذا أخذ عماد بندقيته وانتظر في ليلة الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 1992 على مدخل حي الشيخ رضوان في غزة ليردي برصاصه جنديًا صهيونيًا وبعدها بشهر كان يربض أمام مفرق الشجاعية في مدينة غزة ليصرع ثلاثة من الجنود بينهم ضابط كبير وفي نفس المفرق وبعد حوالي شهر استطاع أن يصيب اثنين من جنود الصهاينة.
وفي شهر مارس كانت رصاصاته تخترق أجساد ثلاثة من جنود الاحتلال في جباليا وغرب الشيخ رضوان عند منطقة السودانية كان عماد هناك وذلك في العشرين من مارس عام 1992 ليصرع ثلاثة من جنود الاحتلال ثم قفز إلى حي الزيتون ليقتل ثلاثة آخرين ثم كان في الخليل ليصرع جنديا ويجرح آخر وهكذا نفذ عماد خلال سنتين من المطاردة أكثر من 40 عملية منها إطلاق نار على الجنود والمستوطنين وخطف العملاء والتحقيق معهم وقتل العديد منهم .
"عقل".. ضيفًا عزيزًا في مصر
ومع ازدياد الضغط الذي يشكله وجود عشرات المطاردين دون أن يكون في مقدور مسئوليهم توفير الملجأ الآمن في أعقاب سياسة تدمير المنازل ، حينها قررت قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الطلب إلى عدد كبير من هؤلاء المطاردين الاستعداد لمغادرة القطاع وعبور الحدود باتجاه مصر حيث بدأ المجاهدون المطاردون بالخروج على شكل مجموعات صغيرة ، وعندما جاء الدور على الشهيد "عماد عقل" اعتذر عن الخروج بإصرار ، فقد كان رحمه الله عازمًا على الجهاد حتى الشهادة ، فرفض أن ينسحب من الميدان أو أن يخرج مغادراً الوطن الذي يحبه دون أن يقاتل حتى الرمق الأخير.
وبقي وفيًا لقسمه ، قسم المؤمنين بالجهاد حلاً وحيدًا لتحرير كل فلسطين حتى أكرمه الله بالشهادة ، ومما قاله لمسؤوليه الذين عرضوا عليه الخروج تلك العبارة الخالدة: "سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة وأدخل الجنة ، هذا جهاد نصر أو استشهاد" ، هكذا ردد الشهيد الشيخ المجاهد عز الدين القسام الذي عبر عن البعد الإسلامي لقضية فلسطين بعد قدومه إلى فلسطين من سوريا في آواخر العشرينيات من هذا القرن .
وبهذا الشعار عمل مجاهدنا البطل ، فمضى يسطر بدمه ودماء إخوانه الطاهرة وتضحياتهم الجسيمة أبهى وأنصع الصفحات حتى أفقد العدو صوابه ، وارتدت رصاصات الغدر الصهيونية إلى نحور وأكباد أحفاد القردة والخنازير خلال عشرات الكمائن ، وعمليات إطلاق النار على جنود الاحتلال ودوريات جيشه وحرس حدوده التي نفذها وقادها شهيدنا البطل .

ومع نجاح البطل ومجموعاته في اصطياد عدد كبير من هؤلاء دخلت عمليات صيد "الحرباء" أو"الشبح" أو"العقرب" وهي التسميات التي أطلقتها سلطات الاحتلال العسكرية على شهيدنا الغالي طورًا جديدًا حيث تم توسيع دائرة عمل الوحدات الخاصة المستعربة التي قتلت منذ تشكيلها أكثر من مائة مطارد من مختلف الفصائل والتنظيمات الفلسطينية.

ومثلما جسد الشهيد القائد ببطولاته وعملياته الهجومية الجريئة رغم حملات المطاردة المكثفة أسطورة الأجيال القادمة على المقاومة والدفاع عن الحقوق المشروعة والاستهانة ببطش العدو، غدا "عماد عقل" ايضًا أسطورة الأجيال القادمة على تحدي الأخطار المحدقة بشجاعة وبطولة واستعداداً للشهادة مقبلًا غير مدبر حتى اعترف جيش الاحتلال الذي هاجمه بأنه كان المهاجم لا المتصدي ، ولم يكن ذلك بالأمر الغريب على أسطورة غزة ، فقد صدق الله وطلب الشهادة بصدق فصدقه الله ونالها في نهاية الأمر ، ولعل تيقن شهيدنا البطل بالانتصار والفوز بالشهادة والتي بدأت في نفس اليوم الذي حمل فيه السلاح ، هذا الدافع الأكيد للجرأة المنقطعة النظيرة .
موعد مع الشهادة
لبى شهيدنا البطل الذي كان صائمًا في ذلك اليوم ، طلب بعض الشباب بأن يتناول طعام الإفطار معهم في بيت "أم نضال" - مريم فرحات - بجانب سوق الجمعة ومسجد الإصلاح بحي الشجاعية بمدينة غزة ، وبعد تناوله الإفطار بمدة نصف ساعة ، أي في الساعة الخامسة والربع من مساء الأربعاء الموافق 24 نوفمبر عام 1993 ، شعر البطل بأن المكان محاصر من قبل قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود لم يشهد لها سكان الشجاعية مثيلاً من قبل ، حيث قدرت بأكثر من 60 سيارة عسكرية من مختلف الأنواع والأحجام ، إضافة لسيارة إسعاف عسكرية وسيارة لخبراء المتفجرات ومطاردة طائرة مروحية حلقت فوق المكان إلى جانب عدد كبير من سيارات الوحدات الخاصة.
وشمل الحصار العسكري الذي شارك فيه المئات من الجنود الصهاينة وعدد من ضباط الاستخبارات بقيادة قائد المنطقة الجنوبية كافة أنحاء المنطقة الشرقية من حي الشجاعية ، واعتلى العشرات من هؤلاء الجنود أسطح المنازل المحيطة بالمنزل الذي تحصن فيه الشهيد القائد.
وفيما بدت المنطقة أشبه بثكنة عسكرية حيث تواصل قدوم التعزيزات العسكرية أخذ أسطورة غزة بالانتقال من مكان إلى آخر باتجاه جنود الاحتلال من مسدس عيار 14 ملم كان بحوزته.
يروي أصحاب المنزل بأن الشهيد القائد قال: "حضر الآن موعد استشهادي" ، ثم صعد بعدها إلى سطح المنزل وقام بأداء ركعتين لله تعالى ، وفي هذه الأثناء كانت قوات الاحتلال التي فرضت منع التجول على تلك المنطقة تقوم بعملية تمشيط واسعة بحثًا عن المجاهدين الذين نجحوا في الانسحاب والعودة إلى قاعدتهم.
قصف جنود العدو منزل آل فرحات بالصواريخ المضادة للدبابات وأطلقوا النار بغزارة من اسلحتهم الرشاشة باتجاه المطارد الذي لم تحدد سلطات الاحتلال شخصيته حتى تلك اللحظة ، فأصيب بطلنا وهو يصلي برصاصة في ساقه ، إلا أن تلك الإصابة لم تمنعه من القفز من أعلى المنزل باتجاه الأرض صارخًا الله أكبر وتبادل إطلاق النار مع جنود الاحتلال الذين يحاصرون المنزل حتى فاز بالشهادة.
فقد أصابت إحدى القذائف المضادة للدروع الشهيد ومزقت جسده أشلاء حيث كانت الإصابة مباشرة في منطقة الرأس التي تناثرت إلى عدة قطع لدرجة أن أجزاء من رأسه قد أزيلت وملامح وجهه الطاهر لم تعد تظهر على الإطلاق طبقًا لما رواه "نضال فرحات" صديق "عقل" الذي قام بنقل جسد الشهيد خارج المنزل.
أرعبهم حيًا وميتًا
مثلما كان الشهيد رحمه الله عظيماً بقدرته على زعزعة المؤسسة العسكرية الصهيونية من جيش وشرطة وحرس حدود وأجهزة مخابرات ببطشها وجبروتها ، كانت جثته الطاهرة عظيمة أيضًا بما أوقعت من خوف ورعب في نفوس المئات من جنود الاحتلال وعلى رأسهم الجنرال "اميتان فيلنائي" قائد المنطقة الجنوبية الذين وقفوا عاجزين عن كتمان ما اعتراهم حتى بعد أن تيقنوا أن المطارد الذي يحاصرونه قد قتل ، لما إن أبلغ الجنود الذين اعتلوا سطح بناية مجاورة لمنزل آل فرحات بأن إحدى القذائف أصابت المطلوب بشكل مباشر حتى بدا الارتباك على وجوه المجرمين الذين أخذوا ينظرون إلى بعضهم البعض ماذا يفعلون ومن الذي سيدخل أولًا.
ولكن جبن حفدة القردة والخنازير منع أي منهم من دخول المنزل ، وعندئذ لجأوا إلى منزل المواطن زهير اسليم القريب من مكان الحادث واقتادوه تحت الضرب وتهديد السلاح إلى منزل آل فرحات بعد أن أخبرهم عن اسم أصحاب هذا المنزل ، وبعد ذلك قالوا له نريدك أن تحضر لنا أصحاب المنزل من الداخل وتبلغهم أن يخرجوا ، فرفض المواطن الفلسطيني في البداية خشية أن يتعرض لإطلاق النار ، ولكنه اضطر للدخول ونادى على أصحاب المنزل من الداخل بعد أن اعتدى المجرمون عليه بالضرب وألبسوه الخوذة العسكرية وهددوه بإطلاق النار عليه إن استنكف عن الدخول .
خرج الشاب "نضال فرحات" أولاً ، فبدأ ضباط الشاباك باستجوابه والتحقيق معه حول ما إذا كان يوجد مسلحون أم لا وسألوه عن الشخص الذي قتل في الداخل ولماذا جاء إلى المنزل ثم طلبوا منه أن يخرج جميع أهل البيت حيث تم اقتيادهم إلى مكان قريب من المنزل ، وعندئذ قال ضباط العدو للشاب نضال بأنهم لن يدخلوا المنزل حتى يدخل هو ويحضر لهم الجثة الموجودة في الداخل ، وبالفعل حمل "نضال" الجثة ووضعها خارج المنزل أمام جنود العدو الذين لم يخفوا حقدهم الأعمى على الشهيد القائد الذي دوخهم حيًا وبعد استشهاده ، فأخذوا يطلقون النار بغزارة على الجثة الطاهرة التي أصيبت مجددًا بحوالي 70 رصاصة في حين قام بعض المجرمين بطعنها عدة طعنات بالسكاكين.
وبعد إجبار "نضال" وشقيقيه "وسام" و"مؤمن" على خلع النصف العلوي من ملابسهم وتقييدهم بالحبال ، اقتحمت قوات الجيش الصهيوني المنزل وقامت بتفتيشه بصورة دقيقة والعبث بمحتوياته وحفر عدة أجزاء من أرضيته مما أحدث بالمنزل أضرارًا بالغة.
ولم تنته عمليات التمشيط والتحقيق مع أصحاب المنزل إلا في الساعة العاشرة ليلاً حيث غادر عندها جنود الاحتلال المنطقة وهم يطلقون العيارات النارية من أسلحتهم الأوتوماتيكية في الهواء تعبيرًا عن فرحتهم بهذا الحدث العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.