منذ أولى مراحل التفاوض مع الكيان الإسرائيلي، تم استبعاد كل القيادات الفلسطينية غير المرغوب فيها إسرائيلياً، وليس أقل من ذلك أميركياً. تركزت الأسباب والمبررات لاستثناء تلك القيادات، في أن إسرائيل لا ترغب في التفاوض مع جهات متطرفة أو متشددة أو معادية للسلام، وأخيراً «إرهابية». لم تُطبَّق عملية الاستبعاد الماكرة هذه على الطرف الإسرائيلي المتشدد المتطرف المعادي للسلام، والإرهابي على أرض الواقع وعلى الدوام. أُدخل الطرف الإسرائيلي المفاوض كبطل منتصر على «حلبة التفاوض»، مع الطرف الفلسطيني، في كل جولات التفاوض حتى الآن. في كل جولة تفاوض يخرج الطرف الإسرائيلي بجملة أو حزمة أو باقة من التنازلات، المباشرة أو غير المباشرة أو الضمنية. الآن يُحال بين جناح القيادة الفلسطينية المفاوِض وبين عموم شعب فلسطين، الذي من المفترض أن تمثله أصدق وأكمل تمثيل. في الداخل تحت الاحتلال الإسرائيلي، تسود حالة من اليأس الشديد وفقدان الثقة بين القيادة المفاوضة والشعب الكادح المكافح وراء لقمة العيش. لا يوجد الحد الأدنى من الثقة باستقلالية المسار والقرار السياسي الفلسطيني، الذي أصبح مهبطاً للإملاءات الإسرائيلو أميركية. السبب هو أن اقتصاد وجهاز ونظام إدارة الكيان الفلسطيني الناشئ عقب «اتفاق أوسلو»، تعتمد جميعاً على مساعدات المصادر الخارجية بشكل حيوي ماس؛ وهي مساعدات في جلها تخضع لمراقبة إسرائيلية أميركية شديدة الحدة. مع الخارج، لا يتوفر الحد الأدنى من الاتصال والتواصل بين السلطة الوطنية الفلسطينية وفلسطينيي الشتات، حتى من منهم على مرمى حجر من الحدود الفلسطينية العربية. السبب هو مسلسل التنازلات الحادة في المفاوضات، التي أتت على جل ما يعيد لأي منهم حقوقه في أرض الآباء والأجداد، فلسطين. الحديث عن حقوق الفلسطينيين، بات يُحسب من قبيل التطرف والهذيان والدعوة إلى الإرهاب والتمرد على أمن وشرعية السلطة الوطنية الفلسطينية؛ سلطة جرى ويجري تهذيبها وقولبتها حسب المقاييس الإسرائيلية المدعومة أميركياً. أخيراً، وقع عنق الطرف الفلسطيني المفاوض في قبضة أو بين فكي كماشة الوفد الإسرائيلي؛ وبشكل لا سابق أو نظير له في البؤس. يظهر ذلك جلياً الآن في مفاوضات منتجع «شرم الشيخ»، في ظروف يفتقد فيها الطرف الفلسطيني المفاوض خصوصاً والعربي والإسلامي عموماً، أي أوراق حقيقية للضغط والمساومة. لا يوجد أسوأ من التفاوض مع نتنياهو إلا التفاوض مع نتنياهو. وفي ظل هذا الضعف والركون إلى الغير، بات من غير المستبعد حصول اعتراف فلسطيني بمتطلبات الطرف الإسرائيلي، جزئياً أو كلياً. يجري ذلك بشهادة وحضور وقبول رسمي عربي ودولي، ولو بشكل جزئي ثمة رمزي سياسي فاعل مؤثر. الطرف الإسرائيلي يمتلك جل الأوراق الضاغطة، بل الخانقة للأنفاس. وفي المقابل كل الأوراق العربية تأتي من وعود خجولة، ثمة عابثة ماكرة من موفدي الإدارة الأميركية؛ إدارة عادة ما عملت كمليّن أو مسهِّل ل«صمام أو قُمْع» التنازلات العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً. بالذات يجري الحصول على اعتراف عربي فلسطيني بيهودية الدولة. بات من الملزم على الوفد الفلسطيني والوفود العربية المشاركة، والجهات غير المشاركة، أن تطالب بفلسطينية وعروبة وإسلامية القدسوفلسطين. على المجموعات العربية والإسلامية والدولية، التحرك لإنقاذ الموقف الذي آلت إليه الأمور. المقولة الساذجة في الطرف الفلسطيني المفاوِض، والتي تتلخص في أن «أهل مكة أدرى بشعابها»، لم تعد مقبولةً، ولا تنطبق هنا بادئ ذي بدء. بات الطرف الفلسطيني المفاوِض يتيماً مكبَّلاً مسيَّراً لا مخيَّراً، وبشكل مطلق. لم تنجح مفاوضاته مع قيادة إسرائيل التلمودية حتى الآن في تحقيق أي هدف، مهما صغر. ليس بالضرورة وقف التفاوض للوصول إلى حلول مشرّفة، ولو بالحد الأدنى. لكن هنالك ضرورة لوقف تقديم التنازلات مهما تكن بسيطة، أو تبدو كذلك. التنازلات الفلسطينية، ومعها العربية والإسلامية، لم يعد لها ما يبررها. المبرر المعهود المزعوم لتقديم التنازلات، هو لإشعار الطرف الإسرائيلي بالاطمئنان الأمني والتفاؤل الاجتماعي الإنساني والتشجّع المعنوي وإظهار حسن النوايا العربية! تلك مبررات وأسباب استُنفدت قبل توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» مع الحكومة المصرية في نهاية سبعينيات القرن الماضي. عندها ابتزت إسرائيل جل ما لدى القيادة المصرية من ميزات تكتيكية استراتيجية، لاستعادة شبه جزيرة سيناءالمحتلة، تحت الإدارة المدنية المصرية.