تحت عنوان "هل السيسي آمن؟"، جاء مقال بمجلة "ناشيونال إنترست" للباحث كاسبر ويت المحلل السياسي السابق بالاتحاد الأوروبي والخارجية الهولندية، والذي ترجمه موقع "مصر العربية". ويقول الكاتب: أثناء رحلة حديثه إلى لندن، سألني خبير في شؤون الشرق الأوسط عن مدى استقرار نظام السيسي من وجهة نظري. منذ عام فحسب، كان مثل هذا السؤال بعيدا عن التصور. ولكن 2015 كانت سنة صعبة على السيسي. وبالرغم من هجمات الجيش المستمرة، لكن عدم الاستقرار في سيناء يتنامى. وبعد أن أظهر الاقتصاد علامات مؤقتة على الاستقرار، لكن المرجح أنه بات ضحية أخرى لسقوط الطائرة متروجيت، والذي أحدث تأثيرا سلبيا على الاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة. ثمة علامات عامة متزايدة حول وجود خصومة ومشاعر سخط داخل النظام خلال العام المنصرم. مثل هذه الانقسامات لا تشكل تهديدا على استقرار النظام. لكن استقرار النظام لا يضمن بالضرورة استمرار السيسي. الفشل في تقليص المتمردين في سيناء، وكذلك الإخفاق في إنعاش وإصلاح الاقتصاد قد يجعل السيسي عرضة لمنافسين محبطين، لا سيما داخل مؤسسة الجيش. وجهة النظر التقليدية حول دعم الجيش للنظام واعتبارها من الثوابت غير المتغيرة، والتي كانت قائمة حتى ثورة يناير 2011، دائما ما تشوش فهمنا لصراع القوى بين المكونات الرئيسية للنظام السلطوي المصري: وتحديدا بين النخبة السياسية والجيش والأجهزة الأمنية. كتاب حازم قنديل "جنود وجواسيس ورجال دولة" يقدم وظيفة جديرة بالثناء في تبديد خرافة النظام المصري كقوة متجانسة. العلاقة الأساسية للنظام في أعقاب 2011 مركزها العلاقة بين الرئيس والجيش. تقليديا، كان العسكري الذي يتبوأ الرئاسة أكثر قوة من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أكبر سلطة عسكرية، لكن ذلك تغير على نحو ملحوظ منذ انتفاضة يناير 2011. مدركا ذلك، حرص السيسي على تعيين بعض من حلفائه الأكثر قربا في وظائف أساسية بالجيش والمخابرات قبل أن يستقيل من الجيش. وتضمنت قائمة هؤلاء الجنرال محمود حجازي، والد زوج ابنة السيسي، حيث تم تعيينه رئيسا لأركان القوات المسلحة، ونائبا لرئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكذلك تضمنت القائمة الجنرال محمد التهامي، معلم السيسي، الذي تولى وظيفة مدير المخابرات العامة (قبل إقالته لاحقا). ثمة تغيير آخر ملحوظ حدث في الصفوف تمثل في تعيين الجنرال أحمد وصفي صاحب الكاريزما والصريح، وأحد أكثر القادة ذوي الثقة بالنسبة للسيسي في منصب رئيس هيئة تدريب القوات المسلحة وإعفائه من منصب قائد الجيش الثاني وهو ما يعتبر نزولا وظيفيا بالرغم من احتفاظ وصفي بمقعده في المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ومنذ أن صعد إلى السلطة، حاول السيسي استعادة السيطرة الرئاسية على مؤسسة الجيش. وترددت شائعات أن السيسي حاول الإطاحة بوزير الدفاع صدقي صبحي واستبداله بمحمود حجازي. وكان غياب صبحي واضحا أثناء زيارة السيسي إلى سيناء في أعقاب هجمات يوليو 2015. صبحي، الذي يستمتع بدعم واسع النطاق داخل الجيش، يعتبر الجيش مؤسسة مستقلة لا ينبغي لقياداته حمل طموحات سياسية. تأجيل إعلان السيسي عن ترشحه للرئاسة في أوائل 2014 كان نتيجة لانقسامات بين السيسي ورجال مؤسسات مثل صبحي الذي شعر أن السيسي جعل مؤسسة الجيش بأكملها متواطئة في سعيه من أجل السلطة. وأشرف نظام السيسي على تحول كبير في مناصب عسكرية واستخبارية رئيسية تتضمن قيادات الجيشين الثاني والثالث الميداني، والبحرية، ووزير الداخلية، ومديري المخابرات العامة والحربية. وبينما يتمثل الدافع وراء التغييرات في بعض المناصب إلى المطالب التشغيلية والإستراتيجية للهجمات العسكرية المستمرة في سيناء، لكن ثمة علامات متزايدة تشير إلى أنها ناجمة من توتر داخل الصفوف العليا. وعلى سبيل المثال، فإن الجنرال محمد عبد الله القائد الجديد للجيش الثالث الميداني، والجنرال أسامة عسكر قائد القيادة الموحدة لقوات شرق القناة ومكافحة الإرهاب، المشرفة على العمليات في سيناء، كلاهما حليفان مقربان من وزير الدفاع صدقي صبحي. وفي ذات الأثناء، تم إقصاء صلاح البدري، الذي عمل مع السيسي وقتما كان الأخير مديرا للمخابرات الحربية، من منصبه ذي الأهمية الإستراتيجية. الوضع الحالي يمثل شبكة دستورية وقانونية من صنع السيسي. المادتان 201 و234 من دستور 2014، التي تفاوض فيهما الجيش تحت قيادة السيسي( وقتما كان وزيرا للدفاع) أواخر 2013، بالإضافة إلى القانونين 18 و20 عام 2014 تنص على حتمية موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع الذي لابد أن يكون من بين صفوف القوات المسلحة. وهو ما يمثل حماية لهيكل القيادة داخل القوات المسلحة المصرية من التدخل المدني (الرئاسي). صراعات السيسي مع القوى الخارجية تلوح في الأفق بنفس حجم الصراعات الداخلية. السعودية بشكل خاص التي أمدت مصر بأكثر من 20 مليار دولار مساعدات مالية عبر العامين الماضيين تتزايد درجة توترها. جهود الملك سلمان في الصلح بين السيسي والإخوان قوبلت بالصد من الجانب المصري. التسريبات الصوتية من داخل مكتب الجنرال عباس كامل سوف تضر بلا شك بوضع السيسي في الرياض. إذا تمت منازعة السيسي، فإن المرجح أن تفضل السعودية والولايات المتحدة نظاما معتدلا بدلا منه. وحتى الآن، ما زالت العلاقة بين السيسي والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وداعمي السيسي الخارجيين على حالها. ولكن بينما قد يظل النظام راسخا في مكانه في المستقبل المنظور، لكن السيسي ليس محصنا على نحو مستدام من عدم الاستقرار.