خلصت دراسة سياسية إلى أن ثورات التحول الديمقراطي في الوطن العربي فرضت على الكيان الصهيوني إعادة صياغة عقيدته الأمنية من جديد، والمبادرة لإحداث تغييرات جوهريّة في بنية الجيش وطابع استعداداته؛ ، ما استدعى زيادة موازنة الأمن. واستعرض الكاتب صالح النعامي في دراسته التي جاءت تحت عنوان "نفقات الأمن الإسرائيلي في ظل الثورات العربية"، المسوغات التي يقدّمها قادة جهاز الأمن لتبرير المطالبة بزيادة النفقات، والأوجه المحتملة التي تستوعب الزّيادة، علاوةً على تقييم الخبراء الاقتصاديّين وأرباب المرافق الاقتصاديّة الصهيونية لهذه المطالب ولتأثيراتها المتوقّعة على منعة الدولة الصهيونية الاقتصادية وحصانتها الاجتماعيّة.
وينطلق صاحب الدراسة في ورقته من المعطيات الصهيونية التي تشير إلى الآثار الإيجابية التي نجمت عن توقيع تل أبيب لمعاهدتيْ "السلام" (كامب ديفد، ووادي عربة) مع مصر والأردن، حيث ساهمت في تحقيق الكيان الصهيوني طفرة اقتصادية هائلة.
ومكّن تراجعُ مستوى التهديدات الأمنيّة على الجبهتين الجنوبية والشّرقية صنّاع القرار من تقليص النّفقات الأمنيّة كثيرا، بحيث وجّهت الموارد المخصّصة للأمن إلى الاستثمار في مجال البنى التحتيّة المدنيّة والتقنيات المتقدّمة، وغيرها من مجالات.
وأدّى هذا الواقع إلى تراجعٍ كبير في حجْم الحصّة التي تشغلها موازنة الأمن في الموازنة العامّة للدولة والناتج المحلّي الإجمالي، كما وجّه جزء من التقليص إلى الصحّة والتعليم والإسكان، أي إنّ "السّلام" والاستقرار ساهما في تمكين صنّاع القرار في تل أبيب، من اتّباع سياسة اقتصادية اجتماعية ضمنت تكريس أسس دولة الرّفاه الاجتماعي، لتكون دولة الصهاينة بيئةً جاذبة للهجرة اليهوديّة.
ويضيف النعامي، أنّ الثورات العربية أثارت المخاوف، لدى صنّاع القرار وأرباب المرافق، من أن تمثّل التحوّلات النّاجمة عنها تهديداً لكلّ الإنجازات التي حقّقتها الدولة الصهيونية بفعل عوائد التّسوية. فقد اعتبرت النّخب الصهيونية أنّ ما حدث تهديد لاتّفاقيّة كامب ديفد التي أتاحتْ للكيان الصّهيوني تقليص نفقات الأمن، ومضاعفة الاستثمار في المجالات المدنيّة التي تبعد شبح الرّكود الاقتصادي.
وأكد الباحث أنّ ما يقضّ مضاجع النّخبة السياسيّة والاقتصاديّة المخاوف من أن تُسفر الثورات عن فرْضِ قيودٍ على تجارة الصهاينة الخارجيّة، ذلك أنّ 98% منها ينقل عبْر البحار، وثلث الاستيراد والتّصدير الصهيوني يوجَّه نحو الشرق عبر قناة السويس.
ولا يتخوف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقط من إغلاق القناة أمام السّفن التجاريّة الصهيونية، بل يخشى إقدام المصريين على إغلاق مضائق تيران وتهديد الملاحة البحرية عبر ميناء إيلات، ممّا يعني خنْق الصهاينة تماماً.
ويستدرك في فصل من دراسته بالقول إنه رغم الجدل الدّاخلي، لا يوجد إجماعٌ على وجود مسوّغ ملحّ لزيادة موازنة الأمن في أعقاب الثورات العربية، ويستند في ذلك إلى رأي محلّلين يعتبرون أنّ الظروف الموضوعيّة تلزم مصر تحديداً بالحفاظ على معاهدة كامب ديفد، بغضّ النظر عن طابع نظام الحكم القادم وخلفيته الأيديولوجية، استناداً لاعتبارات اقتصاديّة محْضة. وعلى اعتبار أنّ أوضاع مصر الداخليّة ستمنع النظام القادم من وضع مواجهة الدولة الصهيونية ضمن أولويّاته.
ويؤكّد النعامي في الختام أنه على الرغم من تحفّظات أرباب المرافق الاقتصادية وبعض الخبراء على الاتّجاه الرّسمي العام بشأن زيادة موازنة الأمن، ومع أنه من السّابق لأوانه الحكم على مآل الثّورات العربية وتداعياتها على دولة الصهاينة، يمكن القول إنّ حالة الضّبابيّة وانعدام اليقين التي أسفرت عنها الثورات، ستدفع الصهاينة للقيام باحتياطات أمنيّة كبيرة تُرْهق خزانة الكيان الصهيوني.
من هنا، فإنّ تل أبيب ستحاول الاعتماد على المساعدات الأمريكية الإضافيّة لتغطية النّفقات العاجلة حتّى لا تتأثّر السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تضمن مستوى رفاهٍ عالٍ للصهاينة.
ويستخلص الكاتب أنه إذا تحقّقت التوقّعات السوْداوية بشأن مآل الثورات العربية، وباتت الجبهات الحدوديّة جنوبا وشرقا وشمالا، ساحات مواجهة، فإنّ النّفقات الأمنيّة ستكون كبيرة إلى حدّ لن يُجديَ معه الاكتفاء بالمساعدات الأمريكية الإضافيّة.